ليس من مقاصد العنوان البحث في أسباب تعويم الدينار وعدم صموده وتهاويه المتسارع أمام الدولار وإن كان للغرق في معنى العنوان أو في مقصدنا هدف واحد، فحكايات الغرق لم تنته فصولها في بلد السيادة الضائعة والوطن التائه في متاهات الفساد وخطايا السلطة التي تستبيح هيبتها وتضع عملتها الوطنية رهينة لأمزجة متلوّنة ونوايا خبيثة لا تريد الاستقرار له.قرار رئيس حكومة العراق بإعفاء محافظ البنك المركزي من منصبه جاء في الوقت الذي يسعى فيه السوداني لكبح جماح ارتفاع سعر الدولار الجنوني وإسقاط أحد الذين كانوا من الداعمين لرفع سعره في عهد حكومة سلفه مصطفى الكاظمي، وإن كان البعض يصف الخطوة بأنّها تصفيات سياسية بين الأطراف للاستحواذ على المنصب.إقالة محافظ البنك المركزي وبعض إدارات المصارف التي كانت تتحكّم بسعر الدولار وتهريب من البلد توحي بالاعتراف ضمناً بوجود فساد مشرعن في سوق العملة تتم التغطية عليه من قبل بعض الأحزاب والشخصيات النافذة في البلد.
محاولات محمد شياع السوداني للسيطرة على جنون الدولار من خلال توفير بعض المواد الغذائية التي تحتاجها العائلة العراقية وبيعها بأسعار مدعومة وبيع الدولار لبعض الفئات والشرائح في المجتمع بالسعر الرسمي ربما توحي إلى الاعتقاد بوجود نوايا لترويض هذا الارتفاع. إلَّا أن خطوة السوداني بتعيين علي العلّاق محافظاً للبنك بديلاً عن محافظه السابق مصطفى غالب أفسدت المحاولات وجعلت المواطن يستعيد التشاؤم والإحباط خصوصاً عندما مرّت أمام ذاكرته ذكريات حزينة ومؤسفة حدثت فصولها أثناء تولّي العلّاق مسؤولية المركزي سابقاً للفترة من عام 2014 – 2020 حين تصاعد في عهده الدخان بقضية فساد سخر منها الرأي العام عن تلف أكثر من سبعة مليارات دينار عراقي (نحو ستة ملايين دولار) في ذلك الوقت بسبب غرقها بمياه الأمطار، علماً أنها كانت مخزنة في غرف البنك المحصّنة التي لا تُعلم نتائج التحقيق فيها إن كان التلف مقصوداً أو إهمالاً.
أُثيرت عدّة اتهامات حينها للبنك ومُحافظه وموجة من سخرية المجتمع من سذاجة التبرير عن الكيفية التي تم بها تلف تلك الرزم النقديّة المخزّنة بطرق يصعب وصول الماء إليها، ومناسبة لتعالي أصوات الانتقاد للفساد حتى أن البعض اعتبرها طريقة مبتكرة من طرق غسيل الأموال.محاولة السوداني إقالة مسؤولي المال في البلد كان من الممكن أن تسجّل بعض النجاح لو تم إيلاء المهمّة لمن يتمتّع بالمقدرة والكفاءة والقدرة على الخروج من المأزق النقدي للبلد وأن يستفيد من دروس الماضي وأخطائه، كان من الممكن أن يكون مُستمعاً جيداً لمقولة “المُجرّب لا يُجرّب” لكنه أضاع الفرصة.
يبدو أن زمن تقاسم الحصص والمناصب لا يزال نافذ المفعول ولم تنته صلاحيته، وأنّ كل ما يقال عن تغيير في إستراتيجيات وسبل التفكير لصالح خدمة المواطن مجرّد حديث هراء.خطوة الإقالة تبدو محاولة كانت تهدف بها الحكومة إلى التقدّم خطوة إلى الأمام لإيجاد حلّ لمشكلة الدولار التي بدأت تتصاعد، في حين أنه لا حلول جذريّة تلوح بالأفق بعد الضغط الأميركي المتزايد على الحكومة لوقف نزيف التهريب، لكن أخطاء الماضي توحي باستمرار الفشل المتوالي الذي قد يتصاعد في قادم الأيام وينذر بثورة الجياع.تعيين السوداني محافظاً جديداً للبنك المركزي سبق وأن تولّى إدارته حين غرقت في عهده كميات من الكتل النقديّة العراقية في مياه الأمطار يرسل رسائل تشاؤم إلى العراقيين واعتقادا يسود في مخيّلتهم أن الدينار العراقي سائر في طريق الغرق وقد يغرق كل من يحاول أن ينتشله.