فرضت ثورة الاتصالات بجميع تقنياتها واقعا جديدا في حياتنا واصبحت بفعل هذه الواقع هاجسا للحاكم ومساعدا للمحكوم.فالاول يعمل بكل الوسائل لتفادي شرها بقيود ومحددات قسرية فيما برع الثاني باستخدامها لايصال صوته الى العالم .وطبقا لهذا التوصيف فان ادوات التغيير وقواعدها الجديدة تبدلت لتغيير الحاكم بفعل ثورة الاتصالات بعدما كانت في المرحلة التي سبقت الربيع العربي تتم بالانقلاب العسكري والبيان رقم واحد.وهذا التحول من فعل البندقية إلى إرادة الشارع وصناديق الاقتراع وتأثير الصورة والكلمة لم يستكمل مدياته لولا التلفزيون الفضائي الذي نقل ما كان يحدث خلف الستار وفي الشوارع والساحات إلى العالم.من هذا الاحساس بدور الاعلام وتائيراته المفترضة بالمتلقي استشعرت الاحزاب والكيانات والائتلافات السياسية سواء كانت في السلطة اوخارجها باهمية توظيفه واستخدامه للترويج لبرنامجها الانتخابية واستمالة الناخب لمرشحيها .فبات لكل حزب أو تيار وسيلته الاعلامية لتسويق مرشحيه وصناعة توجهات ناخبيها.في حين عمد سياسيون ومرشّحون الى اغراء وسائل اعلامية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية داخل العراق، وأخضعوها لأجنداتهم الخاصة.وبدأ مشهد الإعلام المحلي مأزوما ومربكا للناخب،وتحوّلت البرامج الحوارية والفواصل الإعلانية إلى محاولات لإطاحة الآخرين والتأثير في حظوظهم.وما اثار الانتباه الى طريقة تعامل الإعلام ازاء الانتخابات، لان بعضه تحول من ناقد للفساد والمفسدين إلى مساحات إعلانية تستغل مشاعر الناس وتستغفلهم وتروج لبعظهم مقابل اجور عالية .فاخترق الوسط الإعلامي بالفساد وشراء الذمم عبر توظيفه لخدمة مرشحين عبر قنوات معظمها غير مستقلة من دون مراعاة القيم المهنية، ناهيك عن الدعاية الفجة والمبالغة في تقديم المرشحين.وساد المشهد الانتخابي ثلاثة نماذج في تغطية الانتخابات من قبل وسائل الإعلام هي.، الأول وهو الأكثر انتشارا عبر الحملات المباشرة و الدعاية لكيان سياسي محدد.والثاني اعتمد على أسلوب الحملات السلبية،بقيام وسائل الإعلام بتكريس معظم تغطيتها للهجوم على كيان سياسي واحد أو أكثر. فيما حاول النموذج الثالث تغطية الانتخابات بطريقة متوازنة بالمستوى النوعي الذي ليس لها صلة مباشرة بأي كيان سياسي وهي قليلة جدا. واستنادا الى ماتقدم فان المؤسسات الاعلامية العراقية لم تؤد واجبها المهني في تبصير المواطن وتوعيته وساهمت بتضليله خلال فترة الدعاية الانتخابية.وبعد احتلال العراق ساد نوع من الانفلات بالمؤسسات الاعلامية وانتج مساحة للتشهير وليست للتعبير وتحول الاعلام بسبب ذلك الى اعلام غير موحد وليس اعلام دولة ولا مؤسسات ولا مواطن بل هو اعلام احزاب وكتل وجهات افتقرت الى المهنية في رسالتها الاعلامية.وان اغلب المؤسسات الاعلامية العراقية خضعت لتأثيرات الاحتلال السياسي والمحاصصة والاستقطاب الطائفي ناهيك عن التمويل الخارجي .وادى القصور في أداء وسائل الاعلام بمهامها الى تراجع دورها في عملية تبصير المواطن وتوعيته وتوجيهه وبناء المجتمع وتحصينه من فايروسات الطائفية.وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة اتخذت من التغيير شعارا للترويج لمرشحيها وحث الناخبين للتصويت لهم الا ان المشهد السياسي كان يتشكل بعيدا عن هذا التوجه باصطفافات طائفية اعادت استنساخ معظم رموز الطبقة السياسية من جديد رغم بعض المتغيرات.
دورالاعلام في الانتخابات العراقية؟ بقلم احمد صبري
آخر تحديث: