حل الحشد الشعبي ومليشيات الاحزاب هو السبيل الوحيد لانقاذ العراق
آخر تحديث:
بقلم:مصطفى الرشيد
كنا قد طرحنا في مقال سابق عن سياسة تقشف الكاظمي ووزيره علاوي خيارين وهما اما تنفيذ التقشف على الشعب فقط والاصطدام بحائط الشعب او تنفيذ الاصلاحات وملاحقة سارقي الاموال والاصطدام بالمليشيات،، ووصفنا وضع الكاظمي بانه العاجز بأمر الله، فالرجل محاط بثلة من القيادات المليشياوية التي لا تسمح له بأي حركة اصلاحية، وبالعودة الى التاريخ القريب فالمليشيات وجدت بالعراق بمباركة سيء الصيت بول بريمر فدخل فليق بدر اولا اعقبه تأسيس مقتدى الصدر لجيش المهدي ثم شكلت بقية الاحزاب الشيعية خصوصاً مليشيات حزبية كحزب الدعوة والفضيلة وغيرها، وطبعا الانشقاق اللاحق في جيش امهدي وتأسيس قيس الخزعلي لمليشيات عصائب اهل الحق، كل هذه المليشيات كان لها طابع واحد وهو الدعم والمباركة الايرانية-الامريكية، فقادت المليشيات اشركتهم امريكا في حكم العراق وغضت النظر عن جرائمهم بحق الشعب العراقي وهي جرائم ضد الانسانية بل وسمحت للمليشيات بالاندماج في الجيش والشرطة وكافة مؤسسات الدولة لنصبح امام دولة تحكمها المليشيات بكل ما حملته من معاني الاجرام الذي رافقه ايضا الفساد على ان الفساد كل حصة الجميع فالسنة والكرد اشتركوا فيه ولكن على قدر ما حصلوا عليه من نسب لان الكعكة بالاساس استولت عليها المليشيات الشيعية وتركت قطعا صغيرة لغيرها لضرورة استمرار نظام الحكم الفاسد الذي كونه بريمر.. ودون الخوض في تفاصيل الاجرام والفساد الذي ارتكب على مدى السنوات الماضية لانه معروف لكل العالم، فلقد كانت كارثة داعش الارهابي لها تداعيات مختلفة ابرزها استغلال المليشيات لفتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي فاصبحت هذه الفتوى مفقس لتفريخ المليشيات ويقال ان عددها يصل بالمئات وحيث ان العبادي كان محاطاً بالعجز المالي وبمحاربة داعش الارهابي لم يجرء على مواجهة المليشيات بل انه ساعد في تأسيس الحشد الشعبي ظناً منه انه سيستطيع ان يسيطر على هذه المليشيات بهذا الهيكل الحكومي الهش، الا ان الواقع كان عكس ذلك تماماً..
فمليشيات الحشد الشعبي مبدئياً قاتلت في اماكن محدودة وبالخصوص امرلي وجرف الصخر وبالحالتين لم تتمكن من الانتصار الا بعد موافقة الامريكان على توفير الغطاء الجوي لها وضرب قوات داعش الارهابي بقوة مما سمح لها بتحقيق الانتصار، اما بقية التعرضات فلقد كان نتاجها كارثيا من حيث الخسائر البشرية التي الحقت بها من قبل داعش الارهابي، الامر الذي دفعهم عمليا الى وقف هذه التعرضات، وكما هو معروف فان جهاز مكافحة الارهاب، ولوائين من الجيش العراقي ولواء من الشرطة الاتحادية كانوا هم الرمح الاساس في المعارك وتحملوا وطئة القتال ضد داعش الارهابي وبدعم امريكي بالأساس غير مسبوق من الغطاء الجوي وحتى الغطاء المدفعي بالنيران الارضية من مدافع وراجمات صواريخ، ولكن كانت اكبر كوارث العبادي ان المناطق التي كانت تحررها القوات العراقية القتالية المحدودة وهي قوات دربت من قبل الامريكان بعد تولي العبادي تترك الاراضي لمليشيات الحشد الشعبي لمسك الارض بدل ان يستعين ببقية القوات الامنية والتي تحول افرادها الى اصحاب كروش ونواطير في السيطرات وبدون أي فائدة، فاستغلت المليشيات مسكها للارض بعد تحريرها من قبل القوات الامنية وفتكت بممتلكات الدولة اولاً ونشير هنا الى مصفى الدورة ومحطة الكهرباء ومحطة القطار على سبيل المثال حيث تم تفكيك وسرقة منشآت بمليارات الدولارات وتهريبها وبيعها في ايران بأبخس الاثمان، كما تم سرقة ممتلكات الاهالي من السنة والمسيحيين ومن عاش هذه المرحلة في العراق يتذكر انخفاض سعر لحم الخراف نتيجة سرقات افراد الحشد لقطعان المزارعين السنة وبيعها باي سعر في بغداد خصوصاً، وعدا ذلك انتهكت المليشيات حرمات الدور وسرقت ونهبت واعتدت حتى على النساء وطبعا الحصد بالقتل والغدر كان من نصيب رجال وشباب هذه المناطق ولم يكتفوا بذلك بل فجروا كل داراً عامر، فأضحت مدن وقرى هذه المناطق خرائب مدمرة لغاية هذه اللحظة ومن يسافر برا الى من بغداد الى اربيل والسليمانية سيجد في طريقه المدن والقرى المدمرة عن بكرة ابيها، هذه المدن حررتها القوات الامنية وبدون خسائر بشرية او مادية تذكر وسلمها العبادي للمليشيات فجعلتها ظلما وعدوانا أثراً بعد عين، فكانت نكبة السكان بداعش الارهابي لا تقارن بنكبتهم في المليشيات فداعش ركز جرائمه على من لا يواليه علناً او يخالف تعليماته الظلامية ولكن المليشيات حرقت الاخضر واليابس ، هذه الحقائق الفضائع التي ارتكبت تغاضى عنها العبادي املاً بولاية ثانية الا ان المليشيات لم تكن تأمن لتوجهات العبادي الاصلاحية حتى لو كانت كلامية وليست فعلية، فزورت الانتخابات بشكل فج ومفضوح وكانت مهزلة ما بعدها مهزلة حيث دخلت الانتخابات المليشيات وحصدت بالتزوير مقاعد الاغلبية ليتاح للها لاحقاً تأسيس حكومة عبد المهدي سيئة الصيت فيكون نصيب العراق هو السير نحو الهاوية، هذه الهاوية والسرقات والاجرام تأطر في عهد عبد المهدي واستحكمت المليشيات سيطرتها على المحافظات المحررة وتحولت الى مافيات لا يجرؤ احد على مجرد التلميح عن اجرامها وسرقاتها.
هذه الجرائم لم تكن من نصيب سنة العراق وحدهم بل ان شيعة العراق وبعد زوال غشاوة تولي السلطة من قبل نخبة الشيعة واتضاح حجم كوارث فساد الاحزاب والتنظيمات المليشياوية كان من نصيبها اولا الفساد الذي دمر ما بقي من خدمات من الحقبة الصدامية التي بدا الشارع الشيعي يقارن بين دكتاتورية صدام وفساد الميلشيات فيرى السخونة افضل من الموت، وطبعا فان عمليات الاغتيال كانت من نصيب المواطنين الشيعة سواء ممن يرفضون دفع اتاوات المليشيات او ممن يجاهرون بفسادها وسط حالات فلتان امني زاده فساد وغلو العشائر التي اصبحت في مجملها صورة من صور فقدان الدولة، فأضحت تتقاتل فيما بينها على اتفه الاسباب ناهيك عن معاركها في موضوع حصصها في الفساد خصوصا العشائر القريبة من الموانى او المنافذ الحدودية او المنشآت الاستراتيجية وباتفاق مع المليشيات التي قررت عدم الدخول في حرب مع عشائر المنطقة وتوزيع بعض المغانم على شيوخها لضمان ولائهم… اذن مجموعة من عوامل الاحتقان ساهمت في خروج الشارع الشيعي على الخصوص في ثورة عارمة ضد الفساد والفقر والمليشيات، فكانت ردة الفعل في البداية متفاوته فمقتدى الصدر حاول ركوب الموجة وقيادة التظاهرات لحصد المزيد من المكاسب ولكنه فشل فشلاً ذريعاً لان العقل الشبابي الشيعي ايقن ان مقتدى حاله حال أي زعيم مليشياوي مشارك فعّال في عمليات الفساد كمن خلال منظومته الاقتصادية في التيار ووزراءه وبرلمانيه، فتحول الرد الى قتل علني للشباب فخضبت دماء شيعة العراق الشوارع والساحات ولاول مرة بشكل علني وبعمليات قتل وتعويق واسعة النطاق ففلتت الامور من يد القيادات المليشاوية لتجبر على تكليف الكاظمي وفقاً لمبدأ فرض ان منصب رئيس الوزراء محكوم بقوة سلاح المليشيات وبالتالي فشخص من يجلس على الكرسي لن يغير من المعادلة شيئاً لانه يمكن سحب الثقة منه برلمانيا او قتله مليشياوياً.
وبالتأكيد فان انهيار سعر النفط وكارثة وباء كورونا جعلت الكاظمي امام خيارين وهي اما السكوت والركون الى حصد المغانم وبالتالي التوجه نحو انهيار الدولة اقتصادياً وفلتان امني وحرب اهليه يقودها قطاع الطرق من قادة المليشيات او التوجه نحو الاصلاح الاقتصادي وردع قادة المليشيات وتحجيمهم… ويبدو ان الرجل يفضل الخيار الثاني ولكن خطواته بطيئة ومحدودة وتعطي قادة المليشيات فرصة الرد بصرامة وشراسة عليه، لذا فان الضربة اذا لم تكن قاتلة فهي تقوي الخصم ولا تضعفه، وهنا نقول ان على الكاظمي اما ان يقبل بان يكون القط الوديع للمليشيات او ان يتصرف بجراءة الاسد ويضرب بيد الشعب على رؤوس قيادتها، فالاصلاح لن يتم الا على انقاض المليشيات، ومعروف قصة وزير الصحة السابق فالرجل عندما اراد ان يوفر مبلغ 100 مليون دولار لخزينة الدولة من عقد فساد دوائي مع ايران اجبر على خيارين اما القتل او الاستقالة، فاستقال وغادر مُآثراً السلامة… فالمليشيات تتبع مبدأ هادي العامري والمالكي فالحكم والسلطة والقوة والمال خطوط حمراء لن يتنازلوا عنها لاحد، وبالتالي فالخيار الوحيد هو دحرهم وانتزاعها من بين اسنانهم وبراثن اياديهم الملوثة بالدماء والسرقات.