آخر تحديث:
بقلم:علي الكاش
يقال خذ النصيحة كيفما كان مصدرها، وقد تَصدق هذه الحالة وقد لا تصدق، فالتغريدة التي القاها مقتدى الصدر في 19/8/2019 تحمل كثير من الأوجه، ولابد من مناقشتها بتروِ لمعرفة تفاصيلها، وما يقف ورائها، فهي خارجة من فم أحد زعماء العراق الذين كان لهم دورا بارزا في المشهد العراقي منذ الغزو الامريكي عام 2003 ولحد الآن. الجانب الإيجابي في التغريدة انها تمثل اعتراف رسمي من زعيم شيعي بأن الشيعة هم من دمروا العراق بعد الاحتلال، وهم من سرقوا المال العام، وهم من قتلوا وشردوا أهل السنة والأقليات القومية والأثنية، وسبق ان اعترف زعيم شيعي آخر هو وزير الامن القومي السابق موفق الربيعي بجرائم أهل ملته بحق الشعب العراقي، وقال سنقف طويلا أمام الرب لسكوتنا عن الكثير من الجرائم، وقنا له أطمئن لن يطول انتظاركم، فخازن النار بشوق لمقابلتكم ولم يطل انتظاركم، فإن كان القضاء العراقي قد غض النظر عن جرائمكم فهناك ربٌ في السماء لن يغض النظرعنها ولا على من غض نظره عنكم من القضاة. طبعا زعماء السنة كان معظمهم لا يقلون فسادا عن نظرائهم الشيعة.
ربما مقتدى الصدر هو آخر من له الحق أن يقدم النصائح للشعب العراقي، فعقليته المهزوزة والمترردة تقف وراء الكثير من الدمار الذي تعرض له العراق، ففي كل الحكومات كان للصدر نواب ووزراء وسفراء ومدراء عامين، ولم يقدموا للشعب العراقي شيئا يذكر، وبهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء الأسبق نموذجا صارخا على الفساد الصدري، ونموذجا صارخا على كيفية تعامل الصدر معه، حيث برأ ساحته بمسرحية هزيلة. ومنذ العهد الأغبر لنوري المالكي كان الصدر يمنح منح رئيس الوزارء مهلة محددة لغرض الإصلاح وآخرها لعبد المهدي ولم تسفر المهل الزمنية على أي إصلاح في إدارة الدولة، وكل القرارات السيئة التي أتخذها البرلمان العراقي صوت عليها نواب الصدر في البرلمان ومنها قانون رفحاء سيء الصيتـ وهو ثقب كبير في ميزانية العراق علاوة على امتيازات النواب وغيرها.
الإعتراف سيد الأدلة كما هو معمول به كقاعدة قانونية في كل ارجاء العالم، ولكن في ظل تسييس القضاء العراقي فلا أهمية للإعتراف، طالما تخنقه السلطة القضائية في مهده، وأعتقد ان أي عراقي قد فكر بعد قراءة تغريدة الصدر: هل الزم الصدر نفسه بتغريدته؟ وهل سيعترف أمام الملأ بالجرائم الكبيرة التي ارتكبها جيش المهدي وخليفته ميليشيا سائرون؟ وهل سيعترف بأن جيش المهدي قد شن الحرب الأهلية عام 2006 بدعوة من نظام ولاية الفقية لتصفية أهل السنة؟ سيما ان الصدر يعرف حقيقة من يقف وراء تفجير العتبات الشيعية في سامراء، إنه نفس النظام الذي اغتال أباه، ومع هذا رمى بنفسه تحت أقدام الولي السفيه متناسيا جرائمه ضد الشعب العراقي وضد نفسه. وهل سيعتذر الصدر عن (4000) عراقي قتلهم جيشه لأنهم يحملون إسم عمر وبكر؟ هل سيعترف بإغتصاب من تحمل اسم عائشة في سجون النظام؟ هل سيعترف بأنه أجرم بحق الشعب والحكومة والقضاء عندما إبتدع ما يسمى بالمحاكم الشرعية؟ هل سيعتذر الصدر لأرواح الضحايا الذين قتلوا ودفنوا خلف السدة في مدينة الصدر، والذي هدده المالكي بفتح هذا الملف ان وقف ضده؟ جرائم لا تعد ولا تحصى لا ينفع معها ألف تغريدة وتغريدة من الصدر.
