بغداد/ شبكة أخبار العراق- منذ أن سقطت حكومته الثانية عام 2014 ونوري المالكي يشكل عبئا ثقيلا على الحياة السياسية في العراق.فزعيم حزب الدعوة الاسلامي الذي لا يُخفي تطرفه الطائفي صار إيرانيا أكثر من الإيرانيين بعد أن منعت إيران محاكمته بعد هزيمة الجيش العراقي أمام تنظيم داعش وسقوط الموصل. كما أن الرجل الذي يقدم نفسه على أساس كونه زعيم المقاومة يعتبر نفسه عراب العملية السياسية الذي تُقام الحكومات بناء على تعليماته.عبر ثمان سنوات من حكمه استطاع أن يُقيم دولته العميقة التي تدير عمليات الفساد الكبرى التي تستنزف أموال الشعب العراقي الذي يتعثر بين أسئلة الفقر. هناك فئة تحبه هي الفئة التي انتفعت من القوانين الاستثنائية التي أقرتها حكومته وكان شراء الذمم هدفه من وراء ذلك.
لا يزال المالكي زعيما لحزب الدعوة غير أنه من أجل أن يزج بنفسه أكثر في العملية السياسية صار يتزعم التحالفات الحزبية التي ترعى مصالح إيران. وهو من خلال ذلك انما يضرب عصفورين بحجر واحد. أولا يوحي لإيران بأن لا أحد في إمكانه أن يرعى مصالحها ويحميها غيره وثانيا فإنه يستقوي بإيران على شركائه في التحالفات بالرغم من أن عددا منهم كهادي العامري يملك علاقات عميقة تربطه بالحرس الثوري الإيراني.وبالرغم من حرص الشركاء الشيعة على اخفاء خلافاتهم فإن هناك تململا واضحا من وجود المالكي على رأس تحالفهم في الإطار التنسيقي الذي يدير الدولة من خلال حكومة محمد شياع السوداني.
اما بالنسبة للسوداني الذي تربى على تعليمات حزب الدعوة باعتباره عضوا ولم يغادره إلا قبل سنوات قليلة فإنه يقف حائرا بين موقفين. موقف العضو القديم الذي ينطوي على الطاعة المطلقة انطلاقا من قسمه العقائدي بالولاء، وموقف رئيس الحكومة الذي يُنتظر منه أن يكون ناجحا في كل ما فشل فيه أسلافه عبر العشرين سنة الماضية.
وهو في ذلك انما يميل إلى أن يتحرر من وهم الطاعة الذي سيجره أراد أم لم يرد إلى القبول بكل ما تفرضه الدولة العميقة عليه من تعليمات في ما يتعلق بحماية الفاسدين وغض النظر عن عملياتهم القذرة التي صارت هيئة النزاهة قادرة على اكتشافها بيسر بسبب تطور خبرة العاملين فيها واطمئنان الفاسدين اعتمادا على مبدأ الافلات من العقاب لأسباب حزبية والطائفية.
يعرف السوداني بعد جولاته المتكررة بين الدول العربية أنه لو أراد النجاح في مهمته فعليه أن يتحرر من ماضيه الذي يحتوي حزب الدعوة بكل تبعاته بضمنها نوري المالكي الذي يرى أن السوداني ما كان من الممكن أن يصبح رئيس حكومة لولا أنه رشحه ودفع به إلى المنصب الأول في السلطة التنفيذية.
تلك علاقة فيها الكثير الأخطاء التي يمكن أن تنزلق بالسوداني وحكومته إلى هاوية الفشل. ذلك ما لا ترغب فيه الأحزاب التي يجمعها الإطار التنسيقي. هناك خوف حقيقي من أن يشكل فشل السوداني نهاية للنظام. وهو ما لا يأخذه المالكي بنظر الاعتبار. فالرجل لم يعد يدير دولته العميقة إلا من خلال أقربائه وأعضاء الحزب والموالين له. وهو إذ ينظر من فوق فإنه لا يرى التفاصيل وهو لا يتعامل مع حكومة السوداني إلا باعتبارها خادمة لتوجهات دولته التي تشعبت متاهاتها وتنوعت أدوات وسبل وأساليب ادائها.
يوما ما سيقول السوداني للمالكي “أنت مشكلتي”. ولكن ذلك قد لا يحصل لأن انقلابا سيحدث في الإطار التنسيقي سيكون من نتائجه الغاء كل موقع اعتباري يتمتع به المالكي بشرط الحفاظ على حياته. ذلك اتفاق قد تشرف عليه إيران في أية لحظة انطلاقا من فكرة إعادة انتاج النظام وضخ دماء جديدة فيه.نوري المالكي هو عبء ثقيل على النظام والحكومة معا. هناك شعور لدى أركان النظام أن دولة المالكي العميقة سرقت ما لا يمكن التستر عليه، كما أن حكومة السوداني لن تستطيع العمل وهي مكبلة بالمقاييس الحزبية والطائفية التي تمنع محاكمة الفاسدين بعد القاء القبض عليهم. حاول السوداني أن يقدم الحصول على جزء من الأموال المسروقة على القانون غير أنها بدت فكرة مضحكة ومثيرة للسخرية. سيكون التخلص من المالكي فرصة للنظام لكي يحقق انجازا تستفيد منه حكومة السوداني في انجاز مشاريع خدمية حقيقية من غير أن تقع في أيدي الفاسدين. وهو أمر لن يكون مستبعدا في القريب العاجل.