عماد علي
إننا نعيش في بلد لا يمكن ان نستثني عائلة او فردا و نعتبرهم بعيدا عن السياسة و ما تتطلبه، لم يبدأ افراد المجتمع الولوج في السياسة اليوم، ولكن نسبتهم تزداد وتقل وفقا للظروف العامة التي يمر بها الشعب في كل مرحلة. ولكن توجهات ومواقف النخبة تختلف وفقا لمصالحها، ربما تتقاطع مع عامة الشعب او توافقها، ولكنها مؤثرة على تحركات وافكار واعتقادات الشعب بشكل كبير سواء أسلبا كانت ام ايجابا. ربما من ناحية الحقوق المدنية و الديموقراطية والحرية وهي تخص الشعب يمكن ان يتواصلا و يتعاونا و يترافقا في اداء الواجبات، الا ان المصالح الذاتية عند النخبة قد تتقاطع مع مصالح الشعب بشكل عام، وعليه يحدث انفصال بينهما و يُراد حينئذ التضحية من النخبة من اجل اهداف العموم، الا اننا لم نلتق بهم الا باعداد زهيدة جدا في هذا المنحى او الصفات . الخطاب الذي يبرز جراء مخاض و تحركات مجموعة من النخبة ربما يتوافق مع ما يهم عموم الشعب أو لا، و لكن الخطاب المنبثق من مخاض الحركة العامة لمجموع الشعب و الذي تتبناه النخبة هو الذي يكون مسيطرا و ناجحا، لكونه نابعا من المصالح العامة و ليس فئة معينة من المثقفين او من مجموعة من النخبة بشكل خاص. و لكن هذا لا يعني ان النخبة ليس لها الدور الكبير في انبثاق الخطاب العام الذي يهم الشعب، اي التفاعل بين الشعب و النخبة و ما يتمخض منهما هو المراد في توجيه المسيرة من كافة جوانبها السياسية والثقافية والاجتماعية.ان التغييرالطبيعي هو سمة الحياة و لابد منه و يفرض نفسه باستمرار، و لكن من يعرقله او يضع العراقيل امامه او يتخوف منه هو الفكر المحافظ مهما كان نوعه مثاليا ام ماديا، لاسباب كثيرة، و منها تخوفا من المصير المجهول او الفوضى او حفاظا على الحال ان كانت لمصلحة الممانع. وعليه، تكون النخبة غير فعالة وربما تضيع بين المصالح ومتطلبات الشعب و به تنخفض مستوى تاثيراته المهمة على الشعب و تحركاتهم. وعليه نجد في اكثر من الاحيان أن النخبة تفضل رجلا قويا عسكريا كان ام مدنيا على رجل مجهول وان كان المجهول اكثر ملاءمة للمرحلة المتغيرة التي اصبحوا فيها .
التغييرات الطبيعية التي تحدث في شؤون الشعب من كافة جوانبه، تحدث نتيجة لتفاعل المؤثرات المتعددة الداخلية والخارجية مع بعضها و لن تبقى فرص البقاء على الحال لأطول فترة ممكنة بعد التغييرات، و يمكن ان نشبهها بانسلاخ الجلد لدى الثعابين بعد عملية النمو التي تحدث في كيانها و شكلها، بشكل لا يمكنها تحمل الضيق التي يمنعها من الحركة و الاستدامة في حياتها. و هنا يمكن ان نقول ان الدور المناط طبيعيا بالنخبة يمكن ان يكون سلبيا اذا تدخل فيه امور خاصة او خلافات بينها و ان لم تصل درجة نضوجها الى حد المطلوب المفيد لعموم الشعب.
إن للعراق -و ما فيه و تاريخه وكل ما سار عليه، و المراحل المختلفة لحياة شعبه، بحيث نرى فترات يكون لراي النخبة و مواقفهم و نظرتهم الى الاحداث- دورا مفصليا و مهما و لا يمكن تحاشيه بل هو ما يفرض التغييرات او يحفظ على الحال، و في المقابل كانت هناك مراحل لم تكن للنخبة اية مواقف او نظرات او توجهات بل ساروا وراء القافلة نتيجة سيطرة مصالحهم الخاصة على فكرهم و توجهاتهم العامة، و احيانا وقفوا ضد الموجة لانهم اعتبروها ضد مصالحهم الخاصة لانهم اصبحوا طبقة مغايرة جدا و بعيدة معيشة و طبيعة عن حياة الناس .
اليوم، و نحن وصلنا الى مرحلة فوضوية بكل معنى الكلمة لان ليس هناك راي عام و لا وعي معتبر ولا ارضية متجسدة للديموقراطية التي تمنح الدور الرئيسي للعموم في التغييرات من جهة، و لا توجد نخب مستقلة بذاتها بحيث يكون لها دور فاصل و قاطع في حدث ما من جهة اخرى، بل أن النخب توزعت سياسيا و فكريا و عقيديا، او مشغولة في لقمة عيشها و استبعدت عن مهامها الرئيسية في تحسين امور الحياة و التطور المنشود في البلد. و عليه يمكن ان ننتظر مرحلة اخرى كي تتغربل النخبة عن السياسيين المصلحيين او النخبة الايديولوجية او العقائديين، و نرى أن نسميهم -ان صح التعبير- بالنخبة المنهمكين بالدين والمذهب و حتى التخرفات اكثر من الهموم المشتركة لابناء الشعب و مصالحهم و اهدافهم، و التسمية الصحيحة التي تليق بهم هي المروجون او المرشدون، و ليس لهم اي اهتمام بالديموقراطية والفلسفات التي تدفع المجتمع ان تسير نحو الامام دائما.
لو قصرنا كلامنا واختزلناه كثيرا، يمكن ان نعود الى دائرة صغيرة كي تكون شعلة في اشعال النور امام المسيرة الطويلة، ان شارع المتنبي و كملجأ لنخب مختلفة يمكن ان تنبثق منه توجهات و تبدا حركات، و لو تمخض اكثر فتولد من مخاضه ما يمكن ان ينتشر من نور ويجد له افاقا واسعا في انحاء البلاد في لحظات او في وقت قياسي كي لا نبالغ . رغم ان الحركة التي يشهده شارع المتنبي غير منتظمة الا ان التنظيم يمكن ان ياتي من جراء نضوج الحركة و تهيئة الظروف المطلوبة لها و في الوقت المناسب. و هناك -طبعا- اماكن كثيرة اخرى مشابهة لشارع المتنبي في جميع محافظات العراق و اقليم كردستان ايضا، و لكنها تحتاج الى اهتمام اكثر و تحرك قوى .