مع هذا لنناقش بعض ماورد من غمزات طائفية في تغريدته ربما فاتت على البعض.
-
ذكر الصدر انه يعتذر من إمامه علي بن أبي طالب عن الجرائم التي ارتكبتها شيعة علي. حسنا لماذا الاعتذار من علي وهو لم يخسر شيئا من اولاده وممتلكاته، اليس ابناء الشهداء والارامل والايتام الذين قتلهم جيش المهدي اولى بالإعتذار؟ ثم اليس الاعتذار من الأحياء اولى من الإعتذار من الأموات؟
2 ـ ان الاعتراف بالظلم لا يعني شيئا ما لم يرفع الظلم عن الأحياء، ويتم تعويض زوجات وابناء من ظلموا من الضحايا على يد جيش المهدي وميليشيا سائرون. فاتباعك يا مقتدى مازالوا يسيرون في طريق الظلال ومازال ظلمهم متواصلا على أهل سامراء بحجة حماية العتبات الشيعية فيها، ارفع الظلم عن أهل سامراء واسحب ميليشيا سائرون من المدينة التي كتمت أفواه الناس، وحرمتهم من مصادر رزقهم، وصادرت املاكهم وحرياتهم.
-
ـ يقول الصدر مخاطبا امامه علي” فقد حكمت وليس ببيتك من درهم، وحكم شيعتك وما كان للفقراء من درهم”. بلا أدنى شك الشطر الثاني من التغريدة صحيح، ولكن لنناقش الشطر الأول.
هل هل قرأ الصدر التأريخ الاسلامي او على أقل تقدير سيرة إمامه علي بن أبي طالب وتعرف على ما تركه من زوجات وجواري وممتلكات كأرث لأبنائه؟
قال الشيخ المفيد وهو من أهم مراجع الشيعة” مات علي وله أربع زوجات وتسع عشرة (جواري) وأم ولد سوى الخدم والعبيد. وتوفي عن أربعة وعشرين ولداً من ذكر وأنثى. وذكر الشيخ المفيد ” أولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وأنثى”. (الإرشاد /176). قال المغربي” مدينة خيبر المشهورة بسكنى اليهود. وأهلها سودان يذكرون أنهم مسلمون كانوا عبيداً لعلي رضي الله عنه. ومقالة اليهود عليهم بادية. وفيما بينها وبين المدينة النبوية الينبع وبها عيون وخضر وحصن، وهي منازل بني الحسن رضي الله عنه. وموضوعها حيث الطول أربع وستون درجة والعرض ست وعشرون درجة”. (كتاب الجغرافيا للمغربي/29). وقال ابن خلدون” فلما قدمت الأخماس على عمر (من بلاد فارس) قسمها في الناس، ثم قال أشيروا في هذا القصب، فاختلفوا وأشاروا على نفسه، فقطعه بينهم، فأصاب عليّ قطعة منه باعها بعشرين ألفا ولم تكن بأجودها”. (تأريخ ابن خلدون2/538) وورد ايضا”عندما وزع عمر بن الخطاب اموال وجواهر كسرى بعد أن فتح يعد بن أبي الوقاص مدينة طيسفون على المسلمين، وكان منها بساط كسرى (كان بطول وعرض 60 ذراعا منظوما باللؤلؤ والجواهر الملونة) اصاب عليا قطعة من البساط فباعه بخمسين ألف دينار. (راجع السيرة الحلبية2/45).
-
دعا الصدر السياسيين السنة في العراق إلى” الأخذ بنصائح علي بن أبي طالب، والاقتداء بسيرته من الصلاح والإصلاح والاهتمام بالرعية”.
