المصالحة والعفو.. البيضة والدجاجة

المصالحة والعفو.. البيضة والدجاجة
آخر تحديث:

 

  علي علي

 

مازال قانون العفو العام قضية من جمهرة القضايا الشائكة التي تدور في أروقة رؤساء الكتل وأقبية النواب وقبب رئاسات مجلسهم، حيث يدعو بعضهم الى النظر بعين الرأفة والحنان ومن منطلق الإنسانية، الى المسكين ابن المسكين المغلوب على أمره.. المغرر به.. المخدوع بفكرة او عقيدة دسها في عقله مغرضون.. وشاء قدره أن “يهفو” من حيث يدري ولايدري.. وتحت شعار (چنّك ماتدري) ومن حيث يشعر ولايشعر.. راح يفخخ ويفجّر ويهجّر ويقتل ويخطف ويذبح ويسبي ويزني.. لاأكثر ولا أقل..! الأمر الذي دعا أصحاب القلوب مرهفة الحس.. والمشاعر الرقيقة الى الدفاع عنه والنطق بلسانه، لطلب المغفرة ومسامحته على “الزلة” البسيطة التي ارتكبها، والعفو عنه وإخلاء سبيله إن كان موقوفا، وإرشاده ونصحه وتحذيره بعبارة: (روح.. حباب بعد لاتسويها)..!

 

من منطلق كهذا ينطلق المنادون بإقرار قانون العفو العام، متناسين عواقب مافعله “أخوانهم وأبناؤهم” بحق الأبرياء من المواطنين، غاضين النظر عن الكم الهائل الذي خلفته “هفوتهم” من يتامى وثكالى وأرامل لن يندمل جرح فقدانها أبا او ابنا او زوجا او معيلا مدى الحياة، فضلا عما تسببه “زلتهم” من تأخير في سير عجلة البلد، وإرباك في مفاصل الحياة برمتها. ولم يفت المنادي بإقرار قانون العفو العام خلط الأوراق، حيث يولج المصالحة الوطنية بالعفو العام ويولج العفو العام بالمصالحة الوطنية، وهو تلويح واضح وتهديد صريح بعدم إتمام المصالحة الوطنية إلا بإقرار العفو عن “ذويه” المدانين علنا وحضوريا وقابعين وراء القضبان.. والمحكوم عليهم غيابيا وهاربين من وجه العدالة.. وكذلك الذين لم تطلهم يد القانون بعد، ممن مازالوا “في غيهم يعمهون”.

 

إنه من المؤلم حقا أن تطالب شخصيات في سدة الحكم بإقرار العفو العام، ومن غير المنطقي سعيهم الدؤوب في التأثير على أصحاب القرار والضغط عليهم لتمريره، إذ مازالت أغلب القيادات تتجاذب أطرافَ الحديث المغرض والمبطن بشأن العفو عن المجرمين، الأمر الذي يحمل بين طياته اعتبارات عدة، منها انتماءات وولاءات غير وطنية، تدفعهم بشتى الطرق الى توجيه مسار العفو ليشمل مجاميع ليس لها مكان في مجتمع يبتغي العيش بسلام وأمان، وشأنها في ذلك لتمشية توصيات وأوامر صادرة من أسيادهم، الذين بدورهم تُبّع لأسياد آخرين يشتركون جميعهم بهدف واحد هو؛ إبقاء العراق مكبلا يعيش تحت وطأة الجريمة المجتمعية، ضامنين بذلك -لمستقبل الأيام- توالد الفقر وتكاثر الجهل والمرض والتخلف، وبذا تتحقق المآرب الأبعد والأهداف الإقليمية بدوافعها السياسية والاقتصادية والطائفية المبيتة مسبقا.

 

ومن تلك الاعتبارات ايضا مايتخذه بعضهم في الصفح عن المسيء والعفو عن المذنب، تحت ذرائع وأعذار عديدة، كتورطه بالفعل الجرمي، او تعرضه الى التهديد او الى ضغوط اجتماعية او مادية او سياسية، ما أدى الى انجرافه وارتكابه جرما ما. ومنها اعتبارات اجتماعية بغية لفت نظر الرأي العام الى ذوي المدان من أفراد أسرته، لاسيما الأولاد والزوجة، الذين ينتظرون معيلهم ليخرج لهم من خلف القضبان، وعادة ماتكون نظرة هؤلاء اليه منحازة وأكثر عاطفية من نظرة القانون والقضاء، كما يقول الشافعي: “وعين الرضا عن كل عيب كليلة”.

 

وبهذا صار أمام أنظار المسؤول الأول الذي تـُعد كلمته هي الفيصل في تحديد من يشملهم قرار العفو خيارات عدة، فان أراد مسح دمعة طفل بإطلق سراح ابيه المجرم ثبوتا، فهو يسجل -من جانب- إحسانا وبِرّا ومَنّا لصالح هذا الطفل، إلا انه من جانب آخر قد وضع قنبلة موقوتة مسمار أمانها بيد شخص لاأمان له، ستودي بحياة عشرات الأطفال الأبرياء، ان عاد هذا الشخص الى سالف عهده في الاجرام. وبهذا ستكون عواقب إخلاء سبيل من ثبت جرمه وخيمة على المجتمع بأسره، فيا صاحب القرار.. المغامرة في هذا الأمر انتحار سياسي.

 

[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *