توقيت الحديث عن التضحيات الكبيرة التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2000 وحتى الآن التي قدرتها كبريات الصحف الأميركية بنحو 8 آلاف قتيل و55 ألف جريح، وهدر أكثر من تريليوني دولار، فضلا عن مئات المفقودين جراء انغماسها في الحروب والصراعات والأحداث التي شهدتها المنطقة عموما يدعونا للتساؤل عن أسباب هذا الحديث ومغزاه، في وقت يتطلع العالم وخصوصا أصدقاء واشنطن وحلفاءها أن تتخذ إدارة ترامب موقفا واضحا وصريحا من مجريات الأحداث والتحديات التي تواجه شعوبها من دون مراوغة والتنصل من مسؤوليتها كدولة عظمى.
لقد أصيب أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة بصدمة وخيبة أمل جراء تردد إدارة ترامب في التعاطي مع أزمة مستعرة تحتاج إلى قرار وموقف ناضج ومسؤول بعيدا عن الربح والخسارة في الميزان التجاري الذي بات ترامب يحدد موقفه لمن يدفع أكثر ويرجح كفته، في مفارقة غريبة لم تعتد الإدارات الأميركية عليها، غير أن ترمب كسر هذه القاعدة.
لقد هزت أحداث الفجيرة وسقوط الطائرة الأميركية واحتجاز وضرب ناقلات النفط، وآخرها استهداف العملاق النفطي (أرامكو) العالم ووضعته أمام خيارات لا أحد يتوقع أين تصل نيرانها، غير أن الموقف الأميركي كان متناقضا ومحيرا وغير حاسم، لا سيما إزاء هجوم أرامكو وكشف ملابساته ومن أين انطلق ومسار وصوله إلى الهدف؟
وفي محاولة للتنصل من المسؤولية فإن واشنطن رمت الكرة بالملعب السعودي لتحدد مسار الهجوم ومكان انطلاقه لتهرب من مسؤوليتها كقوة عظمى قادرة على رصد وكشف ما يجري على الأرض والجو.. صحيح أن الاتهام موجه إلى إيران، لكن الحديث يجري على أن الهجوم انطلق من شمالها من دون تحديد مكان الانطلاق، وهذا موقف محير ويدعو للريبة والشك إزاء قضية شغلت الرأي العام العالمي من فرط تداعياتها على الأمن والسلم في المنطقة.
إن موقف إدارة ترامب إزاء ما يجري في منطقة الخليج العربي يدعونا للتوقف عن دعوتها للسعودية إلى الكشف عن ملابسات الحادث بمشاركة خبراء دوليين وعرض الموضوع على مجلس الأمن، في حين أن أجهزة الرصد والمراقبة الأميركية التي توجد بمنطقة الحدث كانت كافية لتحديد المسؤول المباشر وشركائه المحتملين، وكان الأجدر بهذه الإدارة أن تتحمل المسؤولية لا التنصل عن واجبها استنادا إلى الشراكة الاستراتيجية مع السعودية.
والأغرب في موقف إدارة ترامب أنها قررت أن تدعم دفاعات ووسائل السعودية بمعدات مصحوبة بعدد محدود من جنودها للرد على أية محاولة جديدة قد تستهدفها، وعندما نسلط الضوء على التردد الأميركي وخذلانه وتخليه عن أصدقائه وحلفائه وقت المحن فإننا لا ندعو للخيار العسكري ورفع منسوب التحريض ورجحانه على الخيارات الأخرى، وإنما نسعى إلى كشف الحقائق والوهم عند البعض ورهانهم على الولايات المتحدة التي لا يهمها من يكتوي بالنيران بقدر ما يهمها مصالحها وعدم مساسها بمصالحها الحيوية.
إن ثنائية الحرب والسلام عند ترامب هي تحصيل حاصل للميزان التجاري الذي بموجبه يحدد موقفه ويميل حيث تميل الكفة الراجحة.
إذًا نحن أمام مشهد تداخلت فيه عوامل ومصالح وإرادات متناقضة، ومفتوح على جميع الاحتمالات سيكون العرب في مقدمة الخاسرين في خواتيم هذا المشهد، كما خسرنا العراق من قبل الذي كان عامل توازن في معادلة الصراع في منطقة الخليج العربي، ما أتاح للاعبين الآخرين استغلال غياب العراق أن يتسيدوا الموقف وبمحركات اتجاهاته.
خيار الحرب والسلام بالميزان التجاري الأميركي بقلم احمد صبري
آخر تحديث: