تراجع الجمهوريون عن وعودهم لأوباما في التصويت بيسر على طلبه المقدم الى الكونغرس للموافقة على توجيه ضربة عسكرية لسوريا على خلفية التهم بإستخدام أسلحة كيماوية ضد مواطنين في ريف العاصمة دمشق وأرجأوا التصويت الى وقت أخر بعد أن كان مزمعا الأربعاء ،وافق ذلك هبوط حاد في مستوى موافقة المواطنين الأمريكيين على فكرة الدخول في مواجهة عسكرية وهم يحملون في رؤوسهم ذكريات أليمة عن حروب سابقة في فيتنام وكوريا والبوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق لذلك كانت نسبة الرضا بمشروع الضربة قليلة ومحبطة لآمال أوباما ووزير خارجيته جون كيري الذي مايزال يجوب العواصم وهو يحلم بصواريخ تنهال من البحر والجو على مواقع عسكرية مختارة داخل العمق السوري،وفي الوقت الذي يشهد الكونغرس ووسائل الإعلام وأمريكا برمتها سجالات عنيفة بهذا الشأن فإن روسيا تناور وتحاور وتعمل بصورة جدية على تجنيب حليفتها التقليدية دمشق آثار الضربة .
ماحصل إن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الذي يبحث عن الدعم للعمل العسكري المزمع أين حل إلتقى وزير الخارجية الفرنسي فابيوس ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذين يعملون ليل نهار على بدء المعركة ويقدمون الوعود والعهود بنجاحها ويتوسلون واشنطن لفعل مايمكن من أجل إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ،ماحصل إن كيري زل لسانه بتحذير لسوريا من مغبة مواجهة المجتمع الدولي ،وطالب الأسد بتسليم المخزون الذي لديه من الأسلحة المحرمة خلال مدة زمنية لاتتعدى الأسبوع ،وراهن على رفض الأخير مايعني ضرورة الحسم العسكري ..كانت موسكو تلتقط كل إشارة من شأنها أن تؤدي الى إضعاف الموقف الأمريكي والغربي الحليف لواشنطن ورأت في زلة كيري مخرجا ملائما وسبيلا للمناورة التي يمكن ان تنهي الحلم ،فإستدعت على الفور وزير خارجية الأسد وليد المعلم الذي إجتمع مطولا بسيرجي لافروف في العاصمة الروسية وقدم له مبادرة تتضمن موافقة دمشق على وضع مخزونها من السلاح الكيمياوي تحت المراقبة بعد نقله الى مكان ملائم وآمن ،ولم يتطرق لافرورف الى موافقة نهائية من دمشق لكن المعلم وقبل عودته الى بلاده أعلن الموافقة على المقترح الروسي الذي نزل كالصاعقة على أوباما وكيري وأولاند ووزراء خارجية الخليج وإسرائيل التي حشدت كل قيادات إيباك في واشنطن للضغط على الأعضاء المترددين للتصويت في الكونغرس على مشروع الضربة .
شهد الإثنين الماضي نقاشات في الكونغرس وسط ترجيحات بتراجع عدد من النواب الجمهوريين عن وعودهم لأوباما بالتصويت لصالح طلبه ،وكان المفاجئ إن الديمقراطيين وهم من حزب الرئيس أعلنوا وبعدد وافر إنهم لن يصوتوا لصالح الطلب المقدم من الإدارة ،وهكذا تبدو الأمور معقدة والكرة بملعب واشنطن والغرب عموما فإستطلاعات الرأي لاتشير الى موافقة من الرأي العام ،والسياسيون قلقون من تكرار تجارب أمريكا المحبطة ،وربما كانت الضربة التي تلقاها الحليف الإستراتيجي ديفيد كاميرون من خلال رفض مجلس العموم لطلبه بالمشاركة في العدوان على سوريا رسالة أولية لها مابعدها ،وهو ماحصل بالفعل ..
الفطنة الروسية لم تغب عنها سقطات كيري وتردد أوباما .
[email protected]