“منهاجنا” كرّاس صغير لحزب الدعوة الإسلامية من خمس صفحات A4 نشرته المعارضة العراقيّة في الخارج على نطاق حزبيّ ضيّق بعد أن كانت قد حصلت عليه بشكل أو بآخر أواخر تسعينات القرن الماضي. وبعد التسريبات الأخيرة لنوري المالكي وطريقة تعامله مع الواقع السياسي المتأزم اليوم، وقبل الدخول في تفاصيل تسريبات المالكي والتي نفاها وحزبه بشدّة، أعود إلى كرّاسة “منهاجنا” والتي تقول في مقدمتّها وفي النقطة الرابعة “في صورة سقوط هذا المنهاج في يد غير منورّة لا بدّ من الإسراع في إنكار انتسابه إلينا”! وهذا يعني إنكار أي حدث أو موقف أو تسريبات كالتي نُشرت مؤخرا، وأنّ حزب الدعوة الإسلامية يلجأ إلى أسلوب النفي المطلق، وإن كانت الأدلّة حولها ثابتة وواضحة. وهذا الأسلوب جاء في المادة الأولى من الفصل الثاني وتحت باب “الأسلوب” والتي تقول “الأسلوب عندنا كالمومياء تحوله مقتضيات الحاجة، وهذا جائز بالطبع بدليل قوله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا”.
في هذه التسريبات أعلن المالكي عن عدائه الشديد للصدر وتيّاره، كما تناول فساد هادي العامري زعيم فيلق بدر والصدر من خلال استلامهما لرواتب منتسبين فضائيين، عدا عن مهاجمته لمسعود بارزاني ومحمّد الحلبوسي، متّهما الصدر وبارزاني والحلبوسي بإدخال العراق إلى الدائرة الحمراء في حالة نجاحهم بإبعاد الإطار عن تشكيل الحكومة القادمة، مهددّا بإشعال حرب طاحنة لإفشال مشروع الصدر وحلفائه. وبالعودة إلى الفصل الأوّل من “منهاجنا” والذي جاء تحت عنوان “الهدف والعمل الحزبي”، نرى أنّ تسريباته هذه لا تبتعد كثيرا عمّا جاء في النقطة الثالثة منه والتي تقول “إنّنا نعمل من أجل أن نفتح عيون الأمّة على واقعها الفاسد، ونرسم لها طريق الخلاص منه، من أجل تجنيد الطاقات الضخمة التي لدى هذه الأمّة العظيمة، وصبّها في بوتقة التنظيم الحزبي الموحّد الذي نسعى للوصول عبره إلى الحكم، وكنس كافّة الفئات الأخرى التي تعادينا، أو تنافق معنا، أو تمنع شملنا”!
إنّ حزب الدعوة الإسلامية ما انفكّ منذ وصوله إلى السلطة في العراق على دبّابة أميركية إلى اليوم يشوّه سمعة الأحزاب العراقيّة المختلفة ومنها الأحزاب والمنظمات الإسلامية الشيعيّة والسنيّة. فالمالكي وحزبه يتّهمان الأحزاب الكرديّة بالعمالة للولايات المتحدة وإسرائيل، والأحزاب السنيّة بالعمالة لتركيا والسعودية وبلدان الخليج، وفي التسريبات الثانية اتّهم مقتدى الصدر بالعمالة لإيران، قائلا إن “إيران دعمته لتجعل منه نسخة ثانية من زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله.. أنا أعرفهم.. ضربتهم في كربلاء والبصرة ومدينة الصدر”. ليضيف وهو “غير” العميل “أردت جعل الحشد الشعبي مشابها للحرس الثوري الإيراني”!
لو عدنا إلى كرّاسة “منهاجنا” في فصلها الرابع وهو تحت عنوان “مع من؟ ضدّ من؟” نرى أنّ المادة الأولى تقول “نحن مع من يكون معنا، وضدّ من يرفض التعاون معنا مهما كان مركزه، فقانون ‘من لم يكن معنا فهو ضدنا’ صحيح مئة في المئة في مجال القضايا التنظيمية”.
