ثمن غال للوعود العراقية الفارغة

ثمن غال للوعود العراقية الفارغة
آخر تحديث:

بقلم:حسين عبد الحسين

يتراجع محمد شياع السوداني بالفعل عن الوعود التي قطعها لتأمين ائتلافه الحاكم بعد أقل من شهر من تنصيبه رئيسا لوزراء العراق. ويتواصل الاستقطاب السياسي المزعزع للاستقرار في العراق طالما يستمر عدم الوفاء بهذه التعهدات.كانت الكتلة السياسية الشيعية المؤيدة لإيران التي رشّحت السوداني، الإطار التنسيقي، بحاجة إلى دعم من السنّة في البلاد لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة.قدم السنة دعمهم مقابل وعد بأن رئيس الوزراء الجديد سيسحب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران المعروفة باسم وحدات الحشد الشعبي من المحافظات التي يهيمن عليها السنة في الشمال الغربي بمجرد وصوله إلى السلطة. ووافق السوداني، وتعهد أيضا بإصدار عفو عام من شأنه أن يفتح الباب لإعادة تأهيل مقاتلي داعش ومعظمهم من السنّة.

ولم يف بأي من هذه الوعود. وعرقل المشرعون الشيعة المؤيدون لإيران الإجراءات التي من شأنها تقويض وحدات الحشد الشعبي دون حلها. وفي الآن نفسه، حظر السياسيون الشيعة الموالون لإيران التشريع المقترح لإعادة التجنيد العسكري الإلزامي الذي قُدّم بصفته وسيلة لتقليص مجموعة الشبان العاطلين عن العمل الذين تستهدفهم الميليشيات الموالية لإيران للتجنيد.

على نفس الخط، اقترح وزير الداخلية عبدالأمير الشمري نزع السلاح من أكبر مدن البلاد وأوصى بتسليم الأمن إلى الشرطة المحلية والاتحادية. ويُذكر أن الشمري هو شيعي صعد إلى الرتب العسكرية، وأمر ذات مرة القوات الحكومية باقتحام مقر أكبر ميليشيا شيعية موالية لإيران، كتائب حزب الله.وسيجبر الطرد من المدن الميليشيات على إغلاق مكاتبها التي تُستخدم لتقديم الخدمات للسكان المحليين وتجنيد المقاتلين ونشر الدعاية الموالية للنظام الإيراني. وبينما تظاهر السوداني بدعم مثل هذه الخطة قبل تعيينه، تلاشت خطوات التنفيذ منذ ذلك الحين.

وبينما أعطى السوداني الانطباع بأنه يخطط لتمكين الدولة العراقية، تجنب في أفعاله حتى الآن استعداء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران التي يقوض وجودها ذاته الدولة نفسها.وكما يحدث في لبنان المجاور، فإن أفراد الميليشيات الموالية لإيران في العراق متلاعبون سياسيون ماهرون ويستخدمون السياسة لتأمين مصيرهم. وتناور هذه الميليشيات لفرض انتخاب سلطة تنفيذية تمنح الشرعية لوجودها دون التشكيك في تسليحها أو فسادها.وصوّر السوداني نفسه على أنه رئيس وزراء منشغل بمكافحة الفساد وبناء اقتصاد يخدم جميع العراقيين. لكن النموذج الحاكم الذي قدمه يفعل العكس تماما. ولا تهتم الحكومة العراقية إلا بالاقتصاد، على غرار نهج النظام الإيراني. وتنازلت عن كل شيء تقريبا، لاسيما الأمن، لصالح الميليشيات الموالية لإيران.

بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005، دعا زعيم حزب الله الموالي لإيران حسن نصرالله إلى الشراكة مع كتلة المعارضة بتحفظات. وقال “أنتم تتعاملون مع إعادة الإعمار ونحن نتعامل مع المقاومة”، موضحا كيف يمكن لحزب الله أن يملي سياسات لبنان الأمنية والخارجية. وتبدو الأمور مشابهة في العراق اليوم.وبدت جهود السوداني لمكافحة الفساد فاترة وقائمة على الانتقام حتى الآن. وقدّمت الحكومة الجديدة بعض القرابين واعتقلت كبار الضباط بتهمة إدارة “أكبر شبكة لتهريب النفط” في البلاد. لكنها لم تلاحق العمالقة السياسيين المعروفين باختلاس الأموال العامة وتوفير الحماية للموظفين المدنيين والعسكريين الفاسدين.

ولا يعرف أحد ما ينتظره السوداني، هذا إذا كان ينتظر شيئا على الإطلاق. وصعد لأن الكتلة العراقية الموالية لإيران التي خسر نوابها الانتخابات حلّت محل الكتلة الصدرية بعد أن ارتكب نوابها البالغ عددهم 73 نائبا خطأ الاستقالة.وحاول السوداني تصوير نفسه على أنه شخص مستقل غير حزبي يقف على مسافة متساوية من الجميع. لكنه لا يبدو محايدا كما زعم حتى الآن. بل ثبت أنه منحاز بشدة إلى سياسات النظام الإيراني في العراق. ولم يظهر حتى إلى الآن استعداده للدفاع عن مصالح بلاده الأساسية. وكان العراق على سبيل المثال يجني 10 مليارات دولار شهريا من بيع النفط منذ بداية هذا العام، لكن الدينار العراقي يفقد قيمته. والسبب هو إيران التي تستخدم البنوك العراقية الصغيرة ومحلات الصرف لسحب العملات الأجنبية إلى الخزانة الإيرانية.لم تصل فترة ولاية السوداني إلى حد الثلاثين يوما. ولكن الحكم على أدائه حتى الآن لا يبرز ما يمكن وصفه بالنجاح أو حتى الطريق إليه. ويواجه العراقيون بذلك ثلاث سنوات أخرى من الخطابات الجوفاء ونفس السياسات التي عهدوها ما لم يتغير شيء.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *