حين صارت العقائد أكبر من فلسطين

حين صارت العقائد أكبر من فلسطين
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

في وقت قياسي أعلنت دول كثيرة عن اعترافها بدولة فلسطين. هناك دول أخرى في طريقها إلى القيام بذلك. ولكن ذلك الاعتراف على أهميته يظل حبرا على ورق ما لم تقم تلك الدولة على الأرض. لن تسمح إسرائيل بوقوع تحول إيجابي من ذلك النوع في مسار علاقتها بالشعب الفلسطيني. ذلك ما سيزيد من أزمتها. فبعد قرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الذي طالب فيه بمحاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باعتباره مجرم حرب حُصرت إسرائيل في الزاوية الميتة كما يُقال. حتى الدول الأوروبية التي وقفت معها في حربها على أهالي غزة لم تعد قادرة على الاستمرار في دعمها في حربها التي انتقلت من الرد على ما جرى في السابع من أكتوبر إلى الإبادة الجماعية.

أطراف دولية كثيرة باتت تفهم ضرورة قيام الدولة الفلسطينية بناء على حل الدولتين الذي كانت إسرائيل ترفضه باستمرار من غير أن تجابه بموقف دولي رادع. ولأن ذلك الحل يستند إلى قرارات دولية كان مجلس الأمن قد أصدرها في مناسبات مختلفة كما أنه كان جزءا من حزمة المبادئ التي تضمنها اتفاق أوسلو فإن إسرائيل قد خالفت القانون الدولي بموقفها الرافض بشدة لتنفيذه. ليس غريبا على إسرائيل ذلك الموقف. فهي ترى في قيام تلك الدولة خطرا على وجودها. والغريب حقا أن القيادات الفلسطينية أهملت ولا تزال تهمل ذلك الحل باعتباره شرط حياة من غيره سيطول الزمن بالسلطة الفلسطينية في رام الله إلى أن تتحلل وتتعفن وتغرق في مشكلاتها ومن ثم تسقط تلقائيا.

إذا كان الفلسطينيون راغبين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة فهل بإمكانهم أن يقدموا تصورا عن نوع دولتهم المستقبلية. فهل هي دولة مدنية أم أنها عبارة عن ولاية تابعة للولي الفقيه في إيران

لا أحد في إمكانه أن يجرؤ فيصرّح بحقيقة أن الطبقة السياسية الفلسطينية غير راغبة في قيام دولة وطنية على أراضي ما قبل 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. تحرجها بيانات القمم العربية التي لم تخرج بعيدا عن نطاق الجملة التقليدية المكرورة. تلك جملة لم يسع أحد لتفعيلها دوليا على أسس قانونية أو على الأقل التشاور مع السلطة الفلسطينية في شأنها. كما أن الفلسطينيين الذين دأبوا على حضور القمم العربية لم يُعرف عنهم أنهم ضغطوا في اتجاه البحث عن مخرج من المضيق الضيق الذي وقعوا فيه. كان هناك دائما نوع من ذر الرماد في العيون تمويها وتضليلا وسرقة للوقت. ولكن مَن يسرق مَن؟ تلك متاهة تُضاف إلى سلسلة المتاهات الفلسطينية التي حاولت حماس وفق أجندتها تفكيك جزء من ألغازها من خلال مغامرة السابع من أكتوبر التي كان واضحا أنها لن تمر من غير رد مجنون.

ما لن يكون مقبولا بالنسبة إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين أن يرتبك الفلسطينيون في مواجهة حل الدولتين كما لو أنهم فوجئوا به. غير أن أوضاعهم الداخلية لا تؤهلهم لاتخاذ موقف موحد. ذلك لأن انقسامهم الداخلي وضع قضيتهم المصيرية على الرف في ظل توزعهم عقائديا، وهو ما حول نضالهم الوطني إلى مجموعة من المصالح المتضاربة. وإذا ما كانت ظاهرة “حركة حماس” من وجهة نظر الآخرين واحدة من تجليات الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل تقرير المصير، فإن الواقع السياسي الفلسطيني يقول غير ذلك. لقد احتكرت حماس الحكم في غزة بعد أن فصلتها عن فلسطين. فكانت غزة في مكان وفلسطين في مكان آخر. وهو ما صنع كيانين سياسيين متعارضين ومختلفين على كل شيء. وما كانت تفكر فيه قيادة حماس حين فاجأت العالم بمغامرتها لم يكن محط إجماع فلسطيني.

من المؤكد أن إسرائيل لن تشعر بالحرج في مواجهة المواقف الدولية الداعمة لقيام الدولة الفلسطينية. على الأقل إعلاميا. فهناك خبرة لا يستهان بها في التعامل مع ردود الفعل على الجرائم لتي اعتادت إسرائيل ارتكابها. غير أن الوضع الفلسطيني الممزق يمكن أن يقوّي الموقف الإسرائيلي ويحرج الكثير من الدول الراغبة في أن يخرج الفلسطينيون من متاهاتهم. فإذا كان الفلسطينيون راغبين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة فهل بإمكانهم أن يقدموا تصورا عن نوع دولتهم المستقبلية. فهل هي دولة مدنية أم أنها عبارة عن ولاية تابعة للولي الفقيه في إيران، كما صار واضحا من علاقة حركة حماس بإيران؟ ذلك ما يقرره الشعب الفلسطيني الذي كان يوما ما قادرا على رؤية مصيره بعيون مناضليه الذين كانت فلسطين حاضرة في عقولهم وقلوبهم بكل نقاء. كانت فلسطين عنوانا لوجودهم وهي عقيدتهم. وهو ما نفتقده اليوم في الواقع الفلسطيني حيث صارت العقائد أكبر من فلسطين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *