لم نسمع عن شجار حدث بين نازك الملائكة والسياب، حول قصيدتيهما: (الكوليرا، وهل كان حبًّا).. وتكفل بالنزاع بينهما النقاد اللاحقون والشعراء الأصدقاء أو المعاصرون؛ وانتهى القرن العشرون ولم ينته النزاع حولهما ولربما أسهمت المناهج النصية الحديثة في هفوت النار النقدية السياقية حول الريادة الزمنية بعد أن أكد النقد على فنية النص وحده وعلى اختزاله للطاقات الجمالية بعيدا عن المؤثرات الخارجية .. ولكن ما إن هدأت حرب نقدية عراقية حتى توقدت حرب أخرى.. ولعل وصف النزاع النقدي أو اختلاف الرأي بـ (الحرب) وصف فيه مبالغة وغلو _ للوهلة الأولى _ فما أجمل الآراء حين تكون مختلفة، ومتجادلة جدلًا معرفيا وعلميا، يهدف إلى تشكيل مجموعة رؤى متباينة حول فكرة محددة فيكون العقل المنتج والمتلقي _ أيضًا _ أمام تصورات ثقافية مختلفة توسع دائرة التفسير والتأويل .. مأ أجملها لو كانت خالصة لوجه المعرفة .. إلا أنك لو أعدت في قسم منها _ وهو كثير _ النظر بعد النظر والتدبر بعد التدبر لشممت رائحة إيديولوجية تدفع بالرأي نحو زاوية محددة ينتصر لها من يؤمن في خطابها الإيديولوجي أو لمنفعة براغماتية تغدق عليه بربح وفير.. وأحيانا تنطلق من رؤية غنائية ذاتية يقودها الحسد الحمال بالحطب. إذا كانت ثنائية الكوليرا وهل كان حبا وثنائية العمود والتفعيلة والوزن والنثر والجيل وما بعد الجيل قد أخذت نصيبها الجدلي في القرن العشرين فقد برزت لنا ثنائية أخرى لا شأن لها بأي خصوصية شعرية أو أسلوبية أو جمالية، كالتي نجدها في الثنائيات المار ذكرها، والتي حشرت التوجهات الإيديولوجية خشمها في الجدل عنها .. أقول : ظهرت ثنائية (مدح النظام _ لم يمدح النظام) (شاعر سلطة _ شاعر معارضة) والمدهش أن هذه الثنائية التي خلفها التحول السياسي ونظامه أصبحت وكأنها ثنائية (فنية وأسلوبية وجمالية) تخص الشاعر وحده أو هم الأكثر رميا بالكلام والاتهام من سواهم .. صحيح أن الأمة العربية هي أمة شعرية ولكن هل هذا يعني أنه الأولى بالرصد والكشف والمدح والذم وهو الأولى بأرشفة المراحل السياسية المختلفة؟ إن ثقافة المحو لا يمكن أن تسمح للعقل المعرفي والتصور الموضوعي أن يتسيد المشهد الثقافي ولا تنتج سوى صدامات وتناحرات لا قيمة نقدية لها ولا أهمية علمية يمكن أن تكون شاهدا تأريخيا على تحول جمالي طرأ على الشعرية العراقية.. ثقافة اقصائية انتجت أسلوبها الخاص بها وكأننا إزاء منهج نقدي جديد يفوق المناهج السياقية والنصية والثقافية .. وليس له من ملامح سوى الكراهية والحسد والبغض.. وأظنها أوصاف قد خلا منها النقد العربي حتى في أول مراحله التي كان أشد عنفوانها طلاق زوجة امرئ القيس .