سعد الكناني
أهم ما يميز العمل الخيري هو أنه “إنساني” ويحقق معنى الفعل.ولهذا فإن العمل الخيري مقصد عام وثابت من مقاصد العمل الأخلاقي والديني ، وأعلى مراحله عندما يغطي مجموعة كبيرة من المحتاجين .وفعل الخير يحارب الفقر ويعزز الروح الإنسانية ويحقق السلم الأهلي. ففي مقدمة الأهداف التي يتوجه إليها العمل الخيري أن يسهم في “تحرير” النفس الإنسانية من الأغلال التي قد تكبلها لسبب أو لآخر، وتعوق حركتها، وتهدر طاقاتها. كما يسهم في تحقيق درجة أرقى من التمدن الإنساني ورفع كفاءة المجتمعات ويأخذ في تمدين المجتمعات صورا متعددة منها ما هو مادي في شكل تبرعات ومساعدات تعين غير القادرين على تحسين مستوى معيشتهم، ولا تتركهم نهبا للمرض أو للجهل أو للفاقة والعجز، ومنها ما هو غير مادي في شكل مساهمات معرفية وعلمية تهدف إلى تنوير المجتمع ورفع قدرات أبنائه بصفة عامة، والعمل الخيري ليس “مرحلة أولية” من مراحل تطور العمل الاجتماعي الطوعي المعني بالشأن العام، وإنما هو ركن أصيل في بناء المجتمع وفي تمدينه وبناء تقدمه العلمي والمعرفي، كما يعزز العمل الخيري حالة السلم الأهلي بين الفئات الاجتماعية المختلفة بطرق متعددة، لعل من أهمها أن حصيلة المبادرات الخيرية تشكل شبكة من العلاقات التعاونية، وتدعم روح الأخوة والتراحم والتعاطف داخل المجتمع الواحد مما يعزز السلم الأهلي وبالتالي تحقيق التسارع في إزالة نقاط التوتر من المجتمع، ودفع الحراك الاجتماعي باتجاه التماسك والتطور والاستقرار.
من هذا الوصف الإيماني والإنساني والمعرفي انطلقت يد الخير والمحبة للعراق وأهله من قبل “فاعل الخير” بصرف راتب شهري لكل خريج عراقي عاطل عن العمل والذي يعد انجازا كبيرا على طريق ضمان حاضر هذه الشريحة الواعية من أبناء الشعب العراقي بعد ان عجزت الدولة بكل إمكاناتها المالية الضخمة من التعامل مع هذه القضية الحساسة والمفصلية في حياة قطاعات واسعة من الخريجين الذين مضى على تخرج البعض منهم سنوات طويلة من دون ان يلتفت إليهم احد . لقد خرجت الجامعات العراقية على امتداد العشر سنوات الماضية مئات ألاف من الطلبة ومن مختلف الاختصاصات العلمية والأدبية وعبر مختلف المراحل الدراسية الإعدادية منها والجامعية ولكن هذا العدد الهائل من الخريجين لم يجد له فرصة في التعيين في أجهزة الدولة التي شغلها مع الأسف أناس لا علاقة لهم بالعلم وإنما كانت التزكية لهم الانتماء إلى أحزاب السلطة ومن الأقرباء لهذا المسؤول أو ذاك. لقد جسدت الخطوة الشجاعة التي أقدم عليها “فاعل الخير” شعورا عاليا بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها العراق وخاصة وإنها جاءت لتنقذ أجيالا من الشباب وجدوا أنفسهم بعد كل الجهد العلمي وسنوات الدراسة يفترشون الطرقات من دون عمل ويتعرضون لشتى الظروف التي يحاول البعض منها حرفهم للقيام بإعمال يمكن ان تضر بالبلاد وبالخريجين الذين لم يجدوا من يؤمن لهم الأمن والحماية كما موجود في البلدان الأخرى. ومن هذا المنطلق فان تامين راتب للخريجين وفي هذه المرحلة القلقة من حياتهم إنما هو بمثابة الحرص على الأبناء وحمايتهم من الانجراف في أي سيل عارم قد يصطدمون به وهو كذلك توفير فرص للعيش الكريم وإبعاد أي وجه من أوجه العوز والفاقة التي مع الأسف أصبحت السمة البارزة لغالبية العراقيين في سنوات الاحتلال وما بعده .”فاعل الخير” الذي يرفض حتى الإشارة إلى أسمه. قام ببناء عشرات الجوامع والحسينيات في العراق، وخارجه وتقديم المساعدات للأسر النازحة من الانبار . ناهيك عن الأعمال الخدمية والصحية الفخمة التي يدعمها ويمولها .ان هذه الأعمال الخيرية ما هي إلا تجسيدا لحديث رسولنا الكريم ” خير الناس أنفعهم للناس”.