تحجيم الدور الإيراني في العراق بداية الانفتاح الكبير حتى مع إسرائيل
آخر تحديث:
بغداد/شبكة أخبار العراق- لا يبدو أن قطار التطبيع الذي انطلق أخيرا من أبوظبي سيكون بعيداً عن المرور في بغداد، فعلى الرغم من الصورة القاتمة التي تشهدها الساحة العراقية، والصراع الإقليمي والدولي الذي يتحكّم بكثير من تفاصيلها، إلا أن قراءة متأنية لتفاصيل المشهد ربما تجعلنا نخرج بنتيجة أن التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ عراقياً، ربما لن يكون بعيداً.يعدّ العراق الدولة الوحيدة من خارج دول الطوق مع دولة الاحتلال التي دخلت بمعارك مباشرة مع هذا الكيان، بل ربما هي الدولة الوحيدة التي دوّت صواريخها داخل تل أبيب، بعد أكثر من عقد من سكوت مدافع دول الطوق، وتوقيع اتفاقيات سلام، كان ذلك عام 1991 عندما أطلق العراق صواريخه بعيدة المدى باتجاه دولة الاحتلال، وأرى أنها كانت السبب الرئيسي لإسقاط النظام واحتلال العراق.المهم؛ وبعيداً عن جدليات الماضي، فإن عراق اليوم الذي تتزّعمه أحزاب وقوى سياسية دينية موالية لإيران، شن حملةً واسعةً على أبوظبي بسبب التطبيع، حتى أن أحد نواب البرلمان طالب بتغيير اسم مستشفى الشيخ زايد بسبب هذا، فضلاً عن بيانات استنكارية شجبت خطوة أبوظبي. في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، وكان عائداً للتو من واشنطن بعد زيارةٍ وصفتها دوائر القرار الأميركية بأنها كانت ناجحة؛ أن ما فعلته الإمارات أمر داخلي، ولا ينبغي للعراق التدخل فيه، بل إن دوائر مقرّبة منه ذكرت أنه قد يزور الإمارات قريباً، متجاهلاً حملة التنديد والاستنكار الداخلي لقرار التطبيع الإماراتي.واستكمالاً للمشهد، وبعد عودته من الولايات المتحدة، كانت عمّان على موعدٍ مع قمة ثلاثية جمعت الكاظمي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وصفت أنها تمهيدٌ لإعلان بلاد الشام الجديدة، المشروع الذي بشّر به الكاظمي في واشنطن، وهو على ما يبدو مشروع أميركي سبق أن تم طرحه على سلف الكاظمي، عادل عبد المهدي، الذي حضر قمة مماثلة قبل نحو عام، إلا أنه لم يكن، على ما يبدو، متحمّساً للمشروع، أو إيران لم تكن متحمسة له، بتعبير أدقّ، لأنها تدرك المرامي من وراء أي اختراق عربي لجدارها العازل في العراق.بلاد الشام الجديدة تضم اثنتين من أقدم الدول تطبيعاً مع الكيان الإسرائيلي المحتل، مصر والأردن، كما أن هذه التسمية التي لم تُعرف قبل تصريح الكاظمي لصحيفة واشنطن بوست، تركت أسئلةً كثيرة بلا إجابات، منها: ما طبيعة التعاون بين هذا الثلاثي العربي؟ وهل هو فعلاً محاولة لترميم الأوضاع الاقتصادية في الدول الثلاث من خلال التكامل بملفاتٍ مختلفة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لا يمكن بأي حال عزل هذه القمة الثلاثية عن مجريات الأوضاع في المنطقة التي ترافقت معها، ومنها التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال، وأيضاً عدم وجود أي اعتراض رسمي او شجب أو استنكار من حكومة بغداد، وزيارة الكاظمي واشنطن التي قيل إنه حظي فيها بدعم أميركي لم يحظ به أي مسؤول عراقي سابق، دعم ربما أهله ليقوم بتغييرات كثيرة طالت قياداتٍ في القوات المسلحة، كانت تعتبر سابقاً خطاً أحمر، بسبب تبعيتها لهذه الجهة أو تلك.المزاج العام في العراق، وعلى المستوى الشعبي تحديداً، يرى دولة الاحتلال الإسرائيلي غاصبة، لا ينبغي التطبيع معها بأي حال، غير أن هذا المزاج العام وحده لن يكون كافياً للوقوف بوجه أي قرار مقبل للتطبيع، خصوصا إذا علمنا أن هناك وعودا أميركية بتقديم الدعم اللازم لحكومة الكاظمي لإنقاذ العراق من براثن اللادولة الذي تمثله أذرع إيرانية مسلحة، وحتى سياسية.ليست سهلة مهمة تطبيع العراق مع دولة الاحتلال، وربما ستكون من بين الملفات المؤجّلة عراقياً وأميركياً، ولكنها لن تكون مستحيلة، خصوصا وأن أنباءً كثيرة تردّدت سابقاً عن زياراتٍ قام بها نواب في البرلمان العراقي السابق لدولة الاحتلال، على الرغم من نفيهم ذلك.العراق اليوم ساحة مفتوحة لصراع أميركي إيراني، تتداخل فيه الخطوط وتتقاطع وتتشابك فيه المصالح. ونتيجة هذا الصراع ستحدّد، الى حد كبير؛ بوصلة العراق في علاقاته ليس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من عدمه؛ وإنما حتى علاقاته بدول الجوار العربي الذي يبدو وكأنه يشجّع أن تنضم بغداد إلى قطار التطبيع، خصوصا وأن السعودية التي ستكون وجهة الكاظمي المقبلة بعد أيام، قد تدفع هي الأخرى بهذا الاتجاه، وإن لم تُقدم هي نفسُها على هذه الخطوة حالياً.إذا ما تمكّنت الولايات المتحدة فعلياً من تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، كما تدّعي ذلك، فإن مقابل ذلك سيكون التطبيع مع المحتل الإسرائيلي، والصناديق الانتخابية كفيلةٌ بالإتيان بأطرافٍ تبرّر لمثل هذا التطبيع إن حصلت.