المنطقة الخضراء في العراق تقع في وسط العاصمة بغداد، ضمن منطقة حيوية تشرف على نهر دجلة، وتمتد الى عدة كيلومترات، وهي من أكثر المناطق حصانة في العراق وربما في العالم، تسورها ترسانات خرسانية شاهقة واسلاك شائكة علاوة على المئات من الحرس والقوات الأمنية الأجنبية والعراقية، إضافة الى الكاميرات الألكترونية التي تغطي جميع المناطق التي تجاورها.
هذه المنطقة المحمية لا يمكن لأي عراقي أن يدخلها ما لم يكن له عدة باجات تتيح له الذهاب الى مكان محدد فيها، وليس جميع الأمكنة، ومعظم الطرق الموصلة لها مقطوعة، ولا يسمح بالمرور إلا لمن يحمل باجات خاصة للمار والعربة معا. في هذه المنطقة التي لا تمت للعراق بصلة من الجوانب الثقافية والإقتصادية والإجتماعية، تختلف الحياة جذريا عن الحياة في بقية مناطق العاصمة مائة بالمائة، انها اشبه ما تكون واحة خضراء في صحراء قاحلة لا يمكن العيش بها، أو جزيرة خضراء في بحر هائج.
تتوفر في المنطقة الخضراء كل سبل الحياة الرغيدة من اسواق اجنبية ومطاعم ومتاجر ذات ماركات عالمية مشهورة، لذا غالبا ما يتندر العراقيون بالقول ” زعماء العراق والأجانب يعيشون في المنطقة الخضراء، ونحن نعيش في المنطقة الحمراء”، اي المنطقة الدموية التي تفتقد الى الأمن والإستقرار ومتطلبات الحياة الكريمة. ويمكن الجزم انه لا يوجد عراقي في المنطقة الحمراء لا يبغض هذه المنطقة اللعينة، التي تضم قصور الزعماء وكبار القادة الحاكمين والسفارات الأجنبية والمراكز الأمنية والعسكرية المهمة.
خلال حكم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أصدر لنا فتوى خضراء بفتح المنطقة الخضراء أمام العراقيين، ورفع الترسانات الخراسانية عن الشوارع الرئيسة المؤدية لها، والتي تجعل سائق المركبة يكفر بكل الأديان بسبب الإختناقات المرورية، علاوة على وجود السيطرات ونقاط التفتيش، فأحيانا يحتاج السائق الى ساعتين أو اكثر لكي يتجاوز خمسمائة متر، وذهب العبادي ووزارته الفاسدة، وثبتت الترسانات الخراسانية في مكانها شامخة شاهقة لا تتزحزح، ليست ثقيلة على السائقين فحسب بل إنها تثقل على صدور العراقيين عموما. وجاء رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، وزعم انه سيفتح المنطقة الخضراء أمام العراقيين، ولكنه سرعان ما تنصل عن وعده بسبب الظروف الأمنية ومناشدة بعض الأطراف الأجنبية التي لم ترحب بهذه الخطوة لدواعي أمنية.
وعن العودة الى التأريخ سنجد بأنه كلمة خضراء تدل على النضوج والفرح والسعادة والخير، كما في المثل المعبر عن هذه المفردات (الماء والخضراء والوجه الحسن). وهذ العبارة الجميلة مستمدة من قول الشاعر
تبقى المنابر بعد القوم باقية ويذهب المال والأيام والعمرُ
ثلاثةٌ موصوفةٌ تجلو البصر الماء والوجه المليح والخضر
كذلك في القول (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الجَنَابُ الأخْضَر)، والأصل فيه كما قَالَ الشرقي: وأصل ذلك أنه لما ثَقُلَ ضبة بن أدَّ اغتمَّ، فَقَالَ له وَلَدُه: لو قد انتهينا إلى الجَنَاب الأخضر لقد انحل عنك ما تجد، فَقَالَ: هيهات هيهات الجناب الأخضر؟ أي لاَ أدركه، فكان كذلك. يضرب لما لاَ يمكن كذلك تَلاَفِيهِ”. (مجمع الأمثال2/394).
وهناك اسطورة حول الجزيرة الخضراء تسمى (قصة البحر الابيض و الجزيرة الخضراء) والتى يزعم إنها وجدت فى رسالة مخصوصة فى خزانة علي بن أبي طالب بخط العالم الفضل بن يحيى بن علي، التى نقلها المجلسي والنوري (كلاهما فارسيان). قال المجلسي” وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الابيض احببت ايرادها لاشتمالها على ذكر من رآه، و لما فيه من الغرائب. وانما افردت لها بابا لاني لم اظفر به في الاصول المعتبرة”. ومما لا شك فيه انه لايوجد سند، فلم يكن لعلي بن أبي طالب خزانة خاصة، به، ولم يرد في أي كتاب تأريخي أو قول لأئمة الشيعة عن هذه الجزيرة المزعومة. ويدعي صاحب الإسطورة انها جزيرة مهدي الشيعة، فيستطرد بالقول” فقيل لي: انّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام،فمضيت ولم أتأخر. فوصلت الى جزيرة ذات أسوار أربعة، ولها أبراج محكمات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطيء البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها:باب البربر، فدرت فى سككها أسأل واقعا عن مسجد البلد، فهديت عليه، ودخلت اليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست فى جانب المسجد لأستريح و اذا بالمؤذن يؤذن للظهر ونادى بحىّ على خير العمل و لمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان(عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)”.
الإسطورة طويلة، علما إنه لا توجد في البحر المتوسط مثل هذه الجزيرة المزعومة، ولكنها من فبركات العهد الصفوي في بلاد فارس.
أَبادَ الله خَضْراءَهُم
وقد تدغم كلمة الخضراء بعبارة أخرى فيتغير معناها، وهذا ما يتجلى بالمثل القائل (أَبادَ الله خَضْراءَهُم). اوهذا المثل في الحقيقة يعبر عن رأي العراقيين بالمنطقة الخضراء وأمنيتهم بزوالها، فالمثل وهو بصيغة دعاء، يصلح زمانا ومكانا على المنطقة الخضراء في العراق.
فسرالأصمعي المثل: أي أذهب الله نعيمهم وخِصبهم، ومنه قول النابغة:
يعني بخضر المناكب خصبهم وسعة ما هم فيه. وليست هناك خضرة، قال: ومنه قول الفضل بن العباس بن عُتبه بن أبي لهب، وهو الأخضر:
وأنا الأخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُني أَخْضَرُ الجلْدَةِ في بَيْتِ العَرَبْ
أريد بأخضر الجلدة الخِصب وسعَة الأمر. قال: ومنهم من يقول أباد الله غضراءهم أي خصبهم وخيرهم، ويقال أنْبَ في غضْراءَ، أي في أرضٍ سهلةٍ طيبة التربة عذبة الماء. ومعنى أنبط: استخرج الماء، ومنه قولهم استنبط، وهو مأخوذ من الغضارة وهي البهجة والحسن، ومنه قول الشاعر:
احْثُوا التُرابَ على محاسنِه وعلى غَضارةِ وَجهِهِ النَّضْرِ
أما إبن الأعرابي ففسره بالقول: معنى أباد الله خضراؤهم أي سوادهم، قال: والخضرة عند العرب السواد، وأنشد القطامي:
يا نَاقُ سِيرِي خَبَاً زِوَرَّا وعارِضي اللَّيْلَ إذا ما اخْضَرَّا
(الفاخر/54).
كما ذكر ابن قتيبة الدينوري” أباد الله خَضْرَاءَهم” أي: سَوَادهم ومعظمهم، ولذلك قيل للكتيبة: خضراء. وأضاف الأصمعي: لا يقال” أبادَ الله خَضْرَاءَهم ولكن يقال” أباد الله غَضْراءَهم” أي: خَيْرَهم وغَضَارَتهم، والغَضْرَاء: طينة خضراء”. (أدب الكاتب/49)
ومن الطريف إنه عندما يصف الرجل او المرأة بالأخضر أو الخضراء، فهذا يعني ذمهما، قال الشاعر جرير:
كسا اللُّؤمُ تيماً خضرةً في جلودها فيا ويل تيمٍ من سرابيلها الخضر
ومعناه: لئيم. والخضرة. (أحسن ما سمعت/286)
وفي تفسير قول الشاعر
احْثُوا التُّرابَ على مَحَاسِنِهِ وعلى غَضَارة وَجْهِهِ النَّضْرِ
(مجمع الأمثال1/104).
قال الأصمعي: معناه أذهب اله نعمتَهم وخِصْبَهم، ومنهم من يقول: أباد الله غضراءهم، أي خَيْرَهم وخِصْبهم، وقال بعضهم: أي بهجَتَهم وحُسْنهم، وهو مأخوذ من الغَضَارة وهي البهجة والحسن.
لذا نبتهل الى المولى عزٌ وجل بأن يُبيد خضراءهم، كما أبادوا خضراء العراق وجعلوه أفقر وأفسد وأوسخ بلد في العالم. نقول عليهم وعلى خضراءهم لعنة الله الأبدية، لعن الله كل من عاون المحتل وأيده قلبا أو جهارا، وساعده بأي طريقة كانت من رجال الدين والسياسة والإعلام. ولعنة الله على كل الزعماء الذين يظلمون شعوبهم، ويبددون خيرات الأمة، وينفذون أجندات خارجية. ولعنة الله على العملاء والخونة والفاسدين والمزورين والمرتشين. ولعنة الله على يسرق أموال شعبه ويهبها الى جارة لدود تكره العرب والمسلمين بدعاوي مذهبية. ولعنة الله على كل من يرفض الإرهاب جهرا، ويدعمه ويموله ويسهل أمره باطنا. ولعن الله كل رجال الدين الذي يزكون الفاسدين ويدعمونهم بحجة نصرة المذهب، يقزمون الأمور الكبيرة، ويعظمون الأمور الحقيرة.
قال عبد الله بن الْمُبَارك” ما أ َزَال مرتمضاً بِهِ، وممتعضاً مِنْهُ لفساد الزَّمَان وانتكاسه، وَعَجِيب تقلبه وانعكاسه، واختلاطه وارتكاسه، وَوَضعه الْأَعْلَام الرفعاء، وَرَفعه الطغام الوضعاء، فقد أحل الأراذل مَحل الأفاضل، وَأعْطى السَّفِيه الأخرق حَظّ النبيه الْعَاقِل، وَصرف نصيب الْعَالم إِلَى الْجَاهِل، وصير النَّاقِص مَكَان الوافر الْكَامِل، وَالرَّاجِح الْفَاضِل، وَقدم على الْعلم المبرز الغفل الخامل”. (الجليس الصالح /7).