آخر تحديث:
بقلم:علي الكاش
أثار العدوان الأخير الذي إستهدف منشأتين نفطيتين شرق المملكة العربية السعودية (بقيق) و(خريص) بـ (18) طائرة مسيرة انتحارية، و(7) صواريخ ضجة كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، لأنه مس المصالح الإقتصادية الكبرى للكثير من دول العالم التي تعتمد على النفط السعودي. ويعتبر هذا الهجوم عدوانا على دولة ذات سيادة وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كالعادة حاولت بعض الدول التي تدور في فلك ولاية الفقية كالعراق ولبنان وسوريا علاوة على الأحزاب والميليشيات المرتبطة بولاية الفقيه تثبيت أن العدوان تم من قبل الحوثيين، وهم في حالة حرب مع التحالف السعودي، وبالتالي من حقهم ان يشنوا هجمات على المملكة، وعندما تجادلهم بأن ايران قد فعلت ذلك وليس الحوثيين، يطالبونك بالدليل، ويزعموا ان التحقيقات الدولية لم تكتمل بعد، وهنا نقلب السحر على الساحر، ونقول كيف إذن ثبت لديكم ان الحوثيين هم من إستهدفوا المنشأتين النفطيتين طالما ان التحقيقات لم تكتمل بعد؟
من المعروف ان الدول التي علاقاتها سيئة مع السعودية هي ايران بالدرجة الأولى وتليها تركيا وقطر، علاوة على ميليشيات الحوثي وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وميليشيات اخرى مرتبطة بافغانستان والباكستان وهم عناصر قليلة ولا قيمة لهم على الصعيد العسكري، ولو استبعدنا تركيا وقطر لأنه ليس لهما مصلحتهما وقف صادرات النفط السعودية لدول العالم، فكلاهما مستوردا وليس مصدرا، كما ان قطر تنتج الغاز وليس النفط،، صحيح ان علاقاتهما متأزمة مع السعودية ولكنها لا تصل الى درجة القيام بعدوان بهذا الحجم الهائل، كما ان الحكومة القطرية إستنكرت هذا العدوان، ولم يؤيده في العالم سوى تركيا وايران والعراق بصورة غير مباشرة من خلال ربطه بقضية اليمن، لذا سيبقى لدينا ايران والعراق والميليشيات الشيعية المرتبطة بالجنرال سليماني، وهذه الميليشيات يمكن ان تكون عاملا مساعدا في اعداد الأرضية للهجوم، ولكنها لا تمتلك مثل هذه التقنية العالية والدقة في إصابة الهدف.
ولأن مدى الأسلحة المستخدمة في العدوان ويزيد عن600 كم فهذا يعني إن انطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تم من قبل دولة قريبة من السعودية، والدول التي تحيط بالسعودية والقريبة منها لا تعاديها الا ايران ودويلة الحوثي ودويلة الحشد الشعبي، سيما ان تقارير دولية أثبتت وجود قوات من الحشد الشعبي تتمركز قرب الحدود العراقية السعودية.
وفقا لما ذكرته الإدارة الامريكية وفرنسا فإنه ليس عند الحوثيين صواريخ كروز وطائرات مسيرة تتمكن من الوصول الى ابعد من 1000كم. فالتقنية العسكرية العالية لا تتوفر عندهم. كما ان معظم اسلحتهم تقليدية روسية وقديمة الصنع، تعود الى ماقبل التسعينيات من القرن الماضي. صحيح ان النظام الايراني ساعدهم على تحديث البعض منها لتطال دول قريبة منهم. لكن ليس بهذا المستوى التقني وبُعد المدى.
المسألة التي تثير الغرابة انه لماذا يستهدف الحوثيون السعودية فقط، في حين ان التحالف السعودي يضم عدة دول ومنها الإمارات؟ الا يعني هذا اللغز ان الحوثيين ذراع ينفذ أجندة ايران؟ الأغرب من هذا انه بعد اشتدت التساؤلات على كل المستويات الاعلامية حول هذا التركيز على السعودية فقط، خرج ناطق عسكري حوثي مهددا الإمارات! انها مسرحية مفضوحة.
