آخر تحديث:
بالضبط كقصة ثياب الملك الجديده للكاتب الدانماركي هانز أندرسون ، وعدت الحكومة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال العراقيين منذ سنوات أنها عاكفة تنسج لهم ثوبا لا يراه إلاّ الأذكياء إسمه الخروج من الفصل السابع . وفي 12/6/2013 زفت البشرى خلال زيارة جابر مبارك الصباح لبغداد وإتفاقه مع المالكي على الإنتقال من الفصل السابع إلى السادس ، وإستعرضوا لنا ثياب العراق الجديدة والقيت كلمات كثيرة في هذه المناسبة ، وكان الفرق الوحيد مع قصة أندرسون هو أن شعب العراق لم ينتظر طفلا ليصرخ أن الملك عارٍ بل عرف بحسّه العبقري أن هذه الثياب وهمية وهي عملية خداع منظمة من بائعي السراب والأوهام والطلاسم هدفها تمرير صفقة تسلب من العراق المزيد من حقوقهوتضيف كارثة اخرى إلى كوارث الإحتلال الأمريكي-الإيراني للعراق.
وإذا كان المواطن العراقي البسيط قد عرف الحقيقة بالبداهة ، فإن واجب المختصين أن يفضحوا هذه الصفقة اللعينة ويحشدوا الشعب لإسقاطها وإسقاط العملية السياسية برمتها .
أولا : ما هي إجراءات الفصل السابع التي سنتخلص منها ؟
1 – صوّرت حكومة المالكي أن بقاء العراق تحت الفصل السابع هو العائق الرئيسي الذي يمنع (انطلاق العراق الى آفاق رحبة ) والقت عليه كل شرور العملية السياسية من فقر وامية وامراض وبطالة ونقص الخدمات والفساد والمخدرات والأيدز (المنتشر في النجف الأشرف أكثر من أية مدينة عراقية أخرى)، والوقائع تقول عكس ذلك تماما ، فالولايات المتحدة عمدت بعد إحتلال العراق الى وقف جميع الإجراءات القسرية المفروضة على العراق في قرارات مجلس الأمن المتخذة بموجب الفصل السابع عدا ترسيم الحدود والتعويضات . الأمريكانفرضوا هذه العقوبات والإجراءات القسرية بهدف تغيير النظام السياسي وهذا حصل فلا مصلحة لهم ببقائها ،إضافة الى أن رفعها سيسمح للحكومة المنشاة في ظل الإحتلال أن تحصل على الموارد للترويج لمشروع الإحتلال.
وأدنا قائمة بإجراءات الفصل السابع التي الغيت بعد الإحتلال :
الغيت جميع اجراءات الحصار الإقتصادي بالفقرة العشرين من القرار 1483 لعام 2003.
رفع مجلس الأمن حظر بيع الأسلحة التقليدية للعراق بالفقرة 21 من قرار مجلس الأمن 1546(2004).
قرر مجلس الأمن إنهاء عملفرق التفتيش وحل لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (الأنموفيك) وفريق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاص بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية (الفقرة الأولى من القرار 1762 (2007).
قرر مجلس الامن إنهاء برنامج النفط مقابل الغذاء (الفقرة 16 من القرار1483(2003)وسمح بتصفية اعماله خلال فترة محددة ، ثم أنهى القرار 1958 (2010 ) البرنامج كليا.
أوكل مجلس الأمن بقراره 1762 (2007) للحكومة العراقية (دائرة الرقابة الوطنية) تنفيذالقيودالمفروضة في القرار 687 (1990 ) على جميع المعدات والمواد مزدوجة الإستخدام التي قد تدخل في صناعة أسلحة الدمار الشامل والصواريخ التي يزيد مداها على 150كم ، ثم رفع هذا القيد كليا في القرار 1957 (2010 ).
سحب مجلس الأمن فريق المراقبين الدوليين بين العراق والكويت (اليونيكوم ) قبل الغزو بيومين لكي لا تحرج الأمم المتحدة عندما تدخل قوات الغزو الأمريكية ارض العراق من الكويت أمام أنظار المكلفين بإحترام حرمة الحدود الدولية ، وبذلك إنتهت مهمة المراقبين المنصوص عليها في الفقرة 5 من القرار 687 (1991) المعتمد بالفصل السابع ، ولم تجدد بعد الغزوالإحتلال الأمريكي للعراق.