إنّ العراق، ولِيخرج من الجحيم الذي يعيشه وشعبه، في حاجة إلى نظام علماني ديمقراطي. وهذا النظام لا يأتي هبة من أحد، بل بنضال القوى السياسيّة التي تهمّها مصلحة شعبنا ووطننا
وتقول المادّة الثالثة من نفس الفصل: الأعداء الذين يرفضون مبادئ الحزب ويقاومونها وهم الذين نطلق عليهم كلمة “مرضى” فلا بدّ من اتّباع الطرق التالية ضدّهم:
الأولى: خلق جو من الشك والاستفهام حولهم، من أجل عزل الناس عنهم.
الثانية: وضع مخطط لإطلاق تهم جديدة ضدّهم بين كل آونة وأخرى، إنهاكهم بالدعايات.
الثالثة: اتهامهم بالعمالة لجهات أجنبيّة (وهذا ما فعله المالكي بالضبط في تسريباته).
الرابعة: محاولة إشغالهم بالتوافه (وهذا ما أشار إليه الصدر، قائلا “لا تكترثوا للتسريبات، فنحن لا نقيم له وزنا”).
الخامسة: تأليب السلطات المحلية ضدّهم حتّى تتولى هذه السلطات عمليّة القضاء عليهم، أو على الأقل إشغالهم بأنفسهم من دون أن يعرف أحد أنّ ذلك يتم بتحريك من منوّرينا. (لأنّ المنهاج نشر أثناء النضال ضد البعث، فمن الممكن جدا ووفق هذه النقطة تحديدا أن يكون الدعاة قد تعاونوا مع البعث بشكل غير مباشر، عن طريق مدّهم بمعلومات أمنية عن معارضي البعث من مختلف التيّارات السياسيّة لتصفيتهم حينها).
وتبرز خطورة حزب الدعوة الإسلامية بشكل كبير جدا في المادّة الرابعة من هذا الفصل حينما تقول “التوسّل بأية طريقة لتصفية المعارضين لنا وهو أمر مشروع. فليس التوسّل بالسلطات مثلا ركونا للظالمين، وإنمّا هو لأجل أهميّة الهدف، وفي سبيل هذا الهدف فإنّ التحدث عن شرعيّة نوعيّة القضاء على أعدائنا لا يكون واردا. إنّ علينا أن نحقّق أهدافنا في الحياة وكلّ من يقف بوجهنا فإننا سنقضي عليه، هذه هي السياسة التي لا بدّ من اتّباعها”، أي “ما ننطيها” كما قال المالكي يوما!
في الكرّاسة توجيهات وإرشادات عدّة حول المرجعية وضرورة تحجيمها وانتخاب مرجعية على قياسات الحزب، كما أن هناك مواقف تجاه الحركات الإسلامية خارج العراق وضرورة التواصل معها كالإخوان المسلمين في مصر وجيش التحرير في الأردن، والعديد من الوصايا التنظيمية التي لا مجال لتناولها في هذه المقالة القصيرة.
إنّ التسريبات وما جاء فيها تشير إلى أن الدعاة والإسلاميين بشكل عام ليسوا برجال دولة مطلقا، وهم مستعدون لتعريض السلم الأهلي للخطر ووضع البلد على كفّ عفريت من أجل مصالحهم الحزبية والفئوية، معتمدين في ذلك على ميليشياتهم وعشائرهم! وأي حديث من ساسة الشيعة حول مظلومية الطائفة هو مجرد تجارة وكذب ليس إلّا. فالطائفة الشيعية ومدنها وقراها وقصباتها في العراق لا تختلف بشيء عن بقيّة طوائف وقوميات شعبنا ومدنها وقراها من حيث بؤسها وفقرها وتخلفّها، هذا إن لم يكن أسوأ. وفساد هؤلاء الساسة لا يختلف بشيء عن فساد ساسة المحاصصة الآخرين هو الآخر بشيء، إن لم يكن أسوأ هو الآخر.
إنّ العراق، ولِيخرج من الجحيم الذي يعيشه وشعبه، في حاجة إلى نظام علماني ديمقراطي. وهذا النظام لا يأتي هبة من أحد، بل بنضال القوى السياسيّة التي تهمّها مصلحة شعبنا ووطننا، وتشرين كانت البداية ونقطة الانطلاق.