حكومات العراق الأسوأ عالميا وعلى واشنطن إنقاذ البلاد من النفوذ الإيراني
آخر تحديث:
بغداد/شبكة أخبار العراق- دراسة غير متفائلة صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن للحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد الذي قال وزير الخارجية الأميركي مايك بوميو إنه من المنتظر أن ينعقد في يونيو المقبل. وحددت الدراسة عدة تحديات وعراقيل تمنع إنجاح هذا الحوار أبرزها غياب حكومة عراقية صاحبة قرار يمكن أن تتولى دفة الحوار، هذا بالإضافة إلى التحديات الأمنية والاقتصادية التي تطرح أسئلة لا تتعلق فقط بالحوار الاستراتيجي المرتقب بل أيضا بخطة الانسحاب الأميركي من العراق ومستقبل العلاقات بين البلدين، في ظل وجود طرف ثالث وهو إيران.واشنطن- بينما كانت الولايات المتحدة تسحب جنودها من عدة قواعد عسكرية عراقية بالتزامن مع تصعيد بين واشنطن والميليشيات المدعومة من إيران، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن فتح حوار استراتيجي بين واشنطن وبغداد في منتصف يونيو 2020.
أثارت هذه الدعوة، وحديث بومبيو عن تعاون الحكومتين الأميركية والعراقية، لحل جميع القضايا الاستراتيجية، أسئلة حول ماهية هذه الحكومة التي ستجري معها واشنطن الحوار وهويتها، وكيف ستحاور الإدارة الأميركية حكومة منقسمة لا تملك قرار نفسها، وكيف يمكن فتح حوار استراتيجي مع حكومة “شبح”.وجاء هذا التوصيف الأخير (الحكومة الشبح) في دراسة صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، من إعداد أنتوني كوردسمان رئيس كرسي أرليه بورك في الشؤون الاستراتيجية في المركز.تقدم هذه الدراسة أجوبة على الأسئلة المطروحة بشأن مستقبل الحوار الاستراتيجي المقترح بين بغداد وواشنطن، لافتة إلى أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان العراق سيجمع كل الشخصيات الرئيسية التي يمكن أن تُشكّل حكومة وطنية فعّالة بحلول منتصف يونيو، إذ لا وجود لبرلمان يؤدي واجبه بالكامل منذ سنوات عديدة.
تعتبر هذه الدراسة المراجعة الرئيسية الثانية، التي تصدر عن المركز لتحليل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يواجهها العراق وتأثيرها على تأسيس علاقة استراتيجية دائمة مع الولايات المتحدة.وجاءت الدراسة الأخيرة للتعمّق في القضايا التي أثارها إعلان مايك بومبيو في 7 أبريل 2020 بشأن الحوار الاستراتيجي مع الحكومة العراقية.وأوضح بومبيو حينها أنه سيتعين على الولايات المتحدة إعادة تقييم استراتيجيتها في العراق من حيث ضغط الميليشيات العراقية الموالية لإيران المتزايد على وجود القوات الأميركية في العراق، ومن حيث تأثير فايروس كورونا المستجد على اقتصاد البلاد الذي لا تبرز فيه أي وحدة سياسية واضحة.
وذكر أن الولايات المتحدة ستدعم أي نظام عراقي يتحرك بعيدا عن النموذج الطائفي القديم الذي أوصل البلاد إلى آفتي الإرهاب والفساد.تعكس هذه المراجعة الجديدة التحوّلات الجارية في السياسة العراقية، وفي السياسة الأميركية في العراق. وقد بدأت الولايات المتحدة منذ شهر مارس الماضي عمليات سحب جنودها من عدة قواعد عسكرية عراقية. وبات وجودها مقتصرا على ثلاثة معسكرات، هي التاجي شمال بغداد وعين الأسد في الأنبار وقاعدة في أربيل بإقليم كردستان.ولفت كوردسمان في مقدمة الدراسة، إلى أنه سيتم إصدار المزيد من المراجعات في المستقبل نظرا لوتيرة التغيير السريعة في العراق والمنطقة ككل، ولتغير مستويات انتشار القوات الأميركية واستراتيجيتها.
ونظرا لأن مراكز التفكير تعتبر جزءا من فريق صناعة القرار في الولايات المتحدة، لا يمكن اعتبار هذه الدراسة مجرّد تحليل لتطورات العلاقة الأميركية العراقية بل هي أقرب لتقرير موجه لصناع القرار ضمن مشاورات حول مستقبل إقامة علاقة استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة وتداعيات قرار الانسحاب الأميركي من العراق.قول كوردسمان “يعدّ تحديد أهداف الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي وأي جهد مشترك يرمي لتأسيس علاقة استراتيجية مستقرة خطوة حاسمة نحو تمتين علاقة ثنائية من شأنها مواجهة تهديدات المتطرفين والإيرانيين”.
لكن، تقف ثلاث نقاط أو ثلاثة “أشباح”، وفق تعبير كوردسمان، عائقا أمام إحراز أي تقدم لإجراء حوار استراتيجي ناجح مع العراق حيث يبقى موقف البلد من هذه القضايا الأكثر أهمية غير مؤكد وغير مستقر.وهذه الأشباح الثلاثة هي: الوضع السياسي بشكل عام، والحكومة بشكل خاص، وهي التي يصفها كوردسمان بأنها “هيكل أجوف”. أما الشبح الثاني هو الاقتصاد. ويجسّد الأمن الشبح الثالث.
يكمن أول شبح في وضع السياسة والحكم العراقي الحاليين، حيث لا تتبع الحكومة العراقية مسارا واضحا يمكّن من رؤية قيادة فعّالة، وتبقى غير متناسقة ويسودها الفساد على كل المستويات.ويُعد الافتقار إلى الحوكمة الرشيدة في العراق المشكلة الرئيسية، كما تبقى السياسة جزءا من مشاكل البلاد. وتبدو السياسة العراقية منقسمة بطريقة تعكس إخفاقات خطيرة ومتنامية، في بلد بحاجة ماسة، وفق كوردسمان، إلى قادة سياسيين فعّالين على كل المستويات.فالعراق لا يزال منذ منتصف مايو 2019 دون رئيس وزراء يتخذ إجراءات فعّالة وقادر على إدارة دفة الأمور خاصة في المرحلة الراهنة مع تعقيدات تفشي فايروس كوفيد – 19.
ويدور العراق في نفس مربع أزمة تشكيل الحكومة منذ استقالة عادل عبدالمهدي في ديسمبر 2019. وفي فبراير تم تكليف محمد علاوي بتشيكل الحكومة لكنه فشل في الحصول على ثقة البرلمان. ليتم تكليف عدنان الزرفي في مارس. لكنه لم يفز بدعم العديد من الفصائل الشيعية بما في ذلك قوات الحشد الشعبي وبعض الفصائل السنيّة. حيث شعر بعض الشيعة بأنه قريب جدا من الولايات المتحدة. كما أنه عُيّن من الرئيس العراقي برهم صالح، دون أي استشارة رسمية للبرلمان العراقي ولم يُمنح سوى 30 يوما لتشكيل الحكومة.
لم يتمكن الزرفي من تشكيل حكومة جديدة وتوجب عليه الانسحاب في أبريل. وأدى هذا إلى تعيين رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي. وأذكى اختيار الكاظمي الشكوك المعتادة حول دعمه للولايات المتحدة ضد إيران حيث ساندته واشنطن بعد فترة وجيزة من اختياره.لكن، في الوقت نفسه يختلف الخبراء حول مواقفه تجاه الولايات المتحدة وإيران، وقد أشار بعض الشيعة العراقيين الذين يدعمون إيران إلى أنه قريب جدا من الولايات المتحدة، في حين يشعر بعض العراقيين الآخرين بأن له صلات بإيران.
منح الكاظمي مهلة حتى 9 مايو 2020 لتشكيل حكومة. وهذا يعني أنه قد يصبح رئيس وزراء فعليا في الوقت المناسب لإجراء الحوار الاستراتيجي في منتصف يونيو لكن لا تبدو في الأفق القريب بوادر تحقيق تقدم، حيث ما زالت طريق الكاظمي مليئة بالعراقيل.وتبقى أزمة رئيس الحكومة جزءا من مشكلة سياسية أوسع. ويعدّ الرئيس برهم صالح المسؤول العراقي الوحيد الذي يرى كوردسمان أنه “يحاول حقّا توحيد البلاد، وهو كردي يخدم بلاده في وقت ينقسم فيه الأكراد مثل العرب الشيعة والسنة”.
أما بالنسبة للبرلمان، فإنه يجتمع في بعض الأحيان ولكن أعضاءه يتصادمون حول كيفية تقسيم غنائم منصابهم بدلا من البحث عن سبل لتلبية احتياجات العراقيين. وهو عبارة عن مجموعة من الفصائل التي تبحث عن مصالحها ولا يمكنها معالجة القضايا الملحّة مثل الإصلاحات الاقتصادية الحيوية وإعادة الإعمار في المناطق السنيّة التي تواجه آثار القتال ضد داعش وإعادة إدماج الأكراد العراقيين.
على نطاق أوسع، يعاني العراق من واحدة من أسوأ الحكومات تصنيفا في العالم وفقا للبنك الدولي. ويحتلّ مرتبة متأخّرة في الاستقرار السياسي والعنف والإرهاب وسيادة القانون والفساد. كما احتل العراق المرتبة 18 بين أكثر دول العالم فسادا وفقا لأحدث تصنيفات منظمة الشفافية الدولية في 2019.كما تُظهر استطلاعات الرأي في العراق أن الحكومة تفتقر إلى الدعم والثقة الشعبيين على جميع المستويات. وينقسم العراقيون شيعية وسنّة، وهذه الفصائل منقسمة بدورها إلى درجة تصل حدّ العنف أحيانا إذ تمتلك القوة أكثر من امتلاكها الدعم الشعبي.
أمّا الزخم تجاه الوحدة الذي كان ظهر بعد الحرب على تنظيم داعش فقد ضاع مع الفشل في غياب مساعدة المناطق السنية، التي شهدت أشد المعارك، غرب البلاد على التعافي، ومن خلال الفشل في الوصول إلى علاقات عمل فعالة مع الأكراد، وفشل بغداد في تقاسم ثروة البلاد النفطية مع المناطق الشيعية في الجنوب.يؤثر الوضع السياسي على الاقتصاد العراقي، الذي أصبح على حافة الانهيار بسبب الانخفاض العالمي في الطلب على النفط مع انتشار فايروس كورونا الذي سبب فائضا في العرض مخلفا أزمة تصاعدت مع اندلاع حرب النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية.
وتلفت الدراسة إلى أن الاقتصاد العراقي كان ضعيفا وغير مستقر قبل أن تبدأ الأزمة الأخيرة. وكان قطاعه الزراعي والصناعي هشا. وتأثر بالنخبة السياسية المنقسمة التي استحوذت على حصة كبيرة من الغنائم بدلا من توفير خطة لتوزيع الدخل لتحقيق الاستقرار في البلاد.وشهدت البلاد منذ أكتوبر 2019 احتجاجات شعبية ضد البطالة وتردي الخدمات وعدم استفادة عامة العراقيين من مداخيل النفط. لا تزال البطالة مشكلة في جميع أنحاء البلاد على الرغم من تضخم القطاع العام.
كما يعمّق الفساد وغياب الإصلاحات الاقتصادية، مثل إعادة هيكلة البنوك وتطوير القطاع الخاص، نمو القطاع الخاص. وقدرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أكتوبر 2019 أن الاقتصاد العراقي يواجه عددا من العقبات، بما في ذلك نظام سياسي ضعيف ومخاوف بشأن الأمن والاستقرار المجتمعي. الفساد المتفشي، والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن، والخدمات الأساسية غير الكافية، ونقص العمالة الماهرة، والقوانين التجارية القديمة تعوق الاستثمار وتستمر في تقييد نمو القطاعات الخاصة غير النفطية.
يجب أن يستنبط العراق حلوله الخاصة في كل حالة، إذ لا يمكن أن تساعد الولايات المتحدة طرفا لا يمكنه أن يوحّد صفوفه أو يتصرف بشكل يظهر عدم قدرته على مساعدة نفسه ويصنّف البنك الدولي العراق على أنه واحد من أسوأ الدول في العالم من حيث ممارسة الأعمال التجارية (المرتبة 18 من أسفل عام 2020) في خلق فرص عمل جديدة والسماح للقطاع الخاص الحالي والصناعات الحكومية بالعمل بكفاءة وتنافسية.
يجسّد الأمن الشبح الثالث، ويعتبر مركز الاهتمام الاستراتيجي الأميركي. وتتمثل أولويات هذا الاهتمام في احتواء أو القضاء على بقية داعش والحدّ من دور إيران في العراق، من حيث التدخل الإيراني المباشر ودعم إيران للحركات السياسية الشيعية الرئيسية وقوات الحشد الشعبي وميليشياتها التي تدين بالولاء لإيران.ولا شكّ أن الانسحاب الأميركي أو أي تعديل في خطة التواجد الأميركية في العراق سيكون له تأثير على الوضع الأمني، وسيفرض الانتقال إلى مرحلة أمنية جديدة في العراق يستوجب خلالها، وفق الدراسة الأميركية، إنشاء قوات أمن عراقية موحدة وخدمات مركزية والتعامل مع التهديد المستمر القادم من داعش والمتطرفين الآخرين. ويجب أن تكون هذه القوات قادرة على الدفاع عن العراق كدولة من التهديدات الإقليمية المحتملة مثل إيران.
وتلفت الدراسة إلى أنه من الضروري أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتقديم مساعدة جادة للعراق -بما في ذلك الحفاظ على تدريب الولايات المتحدة ومساعدة المستشارين العسكريين ووزارة الخارجية وغيرهم من موظفي الإغاثة على الأرض- لعدة سنوات على الأقل.ولا شكّ أن العراق لا يستطيع إيجاد حلول سريعة لجميع هذه المشاكل، لكنه يحتاج إلى شكل من أشكال الاتفاق على خطة للتعامل معها بمرور الوقت واستراتيجية لإنشاء قوات عسكرية كبيرة وقوية بما يكفي لتأمين حدوده مع سوريا وتركيا وإيران.
بناء على ما سبق، يخلص كوردسمان إلى أن أي حوار استراتيجي هادف بين العراق والولايات المتحدة يجب أن يعالج جميع القضايا: من السياسة والحوكمة إلى الاقتصاد والأمن. ولا ينبغي للطرفين أن يواصلا التركيز على الأمن وعلى داعش على حساب القضايا الملحة الأخرى.كما يجب أن يستنبط العراق حلوله الخاصة في كل حالة، إذ لا يمكن أن تساعد الولايات المتحدة طرفا لا يمكنه أن يوحّد صفوفه أو يتصرف بشكل يظهر عدم قدرته على مساعدة نفسه.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تقرر الولايات المتحدة ما إذا كانت ستلتزم ببذل جهد متواصل لمساعدة العراق على الظهور كدولة موحدة وقوية بما يكفي لمنع المزيد من الصراعات الداخلية وتأسيس سبل التصرف بشكل مستقل عن الضغوط الإيرانية وتهديداتها.وتخلص الدراسة إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح بالانسحاب من العراق بحجة تحقيق انتصار ضد تنظيم داعش وتجاهل المكاسب التي حققتها قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران. ويختم كوردسمان قائلا “قد يكون انسحاب القوات خيارا، لكنه ليس الخيار الصحيح للعراق”.