وقبل اتهام النظام الايراني بالعدوان الغادر، لا بد من التوقف عند محطات مهمة.
-
طالما ان شركة ارمكو تصدر ما يزيد عن 50% من انتاج السعودية لدول اوربا والصين واليابان وبعض دول اسيا، فهذا يعني ان العدوان شمل جميع الدول التي تستورد النفط السعودي، وهذا الأمر سببَ ارتفاع سعر النفط بعد يوم واحد من الضربة بحوالي عشرة دولارات للبرميل الواحد، ولكن السعودية تصرفت بذكاء من خلال تعويض النقص لهذه الدول عبر ضخ البترول من الإحتياطي المخزون لديها، وهذه المبادرة أعادت سعر النفط الى سعر يقارب السعر السابق للعدوان، وهو مؤشر ايجابي لقى الترحاب من قبل الدول المستوردة للنفط السعودي، عليه اصبح تأمين تدفق النفط السعودي الذي يقدر بعشرة مليون برميل يوميا مسؤولية دولية وليس سعودية فحسب.
-
على الرغم من أضرار العدوان الفادحة، لكنه ساعد المملكة العربية السعودية في التعرف على الثغرات في دفاعها الجوي لغرض سدها وتلافيها، ويفترض أن لا تتجدد مثل هذه الخروقات الأمنية. سيما ان المنشئات النفطية تستلزم الأولوية من حيث الحماية. كما ان هذا العدوان أزاح الوهم السعودي بالإعتماد على السوبرمان الأمريكي، فلابد من الإعتماد على الذات أولا، وإتباع سياسة رد الفعل المناسب التي تتوافق مع حجم العدوان عليها. علاوة على تعزيز الدفاع الجوي السعودي، وتنوع مصادره، دون الإعتماد على الحليف الامريكي فقط.
-
إن استبعاد ترامب الحرب مع النظام الايراني لا يعني عدم انتهاج الخيار العسكري، فهناك فرق ما بين الحالتين، وهذا ما غفل عنه الكثي بعض المحللين السياسيين حيث خلطوا ما بين الحرب والخيار العسكري. وهذا يتوضح بصورة جلية من خلال الإطلاع على تصريحات الرئيس الأمريكي وبقية المسؤولين عنما أكدوا بأن جميع الخيارات مفتوحة. كما ان الرئيس الأمريكي وضع الكرة في ملعب السعودية عندما صرح بأن ” إدارته تنتظر ما يريده السعوديون”، وان الإيرانيين سيدفعون دون ان يحدد نوع وحجم الدفع، قبل الشروع بأي خطوة قادمة.
-
من المعروف ان المملكة العربية السعودية ستشرع عام 2020 بخصصة القطاع النفطي وبيع الأسهم للشركات العالمية والمحلية، وسحب القطاع الحكومي منها تدريجيا، ويبدو ان النظام الايراني لعبها بذكاء من خلال تخفيف الإقبال على شراء هذه الأسهم، او تخفيض اسعارها على اعتبار ان القطاع النفطي السعودي ليس آمنا ويدخل ضمن منطقة الصراع الايراني ـ السعودي، او الصراع السعودي ـ الحوثي.
لماذا ايران هي المتهم الوحيد في العدوان
-
لو نظرت الى الجهة المستفيدة من هذا العدوان ستجد ان النظام الايراني هو المستفيد الأول من العدوان، بسبب الحظر المفروض على صادراته النفطية، ولا يمكن زج الكيان الصهيوني في العملية لأن علاقته مع الدول الأوربية واليابان والصين جيدة، وليس من المنطق ان يكون سببا في وقف امدادات النفط السعودي اليها، والسعودية لا تشكل خطرا على الكيان الصهيوني من جميع الأوجه.
