من المتابعة المتأنية لما نشر من تعليقات ومقالات ودراسات وتحليلات في عدد غير قليل من مواقع الإنترنيت والصحف الورقية والإذاعات والفضائيات العراقية والعربية والأجنبية تبين أن عراقيين كثيرين مثقفين وسياسيين ومواطنين عاديين غاضبون جدا بسبب الإهانة التي وجهها للشعب العراقي حسن روحاني وعادل عبد المهدي، بما أسفرت عنه الضيافة، بسرعة وبساطة، من هدايا وإكراميات وإقطاعيات أقل ما يقال عنها إنها استعمار واستحمار علني وصريح وبالقلم العريض.أما الرؤساء والوزراء والنواب والمراجع الدينية الشيعية والسنية، معا، وشيوخ القبائل وأئمة الجوامع والحسينيات فلم يجدوا في كل ما حدث ما يغيض ويستوجب الاحتجاج.
نعم إنها إهانة. بل هي أم الإهانات. فالاتفاقات التي بصم عليها وزراء المنطقة الخضراء، دون جدل أو نقاش، تعني أن عادل عبد المهدي أهدى ضيوفَه الإيرانيين آخرَ ما يملكه العراق من كرامة وسيادة ومال.ثم إن الذي فعله لم يجرؤ على فعله سلفُه حيدر العبادي، وسلف سلفه نوري المالكي، وسلف سلف سلفه ابراهيم الجعفري، برغم كل ما عرف عنهم من ذوبان في عشق المحبوب الولي الفقيه الذي لولا بركاته لما حلم أيٌ منه بأن يرى قصور الرئاسة والبرلمان، ولظل، كما كان، يتسكع في مقاهي قم وطهران ولندن ودمشق والسيدة زينب وبيروت.
ويعرف الكثيرون من الضالعين في علم السياسة أن هذه الزيارة لم تأتٍ للتبرك بمقام الكاظميين، ولا حبا بسواد عيون العراقيين، ولا هي من باب الرغبة الصادقة في إقامة علاقة حسن جوار، ولا هي سياحة دينية، ولا حتى تجارية واقتصادية بريئة من التقية والابتزاز. بل هي رسالة مشفرة مرسلة إلى الرئيس الأمريكي ترمب وحلفائه العرب والأجانب مفادها أن الوطن الذي تريدون أن تستخدموه لتجويعنا وتركيعنا هو مستعمرة إيرانية خالصة كانت ضائعة ثم عادت إلى أصحابها الشرعيين من سفر طويل.
والملاحظ أن أول شيء طلبه حسن روحاني هو إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين. وبهذا يصبح العراق (خان جغان) الذي يَضرب به العراقيون المثل على كل مكانٍ مُنتهَك، وبلا حدود ولا قيود، يدخله من يشاء، متى يشاء، وكما يشاء، وليفعل فيه ما يشاء.وهنا نسأل الذين يُكثرون من الحديث عن التوازن في علاقات العراق مع جميع جيرانه، وجعله ساحة التقاءٍ إيجابي بينهم: هل ستُلغون تأشيرة الدخول مع السعودية والكويت والأردن وتركيا وسوريا؟، وهل ستسعوْن لتوقيع اتفاقاتٍ مشابهة لما وقعتموه مع ضيوفكم ورؤسائكم وأولي نعمكم الإيرانيين؟
بدون شك أو جدال لا يمكن اعتبار الاتفاقات الاقتصادية التي انتزعها روحاني من جماعة المنطقة الخضراء، وخاصة ما يتعلق منها بقطاعات النفط والتجارة والصحة والنقل وإنشاء خط للسكك الحديد بين البصرة والشلامجة، إلا توريطاً حقيقيا وعلنيا وموثقاللشعب العراقي في حروب لم يكن ولا ينبغي أن يكون طرفا فيها، لأنها، بكل مقدماتها ونتائجها، لن تعود على حاضره المعلول وغده المجهول سوى بمزيدٍ من العبودية، ومزيد من الباكين حول القبور، سواءٌ كانت إدارة ترمب جادة في خططها العراقية لمحاصرة إيران، أم لم تكن.أما ما تبقى لدينا من القول فهو أننا ما زلنا مؤمنين بأن الكرامة الوطنية العراقية لابد أن تستفيق فتفعلَ شيئا ذا قيمة لطيّ هذه الاتفاقات المهينة، ورميها في أقرب سلة مهملات.وليس ذلك على شعبنا الأبي بكثير.