بغداد/ شبكة أخبار العراق – في اول حديث صحافي له على الاطلاق، كشف كبير العلماء النوويين العراقيين الدكتور جعفر ضياء جعفر، الذي يلقب في الغرب “ابا القنبلة الذرية العراقية”، ان العراق كان على وشك صنع سلاح ذري عشية حرب الخليج الاولى عام ،1991 غير ان الحملة العسكرية الاميركية – الدولية عليه حالت دون ذلك. واوضح الجعفر لـ”النهار” ان الرئيس العراقي صدام حسين امر بانجاز برنامج نووي سري في العراق بعد اشهر من العدوان الاسرائيلي الذي دمر “مفاعل تموز” في 7 حزيران 1981 على رغم ان البرنامج كان لا يزال سلمياً. وقال ان العلماء العراقيين تمكنوا وحدهم من تخصيب الاورانيوم كهرومغناطيسياً دونما مساعدة اجنبية، غير ان هذا البرنامج دمر تماماً بعد دخول المفتشين الدوليين العراق. واضاف ان الاميركيين “يعرفون ذلك جيداً”. ووجه انتقادات لاذعة الى وكالات الامم المتحدة واصفاً اياها بأنها “ادوات تخدم السياسات الاميركية والغربية”، عملت على مساعدة الولايات المتحدة “على احتلال العراق من اجل اعادة بناء الهياكل العربية و ادخال الاسرائيليين ضمن مشروع الشرق الاوسط”.
وهنا الاسئلة والاجوبة:
* اذا اراد الدكتور جعفر ضياء جعفر ان يعرف عن نفسه بغير الصفة التي اطلقها الغرب عليه “أباً للقنبلة الذرية العراقية”، ماذا تقول؟
– نحن اولاً لم يكن لدينا قنبلة نووية ولم نصل الى قنبلة نووية عراقية. هذه لم توجد اصلاً. انا عالم عراقي عربي. هذا هو اللقب المناسب ربما.
* قلت ان العراق لم يمتلك يوماً قنبلة نووية. ولكن كان في العراق برنامج نووي؟
– صحيح، كان يوجد برنامج نووي مع وكالة الطاقة الذرية منذ عام .1956 غير ان البرنامج هذا كان سلمياً. وعام 1976 تعاقدنا مع فرنسا وعام 1978 مع ايطاليا لانشاء مفاعلات ومنشآت نووية تخدم برنامجاً نووياً سلمياً. هذا البرنامج لم ير النور لان العدوان الاسرائيلي في 7 حزيران 1981 دمر المفاعل الرئيسي الفرنسي في مركز التويثة. وبهذا التدمير فشل البرنامج السلمي العراقي في الوصول الى غاياته.
* هل كنت انت الشخص الرئيسي المسؤول عن البرنامج؟
– كنت الشخص الفني الرئيسي في هذا البرنامج. وتفاوضت مع الجانب الفرنسي في العقد العراقي – الفرنسي وايضاً في جوانب من العقد العراقي – الايطالي لتأسيس هذه المنشآت. وانا وقعت هذا الاتفاق في حينه مع الفرنسيين وحددنا التفاصيل الفنية لهذا المفاعل الفرنسي والمنشآت المساعدة له. كنا نسمي هذا المفاعل “مفاعل تموز1″ و”مفاعل تموز2”.
* ما دام هذا البرنامج سلمياً، لماذا استهدفه الاسرائىليون في رأيك؟
– لا اعلم لماذا قصفوه ودمروه. لكن من الواضح انهم لا يريدون للعراق ان ينهض بهذا النوع من العلوم وان يطور هذا النوع من العلوم. ووجدنا لاحقاً انهم أجروا (اي الاسرائيليين) بعض الدراسات التي نشرت في ما بعد، وفيها أن لهذا المفاعل قدرة على انتاج البلوتونيوم في حدود 12 كيلوغراما سنوياً. هذه الحسابات لم تكن دقيقة، بل انها خاطئة. نحن اجرينا حسابات لتقدير امكانات المفاعل، فوجدنا ان كميات الانتاج الممكنة لا تتعدى نحو كيلوغرامين من البلوتونيوم سنوياً. وهذا يعني ان الاسرائيليين بالغوا ست مرات في تقديراتهم لامكانات المفاعل، وربما كان هذا احد اسباب قصف المفاعل.
* أكان ممكنا صنع قنبلة نووية من كمية الكيلوغرامين التي اشرت اليها؟
– لا، لم يكن ذلك ممكناً لان هذا المفاعل كان سيخضع للرقابة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
برنامج سري ناجح
* لكن النظام العراقي كان يخفي الحقائق عن مشاريعه النووية…
– لا، لا، هذا حصل لاحقاً. في ذلك الحين لم يكن هذا الشيء موجوداً ولم تكن هناك محاولات لاخفاء البرامج النووية، الذي حصل هو انه بعد القصف الاسرائىلي في 7 حزيران ،1981 اتخذ قرار بعد اشهر قليلة بالمضي في استحداث برنامج نووي سري بدأ بتخصيب الاورانيوم وانتهى بمحاولة تصميم السلاح النووي لاحقاً، اي في نهاية الثمانينات.
* يعني انكم تمكنتم من تخصيب الاورانيوم…
– نعم، تمكنا من تخصيب الاورانيوم بطريقتين: طريقة التخصيب الكهرومغناطيسي التي بدأت بمستوى مختبري ثم مستوى ريادي ثم مستوى انتاجي. وكنا في بداية المستوى الانتاجي في نهاية عام 1990 اذ نصبت ثماني وحدات انتاجية من اصل 70 وحدة في احد المواقع…
* في اي موقع تحديداً؟
– في موقع الطارمية كان يوجد مشروع لمنشأ انتاجي لتخصيب الاورانيوم بالطريقة الكهرومغناطيسية. وكان يوجد موقع ثان – كنا في بدايات انشائه ولم تكن فيه معدات تخصيب عام .1990 كان موقعاً بديلاً. كانت الخطة ان يستكمل موقع الطارمية ثم ننتقل الى موقع الشرقات في شمال العراق.
* مع من تعاونتم لتخصيب الاورانيوم؟
– في الطريقة الكهرومغناطيسية لم نتعاون مع اي جهة. في الحقيقة ان البرنامج الوطني النووي العراقي كان من مبادئه الا نتعاون مع اي جهة اجنبية كي يبقى البرنامج سرياً. وفعلاً بقي سرياً حتى النهاية. ولذلك فوجئ الاميركيون وغيرهم بعد حرب عام 1991 بوجود برنامج كهذا في العراق. التجهيزات المعقدة كنا نصنعها في العراق، ولكن اي تجهيزات يمكن شراؤها علناً… كنا نشتريها من خلال الجهات الرسمية العراقية الاخرى مثل وزارة النفط ووزارة الصناعة وغيرهما. كانت هذه مشتريات اعتيادية كالانابيب وصفائح الفولاذ والمعدات الالكترونية الموجودة في السوق العالمية لانها ليست معدات او مواد متخصصة. نحن كنا نصنع المتخصص من هذه المواد الاولية. هكذا كان البرنامج.
* من اتخذ قرار بناء البرنامج النووي السري العراقي؟
– طبعاً الرئيس صدام حسين الذي ابلغ الي القرار وابلغه ايضاً الى لجنة الطاقة الذرية العراقية.
* بعد حرب الخليج الاولى عام 1991 دمر جزء كبير من هذا البرنامج…
– خلال فترة الحرب، دمرت اجزاء كبيرة من هذه المنشآت، لكن الاميركيين لم يعلموا بوجود بعض المنشآت الاخرى، فلم تدمر وبقيت سالمة، مثل معمل الربيع ومعمل دجلة في الزعفرانية ومركز الاثير في جوف الصخر وعدد من المواقع الاخرى التي بقيت سالمة من القصف الجوي الكثيف خلال الحرب عام .1991
* … واستمر عملكم.
– لا، لم يستمر. البرنامج العراقي انتهى بصدور القرار 687 عن مجلس الامن.
* ولم تحاولوا انشاء برنامج بديل؟
– لا. اولاً، كان هناك حصار شديد على العراق. وثانياً، كان المفتشون يتجولون في العراق شمالاً وجنوباً معتمدين اسلوب التفتيش التدخلي الذي لا يسمح بتنفيذ برنامج نووي سري.
* لا يمكن اخفاء البرنامج، لكن المواد النووية يمكن اخفاؤها؟
– جرى تسليم كل المواد النووية الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية…
* ولم يبق اي شيء لديكم…
– وصل المفتشون الى العراق في آذار ،1991 وجرت محاولات اخفاء، ولكن سرعان ما اكتشفت المعدات المخفية لانها كبيرة جداً ولا يمكن اخفاؤها، في الحقيقة ان هذه المعدات سلمت الى الحرس الجمهوري الخاص ووجدها المفتشون من خلال المراقبة الجوية لبغداد وما حولها ولبقية المناطق العراقية، فذهبوا اليها ووجدوها. فاتخذ الحرس الجمهوري الخاص قراراً بتدميرها في بداية تموز من العام ذاته.
ضد اسرائيل
* خلال الحرب العراقية – الايرانية، هل جرى تحفيزكم على صنع سلاح فتاك لاستخدامه في الحرب؟
– لا، ابداً. لم تكن ايران مستهدفة بهذا النوع من السلاح. لقد ابلغ الرئيس السابق صدام حسين الينا ان هذا السلاح له هدفان: اولاً، مواجهة التحدي الاسرائىلي في المنطقة لانه كان معلوماً ان الاسرائىليين يمتلكون السلاح النووي، فهو اذا لموازنة التفوق العسكري الاسرائىلي في الجانب النووي. وثانياً صار واضحاً انه لا يمكن المضي في العراق في اي برنامج نووي سلمي ما لم يكن السلاح النووي موجوداً لحمايته.
* في ذلك الحين كان هناك نوع من الرضى الاميركي والغربي الى حد ما عن البرنامج النووي وغير النووي للعراق.
– لا، لم يكونوا على علم به. ولم يكن واضحاً مدى التقدم في البرنامج النووي العراقي الا بعد حرب عام .1991
* في اي حال استخدمت اسلحة الدمار الشامل في العراق نفسه.
– اسلحة الدمار الشامل تعبير جديد، وان هذه تشمل الاسلحة الكيميائية والبيولوجية والصواريخ التي يبلغ مداها اكثر من 150 كيلومترا. هذه ليست اسلحة دمار شامل. السلاح الوحيد الذي يمكن ان يسمى سلاح دمار شامل هو السلاح النووي. السلاح الكيميائي استخدم في الحرب العراقية – الايرانية منذ عام ،1984 لكن الوقاية من هذه الاسلحة سهلة نسبيا. ونشر هذه الأنواع من الاسلحة يعتمد على عوامل جوية، فاذا انقلب اتجاه الريح يكون الاثر على الجهة المستخدمة لهذا الاسلحة. هذه ليست اسلحة دمار شامل، انما استخدم الاميركيون هذا التعبير للدول التي يريدون معاداتها كسوريا وغيرها…
حلبجة
* هل كنتم على اطلاع على ما يجري في جبهات الحرب؟ وهل علمتم باستخدام هذه الاسلحة ضد العراقيين في جلبجة مثلا؟
– نحن لم نكن على اطلاع. غير انني استشهد بمقال نشر في 31 كانون الثاني 2003 في صحيفة النيويورك تايمس” ويقول فيه ستيفن بيليتيير، المسؤول عن مكتب العراق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي آي اي”، ان حلبجة لم تكن مستهدفة بالاسلحة الكيميائىة العراقية، بل كانت هناك معارك حول حلبجة استخدمت فيها الاسلحة الكيميائية من الطرفين العراقي والايراني. ويقول ايضا انه جرى تحليل اسباب وفاة بعض الاشخاص الذين قتلوا بالاسلحة الكيميائية، وتبين ان الوفيات سببها استخدام ما سمي عوامل الدم التي تعتمد على عنصر السيانيد الذي لم يكن موجودا لدى العراق. كان لدى العراق عوامل اعصاب وغاز الاعصاب وغاز “في اكس” بكميات قليلة. اذا كان هذا صحيحا، فإنه يعني ان حلجبة لم تكن مستهدفة اصلا من الطرفين العراقي والايراني، انما في هذه الحروب يتأثر المدنيون، لان هذه الاسلحة تعتمد على اتجاه الريح وعلى كثير من العوامل.
* ثم استمر العراق في انتاج ما يسميه الغرب اسلحة دمار شامل؟
– لا، هذا غير صحيح. لم يكن هناك اي برنامج بعد عام .1991
* اليست هناك اليوم اسلحة دمار شامل في العراق؟
– لا، ابدا، قطعا لا يوجد اي سلاح دمار شامل في العراق. وهم يعلمون جيدا انه لا يوجد شيء.
* يعلمون جيدا؟
– يعرفون جميع التفاصيل لان العراق قدم وثائق كاملة عن جميع برامج اسلحته الى وكالات الامم المتحدة المعنية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة اونسكوم في البداية ثم لجنة انموفيك لاحقا. وقدمت وثائق الى مجلس الامن في حدود نحو 12 الف صفحة في 7 كانون الاول .2002 وكذلك قابل مفتشو الامم المتحدة جميع العلماء والاشخاص المعنيين عام 2002 وبين عامي 1991 و1998 وتحققوا من ان جميع هذه الامور قد دمرت.
* لكن العراق كان يخيف العالم بسبب سجله الحافل بالسرية…
– لا، ابدا، لا سرية في هذه المواضيع. هم تحققوا من عدم وجود شيء. لكن تقاريرهم الى مجلس الامن لم تعكس ذلك. هذه الوكالات الدولية هي ادوات تخدم السياسات الاميركية والغربية بصورة عامة. مهما قالوا، لن يقولوا ان العراق خال من هذه الاسلحة…
* تعني كانت هناك مؤامرة على العراق؟
– طبعا، اكيد. الا تعتقد ذلك؟
* انا صحافي.
– كان هناك قرار باحتلال العراق.
* لماذا ما دام لا اسلحة دمار شامل عند العراق؟
– لاسباب استراتيجية. النظام العراقي كان ضد سياساتهم. انهم يريدون اعادة بناء الهياكل العربية بدءا من العراق، سياسيا واجتماعيا… يريدون ادخال الاسرائيليين ضمن مشروع الشرق الاوسط ودوله.
خائف على العراق
* بعد خروجك من العراق، الى اين ذهبت؟ كنت مطلوبا للتحقيق؟
– انا قابلتهم. لم يكن هناك شيء. ما قلناه تعرفه الوكالة الدولية وهم ايضا.
* هل انت خائف على نفسك وعلى عائلتك؟
– لا. انا لا اخاف احدا.
* هل انت خائف على العراق؟
– طبعا خائف على العراق من المستقبل. لا نعلم ماذا يخفي المستقبل للعراق.
* الاميركيون يقولون انهم اتوا بالحرية الى العراق…
– هكذا يقولون. وهذا ما لم نره حتى الان.
* قبل الحرب، الم تكن تخاف الرئيس صدام حسين ونظامه؟
– كانت هناك ضوابط. اذا تكلمت انا بالسوء عن الرئيس علناً، ربما اخاف. اذا قمت انا بعمل ضد النظام، اخاف. ولكن اذا لم اقم بكذا وكيت، لا اخاف.
* انت كنت تعمل لحساب هذا النظام؟
– وملايين العراقيين كذلك.
* بصفتك المسؤول الاول عن البرنامج النووي العراقي، ما هو الامر الذي كان الرئيس العراقي يحرص عليه دائما؟
– قبل عام 1991 كان مهتما بالتقدم الذي يحرزه البرنامج. ولكنه لم يفرض قط برنامجا زمنيا لانجازه. وكان يرعى العلماء العراقيين عموما، والمعنيين بالبرنامج النووي خصوصا.
اتهامات باطلة
* ما هو السر الذي يمكنك ان تبوح به الان؟
– لا اكشف اسرارا لأن كل ما اعلمه معروف لدى الامم المتحدة. ولكن ربما اقول ان الامم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تكن نزيهة في تقويمها لما اعلنه العراق من حقائق، ولم تكن نزيهة في تقاريرها الى مجلس الامن، لأنه كان في امكانها ان تقول بشكل موثوق به للغاية: ليس لدى العراق اي برنامج نووي. هذه كانت مسألة مهمة جدا في مجلس الامن. لو اعلنت الوكالة الدولية ذلك، كانت ستسقط الاوراق من ايدي الاميركيين وغيرهم. هؤلاء اتهموا العراق باعادة برامجه النووية وزوروا وثائق عن شراء الاورانيوم من النيجر وقضية انابيب الالومينيوم. كل هذه اتهامات باطلة. كانت الوكالة تعلم جيدا ان هذه الاتهامات باطلة… لكنهم لم يقولوا ذلك صراحة في الوقت المناسب. كانوا متواطئين. وهذا واضح جدا.
* اين تقيم حاليا؟
– لا جواب عن هذا السؤال تحديدا !