-
في كل الهجومات السابقة على ناقلات النفط في الخليج العربي كان نظام الملالي ينفي ضلوعه فيها بإستثناء اسقاط الطائرة الامريكية المسيرة (غوبال هوك)، لأنه يفيدها في إبراز عضلاتها في الداخل او الخارج أي عند الدويلات التابعة لها. وما ساعدها على إخفاء بصماتها هو انها تخطط للعدوان ولكن أدواتها التي تنفذ هم أذرعتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وهو ما يسمى (الحرب بالوكالة). مع ان التقارير الدولية أثبتت ان النظام الايراني يقف وراء إستهداف ناقلات النفط في الخليج العربي، فالعدوان الجديد له أساس سابق.
-
لابد من الرجوع الى التصريحات السابقة للزعماء الايرانيين، وعلى كافة المستويات سواء على صعيد رئيس الحكومة ووزير الخارجية الايراني او قادة الحرس الثوري، بأنهم لن يسمحوا لدول الخليج العربي بتصدير نفطها أذا توقفت ايران عن تصدير النفط. وهذه التصريحات تشكل دليل قوي بضلوع ايران في العدوان الأخير، بغض النظر عند توفر الدليل من عدمه.
-
تم العثور على صواريخ في المنشأتين السعوديتين لم تنفجر خلال العدوان الأخير، وتبين من خلال الفحص انها ايرانية الصنع، ولو افترضنا جدلا ان العدوان تم من قبل الحوثيين، فأن هناك قرارا من مجلس الأمن الدولي يمنع تصدير الأسلحة للحوثيين، وهذا يعني ان النظام الايراني قام بخرق القرار الأممي.
-
ان نظام الولي الفقيه ينتهز الفرصة بأن الرئيس الامريكي سوف لا يجرأ على القيام بأي عمل عسكري ضدها، وهذا ما تيقنه من خلال إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة وإستهداف ناقلات النفط في الخليج العربي دون رد مقابل، فقد كانت عملية جس نبض الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، إنها تراهن على الإنتخابات الأمريكية القادمة، وتعتقد ان الرئيس الأمريكي لا يريد أن يخسر في الإنتخابات القادمة من خلال زج بلاده في حرب معها، وهو نفسه سبق ان إنتقد الرئيس بوش في حربه في العراق.
-
شعور ايران بأن الإتحاد الأوربي وروسيا والصين يقفون معها، او على أقل تقدير متساهلون معها، شجعها على التمادي في عدوانها. لذا فهم يتحملون المسؤولية عن تفاقم المشكلة، فمسألة التراخي مع هذا النظام العدواني ومحاولات رأب الصدع بينها وبين والولايات المتحدة الامريكية، وتقريب وجهات النظر، والوساطات المتعددة ـ على الرغم من فشلها جميعها ـ شجعت النظام الايراني على التمادي في عدوانه، وخرق القانون الدولي، والإستخفاف بالأمم المتحدة.
-
ان السكوت الدولي أمام هذا العدوان يعتبر ضوء اخضر لنظام الملالي للقيام بعدوان أكبر، فمن خلال تسلسل الإعتداءات بدات صغيرة وتصاعدت تدريجيا لتتجاوز الخط الأحمر. فايران تختبر الموقف الدولي عبر هذا العدوان، وعلى أساسه سوف تتصرف لاحقا، لذا اي رد فعل ضعيف سيكون في صالحها، ويفسح لها المجال للقيام بعدوان أكبر.
-
ان المملكة العربية السعودية متأكدة من ان العدوان إيراني، لكن المهم لديها ان تتوفر قناعة دولية عن الجهة التي قامت بالعدوان، لذلك طلبت خبراء من الأمم المتحدة والدول الأوربية بشكل خاص للتحقيق، على إعتبار ان الخبراء الأمريكان يمكن ان تطعن بهم ايران او بقية الدول القريبة منها كالصين وروسيا وتركيا. سيما ان اجتماعات الأمم المتحدة ستبدأ في الأسبوع القادم وسوف يتم تحشيد الراي العام الدولي ضد ايران. وربما سيكون العائق لأصدار قرار من مجلس الأمن ضد ايران هو الفيتو الروسي، اما الصين فمن الصعب معرفة موقفها لأنها تضررت ايضا من تصاعد اسعار النفط.