علي علي
في الوقت الذي لاتنكر فيه الخروقات والخيانات التي أدت الى “انتصار” التتر الداعشي اللوجستي، وتحقيقه تمددا جغرافيا سريعا في حزيران المنصرم على الأراضي العراقية، لاينكر أيضا ما حققه العراقيون “فيما بعد” من القوات العسكرية والحشد الجماهيري، من تضييق الخناق على شراذم هذه العصابات، التي تصيّد صانعوها في عكر المياه، مستغلين كل وسائل المكر والخديعة غير الشريفة في معركتهم، بدليل التشكيلة المتنوعة والمتعددة من الدعم والاسناد المادي والمعنوي، التي تعاونت على تقديمها السعودية وقطر وتركيا والأردن -وكذلك حكومة إقليم كردستان- في تزامن ينم عن ائتلاف بينهم، كانت خيوطه تنسج خلف الكواليس منذ مدة ليست بالقصيرة، أدت بمجملها مع السلبيات التي رافقتها الى ماآلت اليه الأوضاع الأمنية. ولو عدنا في الزمن الى الوراء أربعة أشهر، للمسنا ان ردود أفعال القوات العراقية في بداية هذا العدوان كانت “متواضعة جدا”، ومن باب البحث عن التبرير والمسوغ وتقديم قوالب الأعذار الجاهزة، فقد اشتركنا كعراقيين في تجميل الصورة التي شوهتها خيانات بعض القادة حينها، وكان هذا انطلاقا من المثل القائل: (العضة بالجلال)، واكتفينا باللوم والتقريع بحق هذا الخائن او ذاك المتواطئ، في حين كان العدو يوغل تواجده واحتلاله، ويمد أذرعه الأخطبوطية في باقي المدن العراقية في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى، ويستمر بتحقيق “تفوقات” على وحدات دفاعنا، شئنا أم أبينا.
ولكن من دواعي الأسف -والألم أيضا- أن الحديث عن الانجازات التي قام بها الحشد الجماهيري مع القوات العراقية في سحق الهجوم المغولي هذا، لايأخذ الاهتمام والترويج والإشادة المناسبة من قبل ساسة البلد، بل يكتفون بالتصريحات التي يدلي بها محلل عسكري في قناة فضائية، او ناقد سياسي في لقاء صحفي، او خبير قانوني في فقرة إعلامية على هامش الفترة الإخبارية. فيما نرى الإعلام المعادي يصدح بما أوتي من قوة بترويج الأكاذيب وتضخيم الأحداث، لينقل صورة منمقة مضخمة، تعكس التقدم الذي يحرزه التنظيم الإرهابي على الأراضي العراقية، وقطعا هذا من شأنه التأثير على كثير من شرائح المجتمع العراقي، التي لاتتمحص في الخبر الواصل الى مسامعها، فيكاد يختلط عليها غث الأخبار من سمينها، وهذا وليد خيبات أمل متوارثة لعقود مضت، زعزعت ثقة المواطن بالجهات الإعلامية المسؤولة عن نقل الصورة إليه. فضلا عن بعض الساسة الذين يتبوأون مراكز قيادية، إلا أنهم مافتئوا يدسون سم التصريحات المغرضة في عسل خطاباتهم الرنانة، في محاولة منهم لإكمال مشوار داعش العسكري على الأرض، بالتعبئة النفسية على منصات الإعلام، بغية تحقيق أهداف لأسيادهم تصب بكل الأحوال في خراب البلد.
إن الأبواق الإعلامية المسخرة لقلب الحقائق وتشويه الصور التي تنقل الحدث على تعدد مصادرها، مدفوع ثمنها وأجرها من ذات الجهات التي تحارب الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط نظام البعث، وهي ترمي الى الحد من وصول العراق الى الاستقرار واستتباب الأمن والأمان فيه. والحديث عن الدور في تحجيم هذه الأبواق وإسكاتها، يكون بعهدة القضاء، بعد غياب دوره الكبير الذي كان من المفروض أن تلعبه الجهات القضائية باتخاذ قرارات صارمة وآنية، لإيقاف مروجي الإشاعات وصناع الأخبار التي تثبط من عزيمة العراقيين في تجاوز محنتهم.
فهل هي ضريبة حرية الإعلام والتعبير عن الرأي يدفعها المواطن العراقي؟ أم هي طأطأة الرأس أمام الحصانات والحمايات القانونية التي يتدرع بها الساسة والمسؤولون في الدولة.