والخلاصة فإن ما بقي من العقوبات وإجراءات الفصل السابع التي فرضت على العراق منذ عام 1990 هي التعويضات للكويت بنسبة 5% من واردات نفط العراق وتخطيط الحدود بين العراق والكويت الذي أقر بالقرار 687 (1991 ) وإعتمدت خرائطه بالقرار 833 (1993 ).
وبما المالكي وزيباري أعلنا أن التعويضات إلتزام ثابت على العراق وسيواصلون دفعها وفق آلية ثنائية ، وأن تخطيط الحدود بموجب قرار مجلس الأمن 833 (1993 ) هو إلتزام ثابت على العراق أكدوه بالرسالة العراقية – الكويتية المشتركة التي سلمت الى الأمين العام للأمم المتحدة يوم 13/6/2013 ، عندها يصبح الحديث عن فوائد جناها العراق من الخروج من الفصل السابع هراء مطلق وضحك على الذقون.
2 – تدعي حكومة المنطقة الخضراء وتؤيدها في ذلك حكومة الكويت أن موضوع الأسرى والمفقودين الكويتيين وإسترجاع الأرشيف الكويتي ( ضمير الأمة الكويتية كما يسمونه!!) كانا ضمن إجراءات الفصل السابع وأن الكويت تنازلت ووافقت على نقلهما الى الفصل السادس . وذلك تدليس صريح وتزوير للحقائق ، فملف الأسرى والمفقودين هو ملف إنساني بحت ، والدليل هو أنه ، ومع وروده في القرار 687 (1991 ) المعتمد بموجب الفصل السابع ، فقد أوكلت مسؤولية تنفيذه الى الصليب الأحمر الدولي وهو منظمة إنسانية . والفقرة 30 من القرار 687 تقول (يقرر، من أجل تعزيز التزامه بتيسير إعادة جميع رعايا الكويت ورعايا الدول الثالثة إلى الوطن، أن يقدم العراق كل ما يلزم من تعاون مع لجنة الصليب الأحمر الدولية، وذلك بتقديم قوائم بأسماء هؤلاء الأشخاص، وتيسير إمكانية وصول اللجنة الدولية إلى جميع هؤلاء الأشخاص حيثما يوجدون أو يكونون محتجزين وتيسير بحث اللجنة الدولية عن الرعايا الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين ما زالت مصائرهم مجهولة). ليس هذا فحسب ، بل جرى شمول الأسرى والمفقودين العراقيين أيضا في ولاية الصليب الأحمر لإن قانون الصليب الأحمر لا يسمح بإزدواج المعايير فيما يتعلق بضحايا الحروب . ولو بقي هذا الملف في الفصل السابع أو السادس أو تخلى مجلس الأمن عن متابعته كليا فذلك لن يغير من الأمر شيئا ، إضافة إلى حقيقة أنه بعد ربع قرن على المتابعة ، وبعدعشر سنوات من الإحتلال الأمريكي- الإيراني للعراق لم يعد في هذا الملف مردودات فعلية ، ومواضيع اسرى الحرب والمفقودين قد تبقى مفتوحة لقرون، فهناك لحد اليوم مفقودون من الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب فيتنام .
اما الأرشيف الكويتي فقد أعيد قبل الغزو الأمريكي ، ولوكان لدى العراق بقية منه لاستعاده ضباط المخابرات الكويتيون الذين دخلوا مع الغزاة وبحثوا في أرشيف جميع الوزارات العراقية وسرقوا ما طاب لهم منه وحرقوا الباقي . والمستفيد من نقل الملف الى الفصل السادس هي الكويت لإنها سستخلص من عبء منصب ( منسق الأمم المتحدة لإعادة الأسرى والأرشيف ) الذي إستحدث بموجب القرار 1284(1999) والذي يشغله دبلوماسي روسي ويكلف الخزينة الكويتية مبالغ بلا مردودات.
3 – إن نقل ملف ( النزاع بين العراق والكويت ) من الفصل السابع إلى الفصل السادس بقرار سيصدر من مجلس الأمن ذاته في نهاية حزيران 2013 ، يعني بقاء الملف معروضا على مجلس الأمن ، وإن إعادته من جديد الى الفصل السابع يمكن أن يتم بسهولة ، بمجرد شكوى الكويت أن العراق أخل ببعض إلتزاماته كأن يتأخر في دفع ما بقي من التعويضات أو أن يطالب عراقي بتعويضات عن مشاركة الكويت في غزو العراق أو يطالب عراقي بإستعادة أرضه وبيته الذي أخذته منه الكويت بموجب ترسيم الحدود ، أو أن تحصل مصادمات بين الصيادين العراقيين والقوات البحرية الكويتية التي إستولت على نصف مياه خور عبد الله العراقي واصبحت تتحكم بالملاحة وأنشطة الصيد البحري العراقية.
