آخر تحديث:
السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي المحترم , تحية طيبة , استمعت يوم أمس إلى خطابكم الأخير بمدينة البصرة كما استمعت إلى أغلب خطبكم وتصريحاتكم خلال السنوات المنصرمة. وفي الوقت الذي أملت خيراً نسبياً من تسلمكم مهام مجلس الوزراء مع تحفظ أساسي هو كونكم رئيس حزب إسلامي شيعي طائفي لا يمكن إرساء دعائم دولة ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي. ومن المؤسف إن تحفظي تغلب على أملي في سياسة أخرى غير التي سرتم وما زلتم تواصلون السير عليها.
لقد القيتم خطبة في تجمع لشيوخ العشائر في واحدة من أكثر المدن العراقية التي أثرت خزائن الدولة وجيوب الحكام العتاة واللصوص بالمال, ولكن الشعب عانى وما يزال يعاني حتى اليوم وأكثر من أي وقت مضى من فقر شديد وحرمان كبير وظلم لا يطاق ومن خراب وإهمال غير مقبولين ولا معقولين , حاولت أن أجد في خطابكم العتيد, الذي يقع في إطار دعاية انتخابية ومحاولة تعبئة الجنوب ضد غرب البلاد وشمالها, نقطة ضوء في النفق الطويل الذي يعيش تحت وطأته العراق في المرحلة الراهنة وتحت قيادتكم وقيادة دولة القانون وحزب الدعوة الإسلامية, فلم أجد ما يساعدني على الاقتناع بوجود أمل في تحقيق شي ما للشعب في وجودكم على رأس الحكومة الحالية. إذ كان خطابكم مخيباً للآمال وقاطعاً الطريق على الحوار والتفاهم وحل المشكلات رغم ترديدكم لكلمة الحوار وتجاوز الفتنة. ولكنها كانت في مضمونها رفض الحوار وتشديد الفتنة بعينها.
تحدثتم في خطابكم بالبصرة عن المظاهرات في محافظات غرب بغداد والموصل وطالبتم المتظاهرين بالتخلي عن الطائفية في شعاراتهم واتهمتم المتظاهرين دون تمييز بأنهم يتحركون بإرادة خارجية ونسيتم بأن سياستكم ذاتها هي السبب المساعد في التدخل الخارجي وفي تعميق الخلافات وتشديد الصراع وتقريب ساعة الانفجار. إذ إن السؤال العادل: هل كان رئيس الوزراء على حق في ما طرحه من وجود شعارات طائفية في المظاهرات؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى شفافية وصدق وصراحة تامة معكم لأنكم المسؤول الأول عن سياسة الحكومة وتحركات القوات المسلحة بجميع اصنافها لأنك القائد العام للقوات المسلحة, وبالتالي المسؤول الأول عن كل ما يجري بالعراق, خاصة وأنكم تحولتم خلال السنوات الخمس الأخيرة الحاكم الفرد والحاكم بأمره.
طالبتم بخطابكم في يوم السبت المصادف 23/2/2013 الآخرين بالكف عن رفع شعارات طائفية. وهو من حيث المبدأ مطلب صحيح وضروري قطعاً ويطالب به كل الشرفاء في المجتمع العراقي وكل المدركين لمخاطر الطائفية. ولكن السؤال المشروع والعادل الذي يفترض فيكم الإجابة عنه هو: أليس السيد نوري المالكي , رئيس مجلس الوزراء , الستم رئيساً لحزب الدعوة الإسلامية الشيعي الطائفي بامتياز, ألم تصلوا إلى السلطة بتحالف أحزاب شيعية طائفية بامتياز, أوليس أغلب مستشاريكم هم من الشيعة الطائفيين بامتياز, أليست سياساتكم تميز بوضوح تام بين الشيعة والسنة لصالح حزبكم والشيعة المحيطة بكم وليس لصالح الجماهير الشيعية الفقيرة والكادحة والمحرومة من كل شيء في مناطق الوسط والجنوب وبغداد, تماماً كما الحال في بقية مناطق العراق العربية؟ إن من يطالب الآخرين بأن لا يكونوا طائفيين, يفترض فيه ممارسة سياسة غير طائفية, وبالتالي عليه أن لا يكون رئيساً لحزب طائفي. وحين يكون هو كذلك فليس من حقه أن يطالب الآخرين بغير ما هو عليه, ولكن من حق الشعب أن يطالب الجميع بالكف عن الطائفية وبالمقدمة منهم أنتم يا رئيس الوزراء.
