ذكرت بمقال الأسبوع الماضي (الصفيح العراقيّ الساخن ومطالب الصدر ونهاية المالكي!)، في صحيفة (عربي 21 الغراء) أنّ ” الإطار التنسيقي برئاسة نوري المالكي قد خوّلوا هادي العامري للتفاوض مع مقتدى الصدر لإيجاد أيّ مخرج للأزمة العاصفة بالبلاد، وهذا التخويل يُؤكّد بداية نهاية هيْمنة المالكي على الإطار، ولكن مَنْ يَعرف المالكي يَعي جيّدا أنّه لن يستسلم بسهولة، لأنّه مُتخوّف من احتماليّة تقديمه للقضاء إن سيْطر الصدر على الملفّات السياسيّة والقضائيّة! فهل سيخضع المالكي للواقع الجديد؟”!
وبعد 48 ساعة من المقال، وتحديدا في الثامن من آب/ أغسطس ظهر المالكي بخطاب تلفزيونيّ مُتشنّج أصرّ فيه على رفض دعوات الصدر لحلّ مجلس النوّاب وإجراء انتخابات مبكّرة “إلا بعد عودة المجلس الحاليّ للانعقاد، وهو مَن يُناقش هذه المطالب، وما يُقرّره نمضي به، ولا يُمكن أن تُفرض إرادة عليه”!
ومَنْ يُتابع الموقف يجد أنّ الإطار المالكي (التنسيقي)، وبعد انسحاب نوّاب الصدر من المجلس (73 مقعدا)، قد حصلوا على حصّة جيّدة من المقاعد، وبهذا سيحاول المالكي شَرْعَنة خطّته الضاربة للصدر، عبر التحكّم بتشريعات المجلس، وعدم الموافقة على الانتخابات المبكّرة، والتصويت على محمد السوداني، المرفوض من الصدر، كرئيس للحكومة المقبلة بولاية كاملة، والتغليس على مطالب الصدر!
وهذا السيناريو المالكي خطير جدا وبالذات مع إصرار الصدر على مطالبه، وعدم اجتماعه مع العامري الأسبوع الماضي، وخطابه الرافض لأيّ حوار مع الإطاريين، ولهذا فقد يذهب المشهد العراقيّ لعدّة سيناريوهات.
أوّل تلك السيناريوهات، وهو الأضعف، هو قبول الصدر والمالكي ببقاء المجلس الحاليّ، والمجلس يُقرّر تعديل الدستور وفقا للآليّات المُتّبعة، ومِن ثمّ تحديد موعد للانتخابات المُبكّرة، وبقاء حكومة مصطفى الكاظمي كحكومة تصريف أعمال لحين إجراء الانتخابات، وآخر القرارات أن يَحلّ مجلس النوّاب نفسه!
والسيناريو الثاني، وهو الأرجح والأخطر، ويتمثّل بعدم موافقة الصدر على مطالب المالكي، وإصرار المالكي على مطالبه، ومن ثمّ الدخول مُجدّدا في دوّامة التناحر الشخصيّ، القديمة الجديدة، وحينها قد تذهب البلاد للفوضى السياسيّة والأمنيّة وبقاء اعتصام الصدريّين داخل المنطقة الخضراء، والذي أثبت عجز كافّة أجهزة الدولة المسلّحة عن منعه، وبالمحصّلة بقاء الربكة العامّة التي لا يُمكن التغطية عليها!
والغريب أنّ الصدر طلب في تغريدة عجيبة، الأربعاء الماضي، من نوّابه المستقيلين تقديم دعاوى قضائيّة للمحكمة الاتّحاديّة لمُعالجة تجاوز المُدد الدستوريّة وطالب المحكمة بحلّ المجلس خلال أسبوع واحد!
قانونيّا، لا تملك المحكمة صلاحيّة حلّ المجلس لأنّه من صلاحيّة النوّاب، وأيضا لا يَحقّ لنوّاب الصدر هذا الإجراء لأنّهم استقالوا رسميّا، وبالتالي بأيّ صفة يُقدّمون تلك الدعاوى؟
وهذه الفوضى القانونيّة لا يُمكن تفهّمها إلا مِن مُنطلق فرض الإرادات الصدريّة حتّى لو كانت خلاف القانون والدستور!
وبالمقابل أعاد الإطار تحشيد جماهيره، اليوم الجمعة الساعة الخامسة، لمظاهرات مُضادّة للصدريّين قرب الخضراء للحفاظ على (هيْبة الدولة ومؤسّساتها)!
ولاحقا دعا الصدر أنصاره للخروج بمظاهرات مفتوحة في عموم العراق وبذات التوقيت، وكأنّها حرب مظاهرات وسياسات مُتناحرة لإثبات الوجود ولَيْ الأذرع، وجميعها تُؤكّد قوّة هذا السيناريو المُرْعب!
أما السيناريو الثالث، وهو مُمكن الوقوع بدرجات متوسّطة، ويتشكل بتدخل الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ برئاسة مسعود برزاني لجمع شتات القوى المُتناحرة عبر مُؤتمر موسّع بأربيل، وقد يتمّ الاتّفاق خلاله على إعادة بناء الثقة والتفاهمات السياسيّة والتوافق على تقاسم الكعكة ثانية!
أمّا السيناريو الرابع، وهو وارد وبدرجة السيناريو الثالث، فيتمثّل باحتماليّة تدخل طرف أجنبيّ للتأثير على القوى (الشيعيّة) المُتصارعة وإرغامها، أو تشجيعها لتجاوز خلافاتها حفاظا على (البيت الشيعيّ)!
هذه السيناريوهات الأربعة هي الأبرز، ولكن يبقى سيناريو المواجهات المليشياويّة من أخطر السيناريوهات المُهدّدة لمستقبل البيت الشيعيّ، والذي قد يحدث وبقوّة مع تنامي التناحر الصدري والمالكي!
وبعيدا عن هذه السيناريوهات وتداعياتها تبقى قضيّة حسّاسة وخطيرة، وربّما ستكون الشرارة لكلّ الاحتمالات الناريّة، والمتمثّلة بكون خطاب المالكي واعتراضاته لم تكن مُجرّد كلمات حماسيّة للرأي العامّ، وإنّما القضيّة بالنسبة للرجل قضيّة حياة أو موت، ولهذا فإنّ المالكي مُستعدّ للذهاب إلى أبعد نقطة حتّى في احتماليّة التكاتف مع مَنْ كان يَتهجّم عليهم بالأمس من السُنّة والكرد لضمان صموده بالمشهد السياسيّ العامّ، والشيعيّ الخاصّ!
إنّ المُعضلة الكبرى التي تُواجه جميع القوى السياسيّة أنّها فشلت في بناء مؤسّسات الدولة بعد العام 2003 وهي تقف اليوم عاجزة وعقيمة عن تقديم أبسط ما تُقدّمه أضعف دول العالم لمواطنيها، وهنا تكْمُن صعوبة المعادلة بالنسبة للسياسيّين وبالذات مع حالة الوعي الشعبيّ المُتقدّم، والمُستعدّ للتضحية من أجل مستقبله بعيدا عن الشعارات السياسيّة غير الجدّيّة!
لقد علّمتنا كتب التاريخ أنّ الأمم والحضارات لا تُبنى بالنظريات والشعارات الفارغة التي لا تنطلق من واقع حياة الناس ومُعاناتهم، وأنّ الشعوب الحيّة هي التي تُؤمن بقضيّتها والمستعدّة لبذل الغالي والنفيس من أجل تلك المبادئ.
ومن هنا تأتي أهمّيّة وضرورة تفهّم المواطنين العراقيّين لدورهم المُحوريّ والجوهريّ في التغيير المأمول!ومن هذه النقطة تكون البداية.