إن مجلس الأمن جهاز سياسي وهو سيد قراراته ولا قيود حقيقية في ميثاق الأمم المتحدة على قراراته أو على صلاحياته في تفسير أو في تنفيذ هذه القرارات ، ويكفيه أن يجتمع ليقول إن النزاع العراقي الكويتي يتطور بشكل يهدد السلم والأمن الإقليمي وسيستند إلى الفقرة الثانية من المادة 37 من الفصل السادس التي تنص على ( إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي …. أوصى بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع ) ، إضافة الى حقيقة أصبحت واقعا منذ عام 1990 ، وهي أن الخمسة الكبار في مجلس الأمن ليسوا محصنين أمام رشاوى الكويت.
ثانيا : ما الذي كسبه حكام الكويت من هذه الصفقة :
1- كسب حكام الكويت في هذه الصفقة ما رأوه إنجازا تاريخيا وهو أن الإجراءات القسرية المفروضة على العراق بموجب قرارات مجلس الأمن ، وفي مقدمتها تخطيط الحدود والتعويضات ، تحولت الى إتفاقات ومذكرات تفاهم ثنائية موقعة بين دولتين ( ذواتا سيادة ) وأودعت نسخ منها في الأمم المتحدة يوم 13/6/2013 للتوثيق ، لذا فلا يحق للعراق أن يطلب إعادة ترسيم الحدود بشكل ثنائي مع الكويت ، أو أن يقولإن الحدود المرسومة من مجلس الأمن قسرية وتناقض قواعد آمرة في القانون الدولي ، أو أن يطالب بوفق التعويضات للكويت أو إسترداد ما دفع منها.
ومعروف أن حكام الكويت تؤرقهم صباح مساء رسالة وزير خارجية جمهورية العراق في 6/4/1991 الى رئيس مجلس الأمن يعلمه فيها بقبول العراق قرار مجلس الأمن 687 الصادر يوم 3/4/1991 . لقد تضمنت تلك الرسالة عرضا قانونيا موثقا يثبت أن إجراءات هذا القرار (تشكل بمجموعها ظلما وإجحافا بحق الشعب العراقي في الحياة وإنكارا صارخا لحقوقه الثابتة في السيادة والاستقلال والإرادة الحرة ) كما تضمنت إستنتاجا مبدئيا تاريخيا جاء فيه (إن السبب الجوهري الذي يكمن وراء قرارات مجلس الأمن هو أن العراق لم يقبل بالوضع المجحف الذي فرض على الأمة العربية ودول المنطقة منذ عقود عديدة والذي جعل من إسرائيل القوة العدوانية المهيمنة في المنطقة بما تمتلكه من أحدث وأقوى الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ومنها السلاح النووي. وإن هذه الحقيقة تؤكد ما سبق أن بينه العراق قبل أحداث 2 آب/ أغسطس 1990من أنه يتعرض إلى مؤامرة تستهدف القضاء على الإمكانات التي وفرها من أجل إقامة توازن عادل في المنطقة من شأنه أن يمهد الطريق لإحلال السلم المنصف والعدالة فيها) ، وإنتهت تلك الرسالة التاريخية الى القول (وفي الوقت الذي يسجل فيه العراق هذه الملاحظات المبدئية والقانونية والشرعية ليحث أصحاب الضمير من أعضاء المجتمع الدولي والرأي العام العالمي على فهم الحقيقة كما هي والانتصار للحق كما ينبغي، فإن العراق يجد نفسه أمام خيار واحد لا غير هو القبول بهذا القرار).
هذه الرسالة حفظت حقوق العراق مستقبلا نتيجة كل ما يترتب على قرارات مجلس الأمن من إجحاف وظلم كون قبول العراق بها كان قبول المضطر الذي أعلن أنها ظالمة وغير شرعية , ولذا سعى حكام الكويت لجعل القبول بهذه القرارات طوعي وبإتفاقات ثنائية ، إضافة إلى تمسكهم بورقة إبقائها على جدول أعمال مجلس الأمنبموجب الفصل السادس وإمكانية نقلها إلى الفصل السابع من جديد .
2 – كسب حكام الكويت إعتراف حكومة المنطقة الخضراء بميناء مبارك ، الذي يجري إنشاؤهبهدف خنق موانيء العراق وجعل ميناء مبارك هو ميناء التصدير والإستيراد الرئيس للعراق وما يتبع ذلك من إرتهان إقتصاد العراق للكويت وإيتزازه سياسيا .
3 – كسب حكام الكويت إنهاء عمل لجنة التعويضات وتهيؤهم لإستعادةالوثائق المزورة التي قدموها لها لزيادة قيمة التعويضات ، وخاصة تعويضات هيئة الإستثمار الكويتية ، وصرح رئيس مجلس أدارة الهيئة الكويتية لتقدير التعويضات خالد أحمد المضف في الشهر الماضي أن الكويت طلبت من لجنة التعويضات إستعادة بعض الوثائق الحساسة والسرية من لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التي قدمتها هيئة الإستثمار الكويتية لدعم مطالبها ، لكن اللجنة رفضت بدعوى الحاجة لها لتسهيل وصول اللجنة او المراجعين الى هذه الوثائق عند الحاجة، ثم صرح لاحقا إن هذه الأسباب لم تعد قائمة بعد إتفاق العراق والكويت ولذا فإن دولة الكويت تطالب بإستعادة تلك الوثائق الحساسة.
ثالثا : الملاحظات :
1–إن الوقائع أعلاه تطرح سؤالا جوهريا هو : هل يعقل أن يفرط مسؤول بمصالح دولته بهذه الدرجة ؟ أن يعطي للكويت كل شيء ولا يكسب شيئا ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي الغوص في الغائر من حقيقة النظام السياسي الذي أنشأه الأمريكان والفرس في العراق . إنه نظام قائم على هدف إضعاف العراق وتمزيقه لصالح دول الجوار ولصالح الأحزاب الكردية. نظام شخوصه لا يحبون العراق لإن ولاءهم لغيره ، فهل بعد هذا عذر لعراقي أن لا ينتخي ويشارك إخوته في المقاومة الباسلة لإسقاط هذا النظام كآخر مظهر من مظاهر الغزو الإحتلال الأمريكي-الإيراني للعراق!
2 – ليعلم حكام الكويت أن إتفاقاتهم ومذكرات تفاهمهم مع العملاء في المنطقة الخضراء لا يساوي ثمن حبر تواقيعهم ، فالإحتلال غير شرعي والحكومة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال غير شرعية وباطلة ولا قيمة قانونية لإية إتفاقية أو مذكرة تفاهم توقعها ، وعلى حكام الكويت أن يراجعوا حساباتهم ، فهذه لربما فرصتهم الأخيرة ، ويوقفوا سياسة إضعاف العراق والتآمر عليه ، فتصريحات لاريجانيالتي بشّر فيها بسقوط الكويت هي إنذار لهم أنهم بغياب قوة العراق سيكونون قشة في مهب الريح ولن تنفعهم معاهدات الدفاع المشترك مع امريكا وبريطانيا عندما يغزون من الداخل.
3 – إن رسالة السيد أحمد حسين وزير خارجية جمهورية العراق الى رئيس مجلس الأمن في 6/4/1991 بشأن قبول العراق بالقرار 687 هي درس في الصمود جدير بالتمعن. كانت الأيام الأولى من نيسان 1991 بالغة الصعوبة على العراقيين وعلى حكومتهم الوطنية ، فطائرا ت وصواريخ التحالف الذي قادته أمريكا القت على العراق ما يعادل سبعة قنابل نووية ، وكانت الخدمات معطلة والجسور مدمرة والإيرانيون غدروا ونشروا ضباط مخابراتهم في جنوب العراق لقيادة تمرد ضد الحكومة الوطنية ، والجيش العراقي يعاني من حجم الخسائر الهائل ومن مرارة الإنسحاب، لكن قادة العراق لم يقروا للظالم المتجبر بظلمه ولم يتخلوا عن مبادئهم وعن حقوق شعب العراق وردوا على القرار 687بالقول إنه جائر ومجحف ومخالف لمباديء ميثاق الأمم المتحدة ومزدوج المعايير وهدفه حماية عدوانية إسرائيل وسنقبله لإن العراق يجد نفسه أمام خيار واحد لا غير وهو القبول به.هكذا تحفظ الحكومات الوطنية حقوق شعوبها حتى وإن ضعفت عسكريا أمام عدو باطش متجبر.
والله المستعان
بغداد 14/6/2013