كان يُمكن للمشهد أن يكون أكثر دراماتيكية في قمة ذلك الترقّب الذي ينتظره المجتمع الدولي بإطلالة جينين بلاسخارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق وهي جالسة في قاعة مجلس الأمن الدولي لِتدلو بإعترافها الأممي أمام أنظار مُمثلّي الدول التي شاركت أغلبها بغزو العراق عام 2003 عن الواقع السياسي لهذا البلد وفشل الطبقة الحاكمة على حسم الأزمة بقولها “أن الأحزاب تعمل ضد العراقيين حتى بات النظام لايحترم الشعب” في وصف يبعث على الخزي والمهانة أمام محفل دولي وتحت أنظار المُنظّمة الدولية، في إعلان مدفوع الثمن أو تأطير الصورة بأن العراق أصبح دولة فاشلة داخلياً وخارجياً كما وصفته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية.
في خِضّم كُل تلك الحَبّكة كُنتُ أتمنّى أن ينبري أحد الحاضرين في هذه القاعة ويصيح بإهزوجة على طريقة الأشقاء في مصر (بُص شوف أمريكا بِتعمل إيه).لم تأتِ بلاسخارت بالأمر الجديد عن واقع النظام السياسي سوى إقرار دولي بِفشل تجربتهم في العراق بعد عام 2003 وتلك الفوضى الخلّاقة التي بَشّرت بها (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية في حكومة جورج بوش الأبن وإستباحت بنبوئتها بغداد بإسم هذه الفوضى التي كانت ترتكز على إيجاد نظام سياسي بديل أو مرحلة مُستقرة تسبقها فوضى عارمة وإرباك يرنو إلى إفتعال الأزمات ، ثم العمل على إدارتها بالتدريج للوصول إلى حالة الإستقرار أو بلوغ الغايات التي يُريدها الطرف الذي أحدث الفوضى، لكن نظرياتهم الهدّامة حَملت التخريب المُمنهج الذي لاحدود له بِمعاول الذين إستأجرتهم لتهديم المعبد على رؤوس ساكنيه لِيُصبح أطلالاً تُذرَف الدموع والحسرات على ماضيه فأصبح مشهد العراق الجديد ذو العنوان الكوميدي المُبكي مُتأزماً ومُرتبكاً وغارقاً في وحل الفوضى الهدّامة دون أن يُعطى له وقتاً للإستراحة، ظل فصل المأساة الحزينة لهذا البلد في دوّامة الخراب تتقاذفه أمواج الضياع وفُقدان بوصلة الهدف.
لم تُشِر بلاسخارت إن من الوارد جداً عودة العراق إلى المُربع الأول في وقوعه ضمن بنود الفصل السابع أو السادس، لكن إستحيائها في الحديث جعلها تكشف أنّ كُل شيء وارد داخل ذلك الرواق الأممي.أخفت المُمثلة الأممية ذلك الخجل من حقيقة مؤلمة أن هذا البلد ربما يُريد حُكامه الذهاب به إلى بحورٍ من الدّم بِسبب نزعة السُلطة وحُب التفرّد ورغبة الإنتقام التي لاتنطفئ جذوتها وأمراضهم النفسية التي لاشِفاء لها.بعد أكثر من عقدين يأتي إعتراف المُنظّمة الأممية التي جَيّشت أكثر من ثلاثين جيشاً لغزو العراق والإطاحة بنظامه بفشلها وعجزها عن إدارة الأزمة العراقية وإيجاد الحلول لها.تعترف ضِمناً بخطئها في الإتيان بِثُلّة كانت ضائعة بشوارع الضَباب ومتاهات الضياع والتشرد لتُمكّنهم بِحُكم البلاد تحت ذريعة الديمقراطية المُزيّفة التي أرادها جورج بوش للعراقيين وأقنعهم بها عندما قال لهم في خطابه بعد الغزو”إفتحوا الأبواب والشبابيك فقد هبّت رياح الديمقراطية عليكم”.
ربما لم يُسمَع صوت العراقيين المكبوت داخلهم وهم يُرددون إهزوجة المصريين (بُص شوف أمريكا عِملت إيه) لكنه من المؤكد أن نظراتهم المملوءة ألماً وحسرةً على بلدهم وهم ينظرون عِبر شاشات الفضائيات إلى بلاسخارت كانت تختزن الكثير من الحديث، لكن مُصيبتهم أنهم يعيشون في زمن الصمت الذي تعب فيه الكلام وليته كان ينفع مع أولئك الحُكّام.خِطاب بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدولي من المؤكد انه دق ناقوس نهاية نظام سياسي يتهاوى بعد أن بدأت أوراقه تتساقط تِباعاً، فهل يكون بداية فِعلٍ ما ينتظره العراقيين، قد يكون كذلك…من يدري!.