دولة مقتدى

دولة مقتدى
آخر تحديث:

بقلم : إبراهيم الزبيدي

إن تراجع عدد النواب الذين حضروا الجلسة البرلمانية الثالثة بخمسة وخمسين نائبا عن 220 في الجلسة السابقة، وبلوغ عدد المقاطعين بـ140 نائبا مقابل 126، ليس خسارة للتحالف الثلاثي، ولا انتصارا للإطار التنسيقي، وذلك لأن ما يجري ليس سوى مقايضات وترضيات مصلحية، وفيها نصيبٌ كبير من المزاج والحقد الشخصي البعيد عن المبادئ والشعارات التي يبرر بها كل فريق مواقفه المتشددة.

ففي الحكومات السابقة كان البيت الشيعي دائما، هو الكتلة الأكبر، مانحا نفسه صفة الممثل الشرعي الوحيد لطائفة الأكثرية، وكان بهذه الصيغة يمتلك كل شيء في الحكومة والبرلمان والجيش والأمن والمخابرات والمالية والبنك المركزي والتخطيط والمخابرات، والحشد الشعبي، ويترك للباقين من حلفائه سنّة السفارة الإيرانية وكردها وزاراتٍ ومؤسسات يتصرفون بها كما يشاء رئيس الكتلة، على هواه، وبلا حساب أو كتاب.

أما اليوم فإن مقتدى ومسعود والحلبوسي قرروا أن يسطوا على إرث البيت الشيعي، ويعلنوا أن تحالفهم الثلاثي هو الكتلة الأكبر. وطبعا، لا يتحقق هذا إلا بطرد أعضاء البيت الشيعي الذي أحدث فيه مقتدى شرخا لا يندمل.

والخلل هنا أن الثلاثة يعتبرون تحالفهم وطنيا فقط لأنه ليس من طائفة واحدة ولا من قومية واحدة. ولكنه، بما ظهر من سلوكه وخطاباته وتهديداته، محاصصة كاملة لا تختلف عن المحاصصة السابقة إلا ببعض الوجوه.

فجميع المعينين في البرلمان الحالي، والمقرَّر تعيينُهم في الحكومة القادمة، إما قياديون في أحد الأطراف الثلاثة المتحالفة، أو من أقرباء رئيس التيار أو الحزب أو الائتلاف، أو من المرتبطين بالزعيم. بعبارة أخرى إن التحالف ما زال بين ثلاثة، بيت شيعي يمثله هذه المرة التيار الصدري، وبيت كردي يمثله مسعود بارزاني، وبيت سني يحتكره محمد الحلبوسي بالتضامن مع خميس الخنجر، بأوامر خارجية.

وتأكيدا لهذه الصيغة كشف عضو التيار الصدري، صفاء الأسدي، عن خيارات التيار في مرحلة الانسداد السياسي، فقال، إذا “وُفقنا بهذا المشروع فكان بها، وإن لم نوفق فأمامنا خياران، الأول هو أن نبقى في مجلس النواب، ونحن الأغلبية تحت القبة البرلمانية نصف+1، نمارس دورنا الرقابي والتشريعي، فنشكل اللجان، ونغير النظام الداخلي، ونضع عقوبات كبيرة على المتغيبين والمعرقلين للجلسات، ونستجوب وزراء، ونقيل آخرين ونستبدلهم بوزراء من تحالفنا الثلاثي”.

مقتدى ومسعود والحلبوسي يعتبرون تحالفهم وطنيا فقط لأنه ليس من طائفة واحدة ولا من قومية واحدة. ولكنه، بما ظهر من سلوكه وخطاباته وتهديداته، محاصصة كاملة لا تختلف عن المحاصصة السابقة إلا ببعض الوجوه

ومن يتابع الفضائيات العربية والصحافة العربية والأجنبية يكتشف أن عراقيين عباقرة في المال والاقتصاد والطاقة والبيئة والمياه والقانون والصحة والتربية والتكنولوجيا الحديثة يعملون خبراء ومدراء في مؤسسات دولية كبرى، في مقدمتها الأمم المتحدة، أو مستشارين في حكومات عربية وأجنبية عديدة.

فلو اشترط مقتدى على حليفيه الكردي والسني الموافقة على إقامة نظام جديد لا يستعين بمسؤول إلا وفق الكفاءة والخبرة وحسن السيرة والسلوك، ولو دعا الخبراء والعلماء العراقيين المغتربين للعودة إلى الوطن، والمشاركة في تسيير شؤون الدولة، والمعاونة على تحقيق الإصلاح المطلوب، لصدّقه العراقيون، ولآمنوا بأنه، فعلا لا قولا، قد خرج من ثقافة المحاصصة، ولوقفوا معه في مواجهة المشككين والمعطلين، وبلا حدود.

ولكن الذي جرى ويجري يثبت أن الفاسد والمختلس والجاهل والأمي وسيء السلوك والخارج على الدستور والقانون موجودون في النظام الجديد الذي يقوده مقتدى.

مثال رقم 1: هناك واحدٌ حَكم عليه القضاء العراقي بالسجن 15عاما بتهم تتعلق باتهامه بالاستيلاء على مبالغ إطعام أفواج حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع، خلال عامي 2004 و2005، وتأسيسه شركة وهمية للأطعمة. وعلى إثر ذلك قرر مجلس النواب إلغاء عضويته في الدورة الأولى للمجلس، في شهر أيلول من العام 2007.

ثم، فجأة، وبتدخل من رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، رفع مجلس القضاء القيد الجنائي عن ذلك المتهم، وأوصى بضرورة رفع كلمة (متهم) من سجله الشخصي، واعتباره بريئاً من كل التهم التي وُجّهت إليه في وقت سابق.وأكثر الكتل النيابية المعترضة على هذا الإلغاء كانت هي كتلة (الأحرار) التابعة للتيار الصدري، التي استنكرت وتوعدت بفضح الجهات التي تقف وراء هذا التلاعب بأحكام القضاء.

أما اليوم فإن ذلك الشخص هو أحد أهم القياديين في التحالف الثلاثي، وقد عُيّن أخيرا عضوا في اللجنة المالية النيابية بمباركة نواب التيار الصدري ونواب الحلبوسي وبارزاني.من بعض سيرة هذا القيادي ظهورُه في فيديو سابق، ما زال متوفرا على اليوتيوب، ليرد على سؤال من المذيع:

مقتدى ومسعود والحلبوسي قرروا أن يسطوا على إرث البيت الشيعي، ويعلنوا أن تحالفهم الثلاثي هو الكتلة الأكبر. وطبعا، لا يتحقق هذا إلا بطرد أعضاء البيت الشيعي الذي أحدث فيه مقتدى شرخا لا يندمل

 من يدير الفساد؟

 “كلنا، كل واحد له دور. نحن في لجنة النزاهة تأتينا ملفات ويأتي أصحابها ويدفعون لنا فنغلقها”.

أنت هل قبضت رشوة؟

 نعم، والله، بشرفي، أعطوني كم مليون لكي أغلق الملف، أخذتها ولم أغلق الملف”. “كلنا، لابس العمامة، أو لابس العقال، أو الأفندي، كلنا فاسدون”.

مثال رقم 2: عضو آخر مهم في التحالف الثلاثي عُيّن أخيرا رئيسا للجنة النزاهة النيابية.

في 17 يوليو 2017 أصدرت محكمة النزاهة في بغداد مذكرة قبضٍ بحقه، وتم توقيفه، وأخضع لإجراءات التحقيق على خلفية تنفيذه مشاريع وهمية على الورق في المناطق التي كانت محتلة من قبل تنظيم داعش.

وبعد حوالي شهر من التحقيق حكمت عليه محكمة الرصافة في 6- 8 – 2017 بالحبس لمدة ثلاث سنوات، ثم أطلق سراحه بالعفو العام.

مثال رقم 3: أعلن رئيس وزراء حكومة كردستان مسرور بارزاني، على هامش منتدى الطاقة العالمي في دبي، أنه “على ثقة من أن الإقليم سيصبح قريبا مصدراً مهما للطاقة، وسيُصدّر إلى تركيا بالمستقبل القريب”.

وأضاف، وفقا لتلفزيون “تي آر تي” التركي قائلا “يمكننا أن نساعد البلدان في المنطقة وغيرها في تلبية احتياجات الطاقة وسنفعل ذلك، ولدينا القدرة الإنتاجية على تعويض بعض النقص في أوروبا على الأقل”.

وهذا مخالفة صريحة وعلنية لأمر قضائي يُلزم حكومة الإقليم بتسليم كامل النفط المنتج في مناطق الإقليم إلى الحكومة المركزية. وكانت حكومة الإقليم قد أصدرت بيانا رسميا رفضت فيه القرار واعتبرت المحكمة الاتحادية العليا غير قانونية وغير ملزمة.

فقد اعتبرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، أن قانونا تم تبنّيه في كردستان عام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز، مخالف للدستور.

كذلك، تضمّن الحكم الذي نشر على موقع المحكمة “إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادية بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه”.

وحين ذهب وفد من الحكومة الاتحادية لتقصي الحقائق حول الموضوع لم يسمح له ريبير بارزاني وزير الداخلية في حكومة مسرور بارزاني بالاطلاع على أيّ شيء، رافضا أيّ تدخل من حكومة المركز في شؤون الإقليم.

وللمعلومات، يتبنى التيار الصدري، بقوة، وبشدة، ترشيح ريبير بارزاني، وزير داخلية كردستان لرئاسة جمهورية العراق.

شيء آخر. لقد طالب وزير داخلية كردستان، ريبير بارزاني المرشح لرئاسة الجمهورية العراقية “بمبلغ 380 مليار دولار تعويضات للضحايا الكرد عمّا لحق بهم من عمليات إبادة جماعية وقتل وتهجير على يد النظام السابق”.هل ترون؟ هذا هو مقتدى، وهؤلاء هم حلفاؤه، مع الأسف الشديد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *