هبت عاصفة الانتخابات بتوقيتات متفق عليها بين السياسيين، ودخل المتنافسون حلبة الصراع بأجندات شخصية وحزبية ومذهبية، فيما غاب المشروع الوطني بشكل واضح، وخير دليل على ذلك خارطة القوائم والكتل والزعامات أيضا، فنحن في مواجهة غير متكافئة مع ذات الوجوه و الأولويات، لذلك فان المراهنة على انفراج سياسي و أمني ليست في مكانها الصحيح، و الأبواب مفتوحة على مفاجئات ليست بالضرورة مطمئنة.
ستدفع هذه الانتخابات الى الواجهة بعناصر فشل اضافية، خاصة مع شحن طائفي وشخصنة في الخطاب السياسي المتشنج، تخوين مفتوح وشراكة معدومة، لأنها غير موجودة في النفوس أصلا، لذلك يتلقون ويتقاتلون في ذات المكان، كل فريق يريد تفصيل العراق على مقاساته، علما ان تاريخ هذا الوطن لم يشهد فراغا في الخطاب الوطني مثلما يجري حاليا، انغلاقات على مشاريع صغيرة ومظلومية تستنسخ ذاتها حسب الظروف والطرف الأقوى في اللعبة!!
اهمال منظم لهموم المواطن، واتفاق تام بين أغلب السياسيين على ذلك، ما يعني استحالة انتظار الفرج من رحم هذا التناحر على كل شيء، أما انا أو الى الجحيم غيري!!
نهج يفتقد الى ابسط قواعد البناء الصحيح للمجتمعات تناحر سياسي يذبح القدرة على التسامح في النفوس، ما يبرر الفشل المزمن في طي صفحة الماضي، و تدشين عهد تسامح جديد بين العراقيين، الذين أبتلوا بسياسيين يكرهون بعضهم بعضا، ويجيدون لعبة التسقيط بكل حلقاتها، والتي اصبحت خصوصية عراقية بامتياز، حلفاء متخاصمون وشركاء متهمون، وهموم مواطن مؤجلة، فعن أي ديمقراطية وانتخابات يتمشدقون!!
كل ما يجري في العراق استنساخ مدروس لعناوين الفشل وتهميش مدروس للكفاءات، حيث أضحى الولاء الطائفي والحزبي من بين المؤهلات، ما يعطي صورة دقيقة عن طبيعة الخارطة بعد انتخابات المحافظات، سنبقى في ذات المربع الطائفي ، ومجرد النظر الى طبيعة علاقاتهم تكشف بالملموس عن أسباب الفشل القابع في النفوس، جنون سياسي أقرب الى التهور منه الى العقلانية، اتهامات ليست لها نهاية!!
سياسيون لا ينضجون، ارهابيون في غفلة من الزمن يصبحون من بين أخلص الوطنيين، و مغلوب على أمره يصبح سيد التخريب، مفارقة غريبة تبتكرها مزاجيات معكرة بالولادة، ، لذلك يبدو ان الأفتراض الأكثرمقبولية سيكون عدم الخروج من نفق اللاوعي السياسي في العراق، فالقوائم هي ذاتها باستثناء عملية تنشيط مدروسة للدورة الدموية باضافة أسماء جديدة، والقوائم لم تغير خطابها السياسي ، حيث التخوين أصبح ماركة عراقية بامتياز والاتهامات الشخصية والحزبية أضحت أقصر الطرق للتسقيط السياسي والتغطية على الفشل.
لا ندري كيف ستجري هذه الانتخابات ورئيس الوزراء يستبقها بتصريحات نارية جدا يحذر فيها من قلب الطلاولة على شركاء ” نصف ردن” في عملية سياسية ما زالت في مرحلة الفطام، وكيف سيتغير الواقع والنفوس تعودت الاحتقان بضغط السياسي، ثم لماذا الانتخابات أصلا اذا كانت النتيجة معروفة سلفا من خلال الانغلاق الطائفي!!
قوائم من لون واحد وشعارات لا تغني عن جوع أو عطش، وتجربة مريرة منذ سنوات عجاف، مليارات تنفق على أفواج من السياسيين، الذين سيغيبون عن المشهد في حالتي النجاح أو الفشل، يقلدون تجارب من سبقوهم الى المنصب، التفاف مزمن على مطالب الشعب، و ” فهلوة” كبيرة في تسويف الحلول والتنافس على الغنائم، انها مفارقة اللانضوج السياسي والتراخي الشعبي في تحمل المسؤولية الوطنية، فمن غير المنطقي تقديم الولاء الضيق على الخيار الصحيح في بلد لم يكن طائفيا ولم يحكم بعقلية دينية، انه نظام مدني فيه من الليبرالية ما أبعده عن مشاكل وخلافات بالجملة!!
العراق لا يحتاج الى قوائم مغلقة أو مفتوحة، مثلما ليس مشغوفا بهذه الأفواج من السياسيين، فهو كغيره من الأوطان يحتاج الى عقلانية سياسية و مؤسسات مهنية، و مرجعية دينية عراقية، لا تأخذ الناس بالشبهات أو المزاجيات، بل في نسبة الولاء الى العراق من عدمه، فبدون ذلك سنبقى في قوائم وأحزاب من لون واحد،مشاريع مؤجلة كيانات سياسية تتسرب الى جوف الأرض بعد كل انتخابات ، فهي ليست بقادرة على الانتقال الى مرحلة جديدة، لأنها تعيش الماضي وتتعكز على تناقضاته في النفوس قبل غيرها، ما يجعل من مهمة البحث عن شخصيات سياسية ناضجة و متفتحة من الضروريات الملحة، لمنع استفحال خطر الأنانية و المذهبية والاجتهادات الشخصية والحزبية، التي هي أكبر عنوان في الظلامية، نريد انتخابات و ممارسات ديمقراطية حقيقية وليس طلاسم ورقية ، تبتتدعها العقول الاقصائية و التخوينية!!
شاكر الجبوري : [email protected]