حسنا! لماذا يقتدي أهل السنة بعلي بن أبي طالب؟ اليس اتباع علي الشيعة هم الأولى بالٌإقتداء به، وهم يدعون لحد الآن انهم يقتدون بعلي والحسين، فأين أوصلوا العراق بهذا الإقتداء؟
ثم لماذا لا يقتدي أهل السنة بأبي بكر وعمر مثلا؟ هل كانت عهد علي أفضل من عهدهما؟ قال ابن الجوزي” عمر بن الخطاب هُوَ أول خَليفَة دعِي بأمير المومنين، وَأول من كتب التَّارِيخ للْمُسلمين، وَأول من جمع الْقُرْآن فِي الصُّحُف، وَأول من جمع النَّاس على قيام رَمَضَان، وَأول من عز فِي عمله وَحمل الدرة وأدب بهَا وَفتح الْفتُوح، وَوضع الْخراج، ومصر الْأَمْصَار، واستقضى الْقُضَاة، وَدون الدِّيوَان، وَفرض الأعطية، وَحج بِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا”. (تلقيح فهوم أهل الأثر1/76). ولم يحارب عمر المسلمين في حين شن علي ثلاثة حروب ضد المسلمين قتل فيها اللآلاف بما فيهم من كبار الصحابة. قال ابو الفداء” كانت عدة القتلى يوم الجمل من الفريقين، عشرة آلاف”. (المختصر في أخبار البشر1/174). واضاف” كان عدد القتلى بصفين من أهل الشام خمسة وأربعين ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرين ألفاً، منهم ستة وعشرون رجلا من أهل بدر”. (المختصر في أخبار البشر1/175).
-
يقول الصدر” عذراً إمامي، حكمتَ فجعلتَ العراق شامخاً بين الأمم، وحكم شيعتك فكان العراق خجلاً بين الأمم”.
حسنا! هل كان العراق حقا شامخا في عهد علي بن أبي طالب، أم كان عهد فوضى وشقاق واضطراب وعدم استقرار، حيث شاعت فيه الفتن وتوقف الفتوحات الاسلامية؟ الحقيقة التي لا يجهلها اي مسلم انه لم يكن العراق شامخا في زمن علي بل في زمن عمر وعثمان ومعاوية ويزيد والمنصور وهارون الرشيد والمأمون حيث توسعت رقعة الاسلام، وصارت بغداد قبلة للعالم في الأدب والعلم يأتيها الطلاب من كافة أرجاء المعمورة للدارسة.
-
يقول الصدر “عذراً يا إمامي، فقد حكمتَ وعدلتَ، وحكم شيعتك فظلموا”. اليس من الأجدى ان يطلع الصدر عن كيفية تعامل إمامه العادل مع قتلة الخليفة عثمان بن عفان ومنهم الأشتر وعبد الرحمن بي أبي بكر، وكيف لم يقتص منهم عن جريمتهم، بل جعلهم ولاته على الأمصار.
-
غمز الصدر للسنة بالإقتداء بعلي بن أبي طالب ولم يقدم لنا السبب، اليس الإقتداء بالنبي المصطفى أفضل من الإقتداء بجميع الصحابة؟ ثم اليس الإقتداء بخلق القرآن أفضل من الإقتداء بأي كان؟
هل هناك شائبة إذا إقتدى اهل السنة برموزهم كأبي بكر وعمر مثلا؟ قال ابن سعد” عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب (رض) يقول: أمرنا رسول اللَّه (ص) أن نتصدق و قدوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: ثم جئت بنصف مالي.
فقال لي رسول اللَّه (ص): ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله.
ثم أتى أبو بكر (رض) بكل ما عنده، فقال له رسول اللَّه (ص): ما أبقيت لأهلك؟
قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله.
فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا”. (طبقات ابن سعد3/1/123). (المنتظم4/57)
-
قال الصدر عن إمامه “عذراً إمامي، حكمتَ فصُمتَ ولم تَتخم”.