منى سالم الجبوري
الموقف الايراني أمام الانتقادات العنيفة و القاسية التي وجهت لطهران في جلسة مجلس حقوق الانسان الذي انعقد بجنيف يوم الجمعة الماضي، من جانب دول متعددة، کان بائسا و يرثى له و يجسد أيما تجسيد المظهر العام لجمهورية ولاية الفقيه لدى الرأي العام العالمي، ولئن حاولت طهران مرارا و تکرارا الادعاء من أن حقوق الانسان مصانة وان مايشاع و يقال انما هو من جانب”أعداء الثورة الاسلامية”، لکن هذا التبرير الممجوج و الذي بات لايقنع حتى السذج من الناس، صار جملة مکررة لابد لکل مسؤول إيراني ترديده منذ أکثر من ثلاثة عقود.
الانتهاکات الفظيعة و الواسعة لحقوق الانسان و المرأة في ظل هذا النظام الذي يصفه معارضوه بأنه”معاد للانسانية”، ليست وليدة هذه الايام بل هي ممارسات تتکرر على الدوام منذ تأسيسه، وان توجيه قرابة 60 إدانة دولية أكثرها من جانب الامم المتحدة و منظمات دولية معنية بحقوق الانسان لطهران على خلفية إنتهاکاتها المستمرة لهذه الحقوق، يؤکد الاوضاع بالغة السلبية لحقوق الانسان في ظل هذا النظام، لکن الذي يثير السخرية و التعجب معا هو أنه کلما إزدادت الانتقادات الموجهة لهذا النظام کلما إزدادت الانتهاکات، ويکفي أن نشير هنا الى آخر تصريح لمسؤول لجنة حقوق الانسان في القضاء الايراني جواد لاريجاني الذي قال تعقيبا على الانتقادات الموجهة لنظامه:” كلما تزداد الهجمات علينا بشأن حقوق الانسان كلما تجعلنا اكثر حزما في تنفيذ الاحكام”، ويعني أحکام الاعدام و الجلد و الرجم و فقء الاعين و قطع الاذان و الاصابع!
الدول الغربية و خصوصا فرنسا و ألمانيا و سويسرا و الولايات المتحدة الى جانب منظمات غير حکومية، وجهت إنتقادات قاسية للنظام الديني القائم في إيران تعلقت بأوضاع السجناء السياسيين و الاقليات الدينية خصوصا البهائيين و المسيحيين، وکذلك بتصاعد حملات الاعدامات و حرية الصحافة و الانضمام الى الاتفاقية الدولية ضد التعذيب، لکن الموقف الاهم و الذي لفت الانتباه أکثر من غيره، هو النقد الذي تم توجيهه من جانب منظمات غير حکومية بشأن عدم حصول أي تقدم في إيران بصدد تحسين اوضاع حقوق الانسان منذ مثول إيران أمام مجلس حقوق الانسان قبل أربعة أعوام، وهو مايطرح بحد ذاته جدوى توجيه الانتقادات مع إستمرار الاوضاع على حالها او أن تمضي نحو الاسوأ.
بعد مضي أکثر من عام على إنتخاب روحاني، وبعد کل تلك المزاعم و التأکيدات المختلفة عن الاصلاح و الاعتدال و تحسين الاحوال و الاوضاع على مختلف الاصعدة، تبين بأن هذا العهد وخصوصا فيما يتعلق بحقوق الانسان، هو الاسوأ منذ 10 أعوام، وهذا بحد ذاته تأکيد قوي و واضح على عدم وجود أي إصلاح في إيران وان حقوق الانسان تمتهن فيها بشکل صار روتينيا، ومع أن النظام الديني
يزعم بأنه”دولة المستضعفين”، لکن إزدياد الفوارق الطبقية و زيادة نسبة المواطنين الايرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، أکدت بأنه نظام معادي للإنسان من مختلف النواحي، وفي هذا الخضم، تجدر الاشارة الى أن الزعيمة الايرانية المعارضة مريم رجوي، وفي ضوء إستمرار إنتهاکات حقوق الانسان و تصاعد الاعدامات في بلادها، قد طالبت و بإلحاح بضرورة إحالة ملف حقوق الانسان في إيران الى مجلس الامن الدولي، مؤکدة بأنه الحل الوحيد لهذه المشکلة بالاضافة الى تأثيراتها الايجابية على موقف الشعب الايراني تجاه النظام.
على الرغم من قرارات الادانة الدولية ضد إنتهاکات طهران لحقوق الانسان، لکنها لحد الان لم تسفر عن شئ، وان الشعب الايراني الذي طالما قام بتظاهرات و إنتفاضات عارمة لکن ولکون عدم دعمه و تإييده دوليا، فقد بادر النظام الى قمعه بمنتهى القسوة کما حدث في إنتفاضة 2009، التي تم خلالها إحراق صور المرشد الاعلى و إطلاق شعارات تدعو بالموت له و السقوط للنظام، وان هذا الشعب لو تيقن بأنه مدعوم دوليا بقرارات أممية، فإن مواقفه مع النظام ستختلف جذريا، وقد تکون أية قرارات أممية بهذا الخصوص أقوى تأثيرا حتى من قرارات العقوبات الدولية، لأنها ستکون کالنار التي تسري في الهشيم.