من المناسب القول إن الفنون الإنسانيَّة ذات صلة وارتباط مع المجتمعات، ولكن يبدو أن التخلف وتجارب الاستهلاك جعلت من الفنّ مهمشاً ومنسياً، بل لا يمكن أن نذكر له قيمة إلا ما ندر فما الذي طرأ على المجتمع ليوسع من استهلاكه لكل شيء بينما يتجاهل فهم رسالة الفنّ؟لا نجد تأثيراً للفن في واقعنا اليوم، هذا ما نلمسه عن كثب والأمر طبعا يمكن أن نعده انتكاسة خطيرة، ولكي نكون منصفين يمكن أن نستدل على سنوات سابقة كانت للفنون الإنسانيّة قيمة في محافل الحياة، فالرسم والمسرح والسينما بقيت أكثر حضوراً في مراحل الستينيات والسبعينيات ويومها كانت الأفكار السياسية والثورية متوهجة. وقدم الفنّ التشكيلي في مرحلة من تاريخنا المعاصر تصورات حقيقية لامست العاطفة والوجدان والذاكرة معا والتقى التشكيل مع المسرح والفوتوغراف والسينما في نقطة التقاء بانت فيها المعايير الجمالية على طبيعتها وتماسها المباشر مع الإنسان، بل لا يكاد تدخل مكانا إلا وهناك لمسات في التصميم والديكور والرواج للفن المباشر ومع هذا كله ثمة التقاء وأواصر قوية بين الفن والمجتمع، فهل يمكن إعادة ما تأسس ذات يوم وتبدد الآن؟ كل شيء وارد لو ترسخت مفاهيم الجمال وقيمها الفكرية أمام انظارنا ولكن تبدو المسألة اليوم أكثر بعداً عن هذا التصور فالحروب وطاقة الاستهلاك وعدم الترويج للفن وخيبة الظن به كمقوم ومحفز للتأثير الإنسانيّ، إضافة إلى الفوضى في فهم الغالب من فنون ما بعد الحداثة كلها أسباب تأخذ مكانتها ولكن ما الدور الذي يمكن أن يؤديه المثقف والسياسي والفنان لإحياء الفنون وعدها علامة فارقة في بنية
المجتمعات.
إن المبدأ الاساسي للفن المعاصر أن يثير الجمال ويرسخ الأفكار وتكون له احاطة بتراث الإنسانيّة والتعبير المستمر والمباشر عن ما يشعر به المرء جراء الانتكاسات المتلاحقة، فالذي يتحقق في الفنّ من طرح مواضيع حساسة لا بد من التذكير به، والتأكيد عليه وقد رأينا كيف وظف الفنانون الغرب انتكاسات الحروب التي عاشوا منذ مطلع القرن المنصرم، وحفز ذلك على أن تكون وقائع الحروب في الذاكرة مع اختلاف الكثير من الآراء التي قيلت وقتها والحقيقة المؤلمة التي نعيشها في وقتنا إننا لم نجد من توظيف الفن للكثير من المعطيات ذات الحساسية التي نتلمسها في الواقع اليومي والاجتماعي.
وهذا يعد خيبة أمل لمن يعي أن للفن مكانته وتأثيره في أنفسنا والسؤال المطروح الآن هل يفي الفن بالغرض المطلوب امام هول صدمة الحروب والتهجير، وحتى الاقتتال الطائفي الذي حدث في مجتمعاتنا العربية، الفن رسالة حب وجمال وإخلاص فردي يتبناه الفنان ويود من خلاله أن يمثل شروط بقائه ورصانته وحتى وجوده بيننا، ولكن ما يحدث في المجتمعات شيء لا يمكن أن يرتبط مع الفنّ لغياب الذائقة وهوس الفرد بأشياء الكترونية وانشغاله بما يحفز على الاستهلاك أكثر من الانتاج بينما تقف الفنون الإنسانية عاجزة عن التعرض، لكل تلك الأخطاء التي نرتكبها حينما ننسى الجمال الحقيقي الذي يبده الفنّ من خلال اتقان الحرفة وأدواتها وبث جماليات العمل سواء كان رسما أو نحتاً أو سينما أو مسرحاً جاداً.
ما الحل لكي نعي الفنّ ونطوره؟
في اعتقادي المتواضع أن الدرس الأكاديمي والدروس التعليمية وتزويد المتلقي عبر شاشات التلفزة بنقل وقائع المسرح والفنّ التشكيلي والفوتوغرافي وأحياء المعارض والنشاط المدرسي وبقاء فكرة الجمال راسخة في الجيل الجديد تبدي تأثيرا في نفوسنا، ولكي نتعرف على تمثيل كل ذلك لابد من متابعة يومية أو اسبوعية. واجد أن قدرة المعرفة ونقل صورتها بالشكل التام كفيل بإحياء فهم الفن مع التركيز على وصف الأفكار بواقعيتها، وبما أن قيمة المجتمعات المتحضرة يجيء من التقارب بين الفنّ والإنسان والمحاكاة اليومية المدروسة، وتوظيف قدرة الفرد على أحياء صور الجمال والتعاطي مع العمل بحساسية، ورؤية كل ذلك سبب في أن يكون المجتمع ملماً بالحفاظ على تراثه الفني.