منذ (2003 ) يقع العراق في ذيل مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية ليكون من أكثر بلدان العالم فساداً، وهـو مـا يشـغل المجتمـع العراقـي والمجتمـع الـدولي لانحسار فرص التنمية والاستثمار وتقويض الأمن والاستقرار، ولـم يشـهد العـراق حتـى فــي زمــن النظام السابق ،استشــراء الفســاد السياســي واتساع دائرتــه، وتشــابك حلقاته، وترابط آلياته، مثل ما بعد الأحتلال، مما يهدد اسـتقرار البلاد ويعرقـل بنـاء الدولة المدنية، ومسـيرة التنميـة الاقتصادية. وقد انشغلت الحكومات وأحزابها طيلة السنوات الماضية في نهب ثروات العراق ، هذه الأحزاب التــي تفضــل مصــالحها الخاصــة علــى المصلحة العامة، والحكومة تمثل عندهم مصدرا للثراء، حتى وصل الأمر إلى اعتماد آلية المساومة للتغطية على الفسـاد، وجميع الأطراف قد اشتركت وتقاسمت في (الكعكة) بعناوين وأساليب مختلفة .وهي متفقة جميعها على بقاء نظام المحاصصة والطائفية لإبقـاء الأوضـاع علـى حالهـا، ومـن ضـمن هـذه الاتفاقيـات، تمرير العقود من خلال المكاتب الاقتصادية لتلك الأحزاب ممـا عمـق الفسـاد لدرجة شرعنته وسـهل ممارسته ، وأصبحت سرقة موارد الدولة ثقافة وشجاعة خلافا للمنظومة القيمية والوطنية.
إن الأحزاب المتنفذة التي تمثل الدولة العميقة خلقت علاقات غيـر قانونيـة داخل منظومة الدولة ، ومنذ أول حكومة بعد (2003 ) إلى ( 2022) لم تتخذ أي إجراء قانوني ضد الفساد والفاسدين ، إلى أن اصبح العراق دولة فاشلة ومديونية نحو (134) مليار دولار وتدمير البلاد والعباد جراء الفشل والفساد والتبعية .وشعارات الإصلاح والبناء التي تطرحها تلك الأحزاب في المنابر الإعلامية قبل كل انتخابات هي كذبة كبيرة ،لما لهذه الكلمة من سحر في وجدان الناس، وما زالت هذه الأحزاب دون استثناء تعمل على تجسيد واقع المحاصصة عند تشكل كل حكومة لغرض تحقيق مصالحها رغم معاناة الشعب من الفقر والبطالة وإنعدام الخدمات ، حتى وصل الأمر إلى التلويح بإفلاس الدولة والعجز الشديد في موازناتها العامة.
إن احد اهم مشاكل هذه الاحزاب التي تحكم العراق هي غياب الرؤى الاستراتيجية لبناء الدولة المدنية التي تعتمد على الهوية الوطنية الجامعة بعيدا عن كل المسميات المذهبية العنصرية الطائفية ، وعندما نقول الدولة المدنية غير المرتبطة بتبعات سياسية وتمتلك استقلالية وطنية تامة في القرارات المصيرية ،وتقوم على قيم المواطنة والمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة المستدامة، وتصون حقوق الإنسان، وتحقق السلم الأهلي وترفض ثقافة ومناهج الإقصاء. ومحاربة الفساد ونشر ثقافة المحاسبة والمساءلة وحرمة المساس بالمال العام، وتولي الوظائف العامة وفقًا لمعايير الكفاءة، ومحاربة الطائفية والمحسوبية والقبلية وتعزيز قوة القانون .
أما بقاء البلد تحت وطأة حكومات أحزاب الفساد والميليشيات التي اثبتت واعترفت بفشلها وعلى لسانها في السر والعلن بانها عجزت عن تقديم الخدمات للعراقيين سيكون مستقبل البلد نحو الانهيار الكامل. وقد يتبادر سؤال مهم ، ما معنى وفائدة اعتذار واعتراف القادة والسياسيين بفشلهم ونحن ما زلنا في اسوء احوالنا وفي خضم كل هذه الاوضاع وميادينها المضطربة نتمسك بالمحاصصة بيت الداء ونحن نشهد النقاشات والحوارات الجارية لتشكيل حكومة من نفس ادوات الخراب والفساد والتبعية. وسؤال آخر، هل تستطيع الحكومة الجديدة، سواء كانت ذات أغلبية وطنية أو توافقية، مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، في القضاء على الفساد وتفكيك المليشيات. ومعركة حسم رئاستي الجمهورية والوزراء ، يجب أن لاتكون على حساب تهديد السلم الأهلي المجتمعي.
على الجميع العمل على تقوية مؤسسات الدولة وتطبيق القانون وتعزيز قدرات القوات المسلحة والقضاء على الفساد والطائفية،باختصار شديد، لا اصلاح بدون حل الحشد الشعبي، وتقديم زعماء الاحزاب المتنفذة وميليشياتهم الى المحاكم العادلة ، وتعديل الدستور ، وفصل الدين عن السياسة، وإصلاح المنظومة القضائية، وتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقل الكفوء، وإرساء وتثبيت أركان النظام الديمقراطي فكرا ونهجا، واستكمال السيادة الوطنية وإعادة الأعمار، ووضع العراق على طريق البناء والنهوض الاقتصادي والاجتماعي ، وغير ذلك هراء.