المربد في سياقه الثقافي

المربد في سياقه الثقافي
آخر تحديث:

ياسين النصير
لا أحد يتصور مهرجان المربد، غير أن يكون مجرد احتفالية لإلقاء الشعر وإدارة الجلسات النقدية وتقديم المحاضرين،واستقبال وتسكين المشاركين، ودعوتهم لموائد الغذاء، ما عدا ذلك فهو واهم،هذا هو المنطق العام للظاهرة،ولكن المهرجان لم يقف عند قشورها،بل تعمق في ابراز جوانب إيجابية ضاعت في صخب الجمهور وسوء التنظيم. فالمربد غادر مهمته التنويرية الهادئة والقصدية،واستنسخ بروبجندا النظام السابق في جعله واجهة لمؤسسات، مما فسح المجال للتقول بكل أنواعه.
ليصبح المربد بمجمل جيده ورديئه خارج مهمته الثقافية؛ فعالية مرتبطة بموعد محدد يجب ان ينعقد فيه المربد كما يجب أن يكون، وكما عُرف عنه، سوق للثقافة الحديثة لتياراتها المتجددة، لميادين أقولها، للتنافس بين المناهج، للآراء التي تنعكس على موائد اللقاء لتبادل الخبرات لتكريس منهجية للثقافة العراقية يمكن اعتمادها في مجالات أخرى، لصياغة صوت للمثقفين العراقيين في زمن هُمش فيه المثقفون وأُبعدوا عن ساحة الفعل، المربد صلة بين ثقافات الدول المشاركة، وتبادل بين مناهج لسياقات مختلفة، وحوار يعالج مشكلات الثقافة والمثقفين،و فضاء لطرح بضاعة الثقافة والسياسة والمجتمع،هذا ما يجب أن يكون عليه المربد كي يصبح أرضية تسير عليها عجلات المرابد اللاحقة.
إلا أننا وللأسف الشديد كنا في حضرة غياب المنهجية العلمية التي تنمي القدرات الثقافية، لإبراز صوت الثقافة والمثقف في زمن بحاجة إليه،إن اقتصار فعالياته على من يلقي الشعر وعلى من يستمع إليه، اصبح فعالية مدرسية تضيّع الأسئلة، فالمربد امتحان لقدرة القول على التبليغ، والفهم والسؤال، وصنع رسالة لثقافة معاصرة، وعندما يتخلى المربد عن مهامه التاريخية والمعاصرة ينحرف باتجاه تدبيج كلمات احتفالية ويكتفي بذلك،وهو ماحدث، فيسقط في  المكرر والمتشابه، وقد شعر بعضنا بمثل هذا الوضع، بالرغم من أن الشعر كان في مجمله جيدا، خاصة الشعر الذي كتب بناء على المشاركة بمسؤولية النهوض بالثقافة، في حين شعر بعضنا بالخيبة عندما اعتلى منصة الشعر شعراء ليس لديهم جديدًا، بعضهم  قرأ نصًا عامًا كتب قبل ربع قرن!! أي عندما كان محسوبًا على الشعراء، وبعضهم اخرج ديوانه القديم، ليقرأ منه نتفًا، والأمر نفسه ينطبق على الندوتين النقديتين، الجيدتين في عموم ما طرح، ولكن البعض تحدث عن مشاريعه اللاحقة، ولم يتحدث عن شعر كاظم الحجاج، والبعض تحدث عن الحجاج كما لو تحدث عن الجميع،والقلة من المتحدثين اختص بجانب من شعرية الحجاج فأوفى حقها، وفي الجلسة الثانية اضطر مدير الندوة أن يكثر من مداخلاته  كي يملأ الفجوات ويسد نقص المواضيع.
في الجانب الآخر من حضور المربد، كنت يائسا في الكثير من تصوراتي باستثناء الحضور المتميز لمقدمي الجلسات، فقد ضبطوا ايقاع المربد، وصيروه مقبولًا في الكثير من فقراته. كما نشط الزورق النهري، وهو يمزج رؤية بين الماء والشطآن والصور. وقد عرف البعض منا الطريق إلى شط العرب، وإلى أسواق المدينة،وإلى ذاكرة الأصدقاء والأمكنة،باحثين عن آثار أقدام الصبا في سوق الهنود، والعشار، والسيف، وبقاع أخرى.
مربد هذا العام لم يختلف عن مرابد السنوات الماضية لا في افتتاحه المضطرب، ولا في برامجه العادية، إلا أنه ربما يكون الاكثر حضوراً في مرحلة نحن بحاجة إلى أن يلتقي بعضنا ببعض وبكاظم الحجاج المحتفى به.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *