على خلفية زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق فإن بقاء بشار الأسد في الحكم ليس انتصارا إيرانيا. كذلك لا يمكن اعتباره انتصارا لما يُسمّى بمحور المقاومة. فإذا كانت إيران قد اعتبرت الأسد رجلها في الشام فإن الأسد نفسه لا يمكنه استشراف مستقبله إذا ما ارتمى كليا في الحاضنة الإيرانية. غير أنه وبسبب انفصاله عن الواقع اندفع في لعبة خطرة، لا يزال يعتقد أنه سيخرج منها سالما حتى لو ضاعت أجزاء كثيرة من سوريا وبقيت الملايين السورية مشردة ولاجئة ونازحة ومهدورة الكرامة. شيء غامض من اللامعقول يشبه إلى حد كبير مفهوم المقاومة يدفع بالرئيس السوري إلى أن يضع قدما في قارة فيما يضع القدم الأخرى في قارة بعيدة. وهو من خلال ذلك إنما يرجّح فكرة استمراره عالقا بخيارات، ليس من بينها استعادة سوريا وشعبها على أسس وطنية.
لا يملك الأسد ما يؤهله لإدراك حقيقة أن إيران بالنسبة إلى سوريا مشكلة وليست حلا. فهو بعد عزلته عن العالم صار ينظر إلى الخارج من خلال النافذة الإيرانية. وهي نافذة ضيقة وتضيق باستمرار لا بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وحسب، بل وأيضا بسبب طريقة تعامل النظام الإيراني مع العالم والتي تنطوي على الكثير من الخداع والتآمر والنفعية المبالغ فيها. وما جناه الإيرانيون عبر سنوات الحرب السورية يؤكد أن سوريا كانت دائما هي الطرف الخاسر في علاقة، أضرت بها عربيا ودوليا. وليست الضربات اليومية التي تتلقاها سوريا من إسرائيل إلا ضريبة لتلك العلاقة التي لا يزال الأسد يتوهم أنها ضرورية لبقاء نظامه.
يضحك الإيرانيون على أتباعهم وحلفائهم بـ”محور المقاومة” في حين أنهم لا يفعلون إلا ما يجدونه مناسبا لمشروعهم القائم على مبدأ نشر الفوضى في المنطقة واستعمار مناطق داخل الدول التي تم استضعافها وهو ما حدث في سوريا والعراق ولبنان بشكل معلن. هناك محميات إيرانية يقيم فيها إيرانيون وبالأخص من القومية الفارسية وربما اكتسبوا المواطنة. ذلك ما أشار إليه الأسد في أحد خطاباته وهو يندد بالسوريين الهاربين من نيران الحرب. صارت المواطنة هبة لمَن يستحقها.
ليس رئيسي هو الشخص المناسب لزيارة دمشق في ظرف يستعد فيه العرب لاحتضان سوريا مرة أخرى
أخطاء الأسد كثيرة ولكن أسوأها ما ورثه عن أبيه وبالأخص علاقته بإيران. فهي علاقة مسمومة تصب في مصلحة إيران في عزل سوريا عربيا عملاَ بمبدأ تفتيت العالم العربي ليكون جزءا منه تحت مظلتها. كان على الأسد أن يتعلم من درس العراق شيئا ينفعه لو كان فكر قليلا بسوريا دولة وشعبا. فالعراق ومنذ أن هيمنت عليه الأحزاب التابعة لإيران هو دولة فاشلة ومعاقة تعجز عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها. لا ماء ولا كهرباء وعجز كامل في قطاعي الصحة والتعليم وصُفّرت الزراعة والصناعة كما لو أن البلد لم يكن زراعيا ولا صناعيا وليس له تاريخ مشرف في التنمية.
كانت زيارة رئيسي مناسبة للحديث عن الانتصار. ولكنه انتصار إيراني طائش ومشبع بالغباء وليس انتصارا سورياً. فتحت إيران جبهة قتال مع إسرائيل على الأراضي السورية فصار السوريون يدفعون ثمنا لحرب صار الأسد يتحدث عن موعد خيالي للرد فيها. هل تم استغباء سوريا من قبل إيران؟
ولكن ماذا بعد ذلك؟ لن أستبق الأحداث فأقول إن الأسد خسر فرصة تاريخية حين استقبل رئيسي في هذا الوقت الحرج. أما أن تكون إيران قد ربحت السباق فذلك أمر لا يزال في إمكان الأسد أن يقول رأيه فيه. سيكون عليه أن يعيد اتصاله بالواقع ليفهم أن عودته إلى محيط سوريا العربي لن يتم بشروط إيرانية. عليه أن يتوقف عن تصلب خطابه السياسي. لم تحم إيران نظامه من السقوط، بل روسيا هي مَن قامت بذلك. علاقته بإيران تضعه في الجبهة المعادية للعرب. وهو ما يجعل عودة سوريا إلى محيطها العربي أمرا مستحيلا.
في هذا الظرف الحساس كان على الأسد أن يفكر بطريقة مسؤولة وهو يستقبل رئيسي. ذلك لأن الأخير ليس الضيف المناسب بعد أن صارت سوريا على مقربة من عودتها إلى محيطها العربي. ما سيحدث من ردود أفعال لن يكون في مصلحة سوريا. سيُقال “لينفعه محور المقاومة”، وهي كذبة إيرانية استفادت منها إسرائيل لتأكيد هيمنتها على المنطقة التي ستظل خارج العصر بسبب التحاقها بدولة الملالي.ليس رئيسي هو الشخص المناسب لزيارة دمشق في ظرف يستعد فيه العرب لاحتضان سوريا مرة أخرى.