نعم هناك طائفيون في المظاهرات المستمرة في محافظات عديدة من العراق؟ ولكن ليسوا كلهم من الطائفيين وليس كلهم من البعثيين الملطخة أيديهم بدماء الشعب العراقي أو الراغبين بعودة البعث للحكم , وليس كلهم من أتباع حارث الضاري المتحالف مع القاعدة وحزب البعث الذي يقوده عزة الدوري والطائفي حتى النخاع.
كلما تواصلت سياستكم المتسمة بالتخلف والجمود والعناد والطائفية, اتسعت في الوقت ذاته قاعدة المظاهرات وازدادت المطالب واشتد التطرف واحتدم الصراع مع احتمال تحوله إلى نزاع لا تعرف عواقبه, وهو الطريق الذي يخدم كل الطائفيين في العراق ولكن لا يخدم الشعب العراقي بأي حال. وحين تدعون المتظاهرين إلى رفض الطائفية, لماذا حركتم مؤيديكم في بعض مدن الوسط والجنوب وبغداد لتنظيم مظاهرات طائفية مضادة, ألم يكن الحري بكم الاستماع بإصغاء إلى مطالب المتظاهرين وإيجاد حلول عملية لها بدلاً من تنظيم مظاهرات مضادة وتعبئة مؤيديكم ضدها. وكانت مظاهراتكم كما بعض المظاهرات الأخرى طائفية بامتياز , يتحدث أتباعكم يا رئيس الوزراء, كما تتحدثون, مطالبين الآخرين بالكف عن الطائفية, وهم طائفيون بامتياز ويتجلى ذلك من أحاديثهم اليومية عبر تصريحاتهم ولقاءاتهم الصحفية, ولكم أن تستمعوا إلى بعضهم وليس كلهم لتشموا مع الآخرين رائحة الطائفية الكريهة تزكم أنوف القريبين والبعيدين منهم حتى من يستمع لهم عبر شاشات التلفزيون , تقولون بأن الشعب العراقي لم يعرف الطائفية, وكان الجميع بعيداً عن الطائفية! وهو كلام يتضمن نصف الحقيقة ويغيب النصف الآخر بوعي. لم يكن الشعب طائفياً من حيث السلوك رغم تعدد الديانات والمذاهب بالعراق. ولكن الطائفية السياسية كانت موجودة ومارستها النظم الحاكمة وليس الشعب من أتباع المذهب السني في الإسلام. ولكنم وأنتم في المعارضة كنتم تمارسون الطائفية منذ ذلك الحين في توزيع المواقع في قيادات المعارضة العراقية. وبعد سقوط الدكتاتورية الغاشمة شاركتكم بتوزيع الحكم على أساس طائفي وأثني. واليوم تمارسون الطائفية السياسية على مستوى الحكم بأجلى معانيها. ولكن بعكس السابق, أي إن نظام الحكم الحالي الذي يقوده حزب إسلامي شيعي طائفي هو حزب الدعوة الإسلامية هو الذي يمارس السياسة الطائفية التمييزية وليست الجماهير من أتباع المذهب الشعبي.
لا تمارس الطائفية من قبل الحكم فحسب, بل هناك ممارسة فعلية تمييزية إزاء أتباع الديانات الأخرى في البلاد. وعلى رئيس الحكومة أن يتابع عدد الذين هجروا قسراً بسبب الإرهاب والتمييز الديني والطائفي من العراق إلى الدول الأخرى ليدرك مدى العواقب التي نشأت بفعل وجود نظام حكم طائفي سياسي بالعراق ,إن كنتم صادقين بما تقولونه فما عليكم إلا التخلي عن حزب سياسي طائفي كبقية الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية, لأنها كلها قائمة على أساس مذهبي طائفي سياسي, وليس على أساس المواطنة العراقية التي لا تنظر إلى الهويات الفرعية بل الهوية الرئيسية هوية المواطنة الحرة والمتساوية, وسياساتها من حيث الشكل تسعى لمصلحة الطائفة التي تدعي تمثيلها وليس مصلحة الشعب كله. هذه هي الحقيقة يا رئيس مجلس الوزراء, وهو ما لا يستقيم مع ما تطلبونه من الآخرين , الدعوة الصحيحة هي أن تتوجهوا إلى نفسكم وضميركم لكي تكونوا قدوة لبقية القوى السياسية العاملة في أحزاب سياسية إسلامية طائفية. إن متابعة تاريخكم السياسي يبرهن للكثير من الناس الذين عرفوكم بأنكم أكثر المسؤولين في حزب الدعوة طائفية سياسية تمييزية, وأستثني من ذلك الدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب إذ كلاهما لا يختلفان عنكم, ولن ينسى الناس قولكم “أخذناها ما ننطيها”, أي “أخذناها إحنه الشيعة وبعد ما ننطيه للسنة” لو تطلع نخلة برأسهم. ولا يمكن أن يفسر قولك بغير هذا التفسير مع الأسف الشديد.
السيد رئيس مجلس الوزراء
أقول لكم بكل صراحة وصدق ما يلي: لا يمكن لرئيس وزراء عراقي طائفي سياسي أن يقود البلاد بلا طائفية سياسية مقيتة, لا يمكنه ان يبني مجتمعاً مدنياً ديمقراطياً, لا يمكنه أن يقدم نموذجاً فعالاً للمواطنة العراقية الحرة والمتساوية , لقد استمعت إلى خطابكم بالبصرة. وأقول بصراحة تامة بأن قلة قليلة جداً من السنة والشيعة صدقوا هذا الكلام لأنهم يعيشون المأساة الطائفية يومياً وهي التي, إن تواصلت, ستجر العراق إلى كارثة حقيقة, إنها الكارثة المحدقة, فهل يمكن تجنبها؟
الطائفية السياسية كريهة ومقيتة ومن يمارسها يقود البلاد إلى الفتنة والكارثة. إن الإرهابيين القتلة يستثمرون هذا الوضع الطائفي والتمييز الفعلي القائم وغياب العدالة وكثرة المعتقلين والسجناء الأبرياء وعمق وسعة الفساد ونقص شديد في الخدمات والبطالة المنتشرة وغياب التنمية الاقتصادية و الاجتماعية والتشوه المتواصل للتعليم والثقافة العراقية تعمق وتشدد من طائفية الآخرين. ويبقى المسؤول الأول عن ذلك هو أنتم بالدرجة الأولى ومعكم كل الطائفيين في صفوفكم وصفوف المتصارعين معكم , كفوا عن الطائفية المذهبية وسياساتها المقيتة ستجدون الصفاء والود والمحبة بالعراق. فهل أنتم قادرون على ذلك؟ انتم وحدكم من يمكنه الإجابة عن هذا السؤال. وكل الدلائل مخيبة للآمال , إن نصيحتي لحلفائكم في التحالف الوطني وفي الحكومة أن يسحبوا الثقة بكم ويغيروا النهج الطائفي بنهج وطني ديمقاطي عراقي فهو إنقاذ للشعب وتخليصكم من الورطة والمحنة التي أنتم فيها وسحبتم كل الشعب معكم إلى هذه المحنة , لا يمكن ولا يجوز لمواطن سليم العقل والنية ويلتزم بالمذهب الشيعي في الإسلام وتعرض في حياته للتمييز الطائفي والاضطهاد من حكام طائفيين سياسيين أن يقبل بسياسة تميز المواطن الملتزم بالمذهب السني في الإسلام بأي حال, إلا إذا كان طائفياً مقيتاً ومعادياً لأتباع بقية الديانات في البلاد. لأنه يدرك الآثار السلبية على وضع الإنسان ونفسيته حين تمارس سياسات طائفية وتمييزية في البلاد.
إن الحكم الطائفي ايا كان لن يكون مديدا, ولكنه يكفي في تعريض الشعب إلى المآسي والكوارث, وكلما أمكن الخلاص من المحاصصة الطائفية في الحكم كلما أمكن تقليص ألام الشعب والعواقب الأخرى المرتبطة بها والناجمة عنها , كم أتمنى عليكم أن تتعلموا من تجربة نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا, فرغم مأساة الأفارقة السود من النظام العنصري و أمكن له حل المشكلات بطريق ديمقراطي غير عنصري وغير تمييزي وعلى أسس إنسانية ومواطنة حرة ومتساوية, فهل أنتم قادرون على ذلك؟ المؤشرات حتى الآن لا تبيح لي الادعاء بأنكم قادرون على ذلك, وأرجو أن تبرهن الأيام عكس ذلك!! , أؤكد ويؤكد معي الملايين من بنات وأبناء الشعب العراقي على إن “الطائفية السياسية تشكل الشر الذي يعاني منها العراق وبزوالها يبدأ انحسار الشر ومن يمارسه , مع التمنيات للشعب بالخلاص السريع من الأوضاع المأساوية الراهنة وعواقبها السيئة المحتملة.