المرجعيّة الشيعيّة وإرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق

المرجعيّة الشيعيّة وإرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق
آخر تحديث:

بقلم: زكي رضا

عُقدَ برعاية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي قبل أيّام ملتقى “علمي” ديني وفق بيان من العتبة الحسينيّة بكربلاء تحت عنوان “أثر القيادة الصالحة في نهضة الأمم وتقدمها السيستاني (دام ظله) أنموذجا”، أعلنت فيه “أن المرجعية الدينية الرشيدة قررت إرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق مغايرة للمعادلة الجائرة السابقة، فيما بينت أن رؤية المرجعية العليا تتلخص ببناء دولة تحتضن الجميع”. وهذا يعني أنّها أي المرجعيّة تعلن وبشكل رسمي تدخّلها بالشؤون السياسيّة للبلاد، كما يعني أنّ نظام الحكم منذ الاحتلال لليوم هو نظام جائر، كما يعني أيضا أنّ الدولة كانت تميّز بين مواطنيها (ومازالت) وهذا ما يدفع المرجعيّة لرؤية مغايرة عن السابق في بناء الدولة. والسؤال هنا هو: أين كانت المرجعيّة طيلة ما يقارب العشرين عاما الماضية والدولة العميقة بكل فسادها وجرائمها هي من تقود العراق، ولماذا لم تطرح هذه الرؤية بعد تشكيل أوّل حكومة محاصصة فاسدة بالبلاد؟

ما شكل الدولة التي تريدها المرجعية الشيعية وفق ما جاء على لسان الأمين العام للعتبة الحسينية حسن رشيد العبايجي وهو يقول “المرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة كما جاء في حديث الإمام الحجة (عجلّ الله فرجه الشريف)، وأما الأحداث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله”، ليبيّن بعدها قائلا إنّ “عملها يجب أن يكون في ظل ما قام به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أدوار ومواقف مختلفة”؟ من المؤكّد أنّ السيستاني ليس من دعاة الدولة العلمانيّة الديمقراطية التي ستحدّ من دور رجال الدين ومؤسساتهم من التدخل بالشؤون السياسيّة حسب مبدأ فصل الدين عن الدولة، كما يفعل اليوم. وكما يؤكّد أنصاره والبيانات الصادرة من مقرّبيه فإنه لا يدعو إلى دولة إسلاميّة على غرار دولة الفقيه، فهل يدعو من خلال إرسائه “معادلة جديدة لنظام الحكم في العراق” لبناء دولة إسلاميّة معتدلة تشغل فيها الشريعة وسنّة آل البيت حيّزا كبيرا منها.

لو عدنا إلى الدستور الذي أصرّت المرجعية على كتابته والتصويت عليه بعجالة شديدة رغم المناشدات الكثيرة بالتريّث في كتابته والتي تطالب اليوم بـ”إعداد دستور تشارك في كتابته جميع المكونات يحظى بالقبول من أغلبية الشعب”، سنرى أنّه في بعض بنوده الرئيسية والتي تمس صلب الحياة الديمقراطيّة، ألغام تنسف المفاهيم الديمقراطيّة كما التي جاءت في المادة (2):

أولا: الإسلام دين الدولة الرسمي، وهـو مصدر أساس للتشريع.

أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.

ب – لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية!

فهل ستكون هذه التناقضات والتزاوج بين أحكام الإسلام والمبادئ الديمقراطيّة موجودة في الدستور الجديد، خصوصا وأن مهدي الكربلائي وعددا لا بأس به من رجال الدين كانوا ضمن لجنة كتابة الدستور السابق، وبالتأكيد سيكونون ضمن اللجنة التي تكلّف بكتابة دستور جديد مثلما تطالب المرجعيّة؟ الجواب نعم ستكون وبلا شك موجودة لأنّ المرجعيّة باعتبارها جهة دينية لا يمكنها شرعا القفز على هذه المطالب، وهذا يعني استمرار الخلل في الدستور وليستمر كما هو اليوم حمّال أوجه.

أمّا حول الانتخابات البرلمانيّة فإنّ المرجعيّة تطالب بـ”اعتماد نظام انتخابي عادل يتم من خلاله انتخاب مجلس النواب والذي يقوم بتشكيل الحكومة المسؤولة عن حفظ النظام وخدمة الشعب وفق منهج العدل والمساواة بين جميع المواطنين، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ليكون الأمر في نهاية المطاف بيد الشعب”.المرجعيّة وبلا أدنى شك وهي تتدخل بالشأن السياسي العراقي تعرف جيدا طبيعة القوانين الانتخابية التي تظهر قبل كل انتخابات، وكانت تكتفي في خطبها وبياناتها كما اليوم بأن تكون الانتخابات عادلة، وعلى الرغم من معرفتها بطبيعة الانتخابات التي جرت ودور الميليشيات (الحشد الشعبي) والمال العام في ترهيب وترغيب الناخبين، إلا أنّها أصرّت على أن تكون على مسافة واحدة من الجميع.

فهل يستوي الذين يقتلون وينهبون الناس مع الذين لا يقتلون ولا ينهبون الناس لتقف المرجعية على مسافة واحدة منهما كما صرّحت يوما؟ وأين هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اللهمّ إلا إذا كان الفساد والنهب والقتل والخيانة التي تمارسها أحزاب المحاصصة معروفة، أمّا إن كان فسادا فأين حديث النبي محمّد الذي يقول “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شيء من الإيمان”!

سؤال بريء للمرجعيّة حول الفساد وهو منكر بلا شك، هو إن كانت تعرف شيئا عن مشاريع العتبات الدينية الزراعية والصناعية والتعليمية والصحيّة والسياحيّة وغيرها، والمعفيّة من الضرائب ودفع الرشى لاستحصال الموافقات الأصولية نتيجة الفساد واستغلال المنصب والهالة الدينية، والتي لها الأولويّة كما مشاريع الحشد في إنهاء معاملاتها الرسمية في دوائر الدولة بسرعة الضوء والتي ينتظر فيها غيرها لسنوات وقد لا تنجز، هذه إن كانت مشاريع المرجعية والحشد ومافيات رجال السلطة تحصل على الموافقات الأصولية من دوائر الدولة أساسا.

تطالب المرجعيّة بأن “يكون الشعب هو مفتاح هذه المعادلة الجديدة والمباشرة بالانتخاب وصناعة مؤسسات الحكم ومحاسبتها واستبدالها في حال التقصير عن أداء واجباتها”. لقد كانت كل مؤسسات الدولة، هذا إن كانت هناك مؤسسات حقيقية، ولليوم فاسدة وناهبة للمال العام، ولم تستطع أي انتخابات تغيير الخارطة السياسية بالبلاد. والأمل كان معقودا على انتفاضة تشرين في بناء دولة جديدة ومحاسبة السراق واللصوص. لكنّ المفارقة هي ليس قمع الانتفاضة بالحديد والنار بالأمس، بل قمع كل تحرك جماهيري حتى المطلبي منه بقوّة السلاح كما حدث في الناصريّة مؤخرا.

واللافت للنظر أنّ الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي الذي تشكلّ وفق فتوى الجهاد الكفائي هي المسؤولة عن قتل العراقيين! إن كان الجهاد كفائيا لمواجهة خطر داعش على حواضر العراق فلم هو باق إلى اليوم ليستغلّه تجار السياسة الإسلاميون، وهل هناك أمل في أن يسحب السيستاني البساط من تحت أقدام الميليشيات المتسلحة بفتواه وإلغائها، كون مثل هذه الفتوى قابلة للتجديد والإلغاء وفقا للظروف التي مهّدت لإطلاقها واستمرارها وتقييمها من قبل المرجع الذي أطلق الفتوى؟

وبيّن البيان أن “المرجعية العليا أكدت على أبناء العراق الذين يمتلكون الكفاءة والمؤهلات بأن يتصدوا لإدارة البلاد وليس عليهم أن يفعلوا ذلك تحت أي سلطة أجنبية ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن العراقي ووجوب نيل العراق لاستقلاله بصورة كاملة وغير منقوصة”! أيتها المرجعية الرشيدة: إنّ من يتصدى لإدارة الدولة بالعراق اليوم هم جيش من الأميين والسرّاق واللصوص. هذا الجيش يشتري ويبيع الوزارات والمناصب العامّة بالبلاد. جيش من الدمج يقود القوّات المسلّحة والنظاميّة وإدارات الدولة. ولا مكان لذوي الكفاءة والمؤهلات للتصدي لإدارة البلاد والجامعيين ينضمّون باستمرار إلى فيالق العاطلين عن العمل. فالبلاد يقودها اليوم شعيط ومعيط كما يقول المثل البغدادي.العراق في حاجة إلى علماء اقتصاد واجتماع وفلسفة وتربية وطب وفيزياء وكيمياء وهندسة وغيرها من العلوم لينهض ويتقدّم كما بلدان العالم المتحضرة، وليس لعلماء دين مع جلّ اعتزازنا بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكل المرجعيات الدينية الأخرى.الانتفاضة ضد سلطات القتل والفساد والجريمة وليس الانتخابات التي تضع قوى الفساد قانونها كما تشتهي، هي الطريق الوحيد لتحرير بلادنا من دنس أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بأرض وسماء ومياه وثروات العراق خرابا وتدميرا. ولتعرف المرجعيّة أنّ قوى المحاصصة لن تستمع لما تقوله المرجعية إن تعارضت تلك المطالب مع مصالحها، لذا ولاحترام تاريخها الفقهي كمرجعية للشيعة في النجف الأشرف عدم التدخل بالشأن السياسي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *