محمد حسين الداغستاني
على مدى ربع قرن أقام رؤوف العطار أكثر من 150 معرضا تشكيليا فردياً ومشتركا له حضوره المتميز في مدن وطنه العراق، فضلا عن مصر والأردن والسعودية وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات وغيرها، وكان حريصا على أن يستلهم حضارات بلاد الرافدين ويحول مضامين الفلسفة والفكر الإنساني إلى لوحات استقطبت الاهتمام ودفعت بالكثير من النقاد والفنانين إلى الاشادة بها عبر انطباعاتهم المدونة في سجلات زيارات معارضه الشخصية أمثال “أحمد ماهود وخالد جبر والمعماري الدكتور خسرو الجاف والدكتورة سعاد محمد خضر” وغيرهم .إن المتابع للنتاج الإبداعي للعطار يقف مليا أمام العدد الكبير من الجداريات التي رسمها وشكلت سجلا حافلا بموضوعات تاريخية وحضارية وتعبيرية تتسم بالدقة والإنسيابية والتأثر بالتصميم الهندسي والمعماري نتيجة دراسته في كلية الفنون الجميلة قسم التصميم. وقد نفذ أغلبها بالحبر والألوان المعدنية، وكذلك بالرسم على الاكرلك ومواد مختلفة على الخشب كجداريته عن “مطار بغداد الدولي، ومعالم كردستان، والقدس، وبلاد ما بين النهرين، وشمس الحرية، وملكة الإناء الفوار” وغيرها. هذه الجداريات تفترش مساحات تتراوح بين 120 × 2.5 متر إلى 130 × 4 متر وهي بمجملها أقرب إلى الأعمال العالمية الملحمية المبهرة.
أما عن لوحاته فالعطار يستلهم من الأرث الشعبي وخلفيته الفكرية موضوعات ذات تقنيات عالية، ففيها طلاسم ورموز وأساطير وحكايات من ألف ليلة وليلة، وهو في ذلك يرسم بحرية تامة وبقوة ايحائية تحيل العمل إلى كتلة حيوية من الحركة والفعل والحدث غير المألوف وبأسلوب أقرب إلى الفن السريالي وربما التكعيبي أحيانا، ثم يعتمد أسلوب التراكم والجمع في معارضه الشخصية، فاللوحة لوحدها لا يمكن لها أن تشي عن الفكرة المنتقاة للمعرض، إلا إذا تناول المتلقي لوحات المعرض كلها ليكتمل لديه مقصد الفنان وهدفه.
والمرأة في لوحات العطار فهي ليست عادية، وإنما كائن أسطوري يرتبط جدليا بقضايا إنسانية سامية، وهي تعيش مع تداعيات المدن والحيوانات والموجودات وبإشكال هندسية متنوعة، كما وتناول فنون العمارة والتطور في لوحاته بأطراف بين، ولولا نفيه القاطع بعدم استخدامه واعتماده على الفن الرقمي لكان للناقد أن يفسر دقته الهندسية الفريدة واهتمامه البالغ بالتصميم في رسم اللوحة وأجوائها وخلفياتها بتقنيات الكمبيوتر الحديثة، لكنه يؤكد خلال لقاءاته الصحافية على أن المنجز الفني الذي يتكأ على الفن الرقمي ليس فنا وإنما تكنولوجيا برامجية بحتة لا صلة لها بالفن التشكيلي.
لا شك أن العطار أفلح تماما في مزج الماضي بالحاضر، وتكوين تجربة غنية مميزة أهلته لينال جوائزعالمية منها، “جائزة اوهايو من امريكا، موسوعة فنون فرنسا. وجائزة انتوفا في ايطاليا، وكريستمور، وكولومبو وكذلك جائزة ميلانو في إيطاليا” وغيرها. ويبدو واضحا تماما أن العطار يعشق فنه لأنه يدرك عبره مدلولات وجوده الإنساني، وربما عبرت كلمات والده الراحل المؤرخ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف بحقه الذي سجلها في معرضه الشخصي الرابع “خطاب أول المسافة” في العام 2000 عن أفضل تفسير لإعماله الإبداعية، حيث قال: “ما معنى أن يهب الله إنسانا مرتين، مرًة للحياة بعد أن كاد الموت يخطفه، ومرة للفن بعد مكابدات جمة، إلا أن يكون تعالى قد ربط بين حياة هذا الإنسان وفنه برباط أبدي لا فكاك منه، فليس عجبا بعد هذا أن ينطق الحبر وتشدو قطعة الفحم، ويغني اللون ليعبر الجميع عن فكرة دفينة أو إحساس معمق بما هو مجهول.. أن فن رؤوف إذا هو تعبير عن نوع ارتضاه الله له من حياة”.