أصبح استذكار تأسيس الجيش العراقي ونواته الأولى فوج موسى الكاظم في السادس من كانون الثاني 1921 له دلالة وطعم خاص بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003 الذي كان حل الجيش العراقي من أولوياته.فالمؤسسة العسكرية العراقية التي أرست أولى تقاليدها في نواتها بالفوج الوليد أضحت وعبر تأريخها المجيد وما حققته على صعيد حماية الوطن، مثار فخر لكل المتطلعين لتأسيس عقيدة عسكرية وطنية تستجيب لدواعي المسؤولية أينما اقتضت الضرورة القومية، سواء على صعيد الوطن وتحصينه من الأعداء أو في نجدة الأشقاء عندما تقتضي موجبات الدفاع العربي المشترك.ومنذ ولادة هذا الجيش الباسل قبل 93 عاما كان درع الأمة وذراعها القوي يلبي نداء الواجب القومي حيث يكون.وشهدت فلسطين وسيناء والجولان والأردن صولات وجولات الجيش العراقي الذي انتخى دفاعا عن الأرض العربية والحق العربي وقدم أغلى التضحيات في سبيل ذلك.وجيش بهذه البسالة وهذا الأفق القومي متسلح بعقيدة وطنية تستند إلى روح التحدي ومواجهة الأعداء كان هدفا للطامعين بأرض العراق، وأذنابهم الذين وجدوا في هذا الجيش وتأريخه الحافل بالبطولات خطرا على مشروعهم الاستعماري، فكان أول القرارات الجائرة بعد الاحتلال هو حل الجيش العراقي في محاولة للإساءة إلى هذه المؤسسة الوطنية ورموزها التي كانت صمام الأمان لوحدة العراق وقوته واستقلاله.فأصبح العراق بعد هذا القرار من دون سور عال يحمي ترابه الوطني ووحدته الوطنية، ودبت الفوضى واستبيحت الأرض من قبل أعداء كانوا يحلمون أن يدنوا من حافات حدود العراق.وإمعانا بالإساءة للمؤسسة العسكرية العراقية وتأريخها عمدت سلطة الاحتلال إلى تشكيل جيش ليس له علاقة بالجيش الوطني السابق ولا امتداد له كما يروجون عندما أحيل عقد تشكيل الجيش الجديد إلى متعهد أميركي مدني حصل على عقد تشكيله الذي ولد مريضا وما زال متداعيا تنخر في جسده فيروسات الطائفية حولته إلى هيكل من دون فعل يذكر.وعلى الرغم من هذا الفشل أصر القائمون على هذا الجيش على مواصلة جهودهم في عملية بناء جيش لم ينهل من العقيدة العسكرية وتقاليدها التي أرسى دعائمها الرعيل الأول في فوج موسى الكاظم عام 1921.وبحسب خبراء عسكريين كانوا يرصدون محاولات تشكيل الجيش الجديد فإن نحو (19) تفصيلا من الميليشيات التابعة للأحزاب المشاركة بالعملية السياسية كانت عماد هذا الجيش الجديد، ولاحظوا أن ولاء هذه الميليشيات التي انخرطت في تشكيلات الجيش هي لأحزابها وليس لجيش مهمته الأولى الولاء للوطن والتضحية من أجله.وتجربة السنوات التي أعقبت حل الجيش العراقي تؤكد أن هذا القرار الذي لا تزال تداعياته متواصلة كان القصد منه إخراج هذه القوة من معادلة الصراع في المنطقة لصالح الساعين إلى إضعاف العراق وتهميش دوره ليبقى متداعيا وغير قادر على التأثير في مجريات الأحداث.ولا يفوتنا أن نذكر عمليات الملاحقة والتصفية الجسدية التي طالت المئات من رموز الجيش العراقي خصوصا الطيارين وبعض الحلقات الفنية في تشكيلات هذه المؤسسة العسكرية الذين كان لهم الدور المشهود في الدفاع عن العراق، والمشاركة في الدفاع عن الأرض العربية خلال الحقب الماضية، فضلا عن حرمان مئات الآلاف من منتسبي الجيش العراقي من حقوقهم بعد قرار حاكم العراق المدني بول بريمر سيئ الصيت في حل الجيش.