زيارة الرئيس الإيراني للعراق ضيف ثقيل الظل

زيارة الرئيس الإيراني للعراق ضيف ثقيل الظل
آخر تحديث:

بقلم:علي الكاش

لم يكن من الغرابة ان يقوم الرئيس الإيراني الجديد الى العراق كأول محطة من محطاته الرئيسية فالعراق هو الرئة الاقتصادية لنظام الملالي ولولاه لأختنق النظام من انقطاع الموارد ولاسيما الدولار الأمريكي، وتهريب النفط الإيراني تحت مسمى النفط العراقي بعد خلطه بكميات من النفط العراقي لتغيير مواصفاته، مع ان العالم يدرك جيدا استمرار عمليات تهريب النفط والدولار من العراق تجري على قدم وساق، وتحت انظار وتغاضي الإدارة الامريكية التي استعارت من الأمين العام للأمم المتحدة ” نعبر عن عميق قلقنا”، وهذا ما عبرت عنه الإدارة الامريكية من زيارة الرئيس الإيراني للعراق، فقد عبرت عن انزعاجها لا أكثر.

الجانب الاقتصادي كان الهدف الرئيس من زيارة رئيس نظام الملالي علاوة على الاطمئنان على مسيرة العملية السياسية ومحاولة جمع شمل المتفرقين من أحزاب الاطار التنسيقي بعد ان عصفت بهم الفضائح المتتالية سيما سرقة القرن وصفقة السكك الحديد وسرقة الامانات الجمركية وانتهاءا بالتجسس من قبل مكتب رئيس الوزراء على جماعته في الاطار التنسيقي ووصلت الى التجسس على المرجعية الدينية في النجف وعدد من المراجع باعتراف نائب من ميليشيا عصائب اهل الحق الحاكمة.

ذكر رئيس نظام الملالي بزشكيان بأنه” تم التوقيع على 14 مذكرة تفاهم حول التعاون بين إيران والعراق، لكن الأهم هو أنه من أجل التوصل إلى لغة مشتركة، سيقوم فريق من الجانبين بكتابة خطط استراتيجية طويلة المدى. واصبح من المقرر التوقيع على الخطط الاستراتيجية المستقبلية في الرحلات المقبلة”. والحقيقة ان الاتفاقية تقع في صالح الجانب الإيراني فالعراق ليس له ما يصدره الى ايران ولا بقية الدول ما عدا النفط التي يتحول الى جيوب النظام الحاكم، فالنظامين الإيراني وتابعه العراقي يحذوان حذو النعل بالنعل.

لقد كانت الزيارة غريبة فالرئيس الإيراني لم يبق في العاصمة العراقية سوى ست ساعات فقط، خرج بعدها الى إقليم كردستان والبصرة والنجف وكربلاء، دون ان نعرف ان كانت تلك السياقات تقع ضمن منهاج زيارته، أم انه لا يحتاج الى موافقات مسبقة؟ فليس من المنطق ان يلتقي رئيس جمهورية زائر بميليشيات واحزاب وشيوخ عشائر ويلقي خطبا لطرح وجهة نظر حكومته، ويعطي العراقيين دروسا في الفضيلة، والشعب الإيراني يعاني من قمع السلطة واستنزافها أموال الخزينة في دعم الإرهاب الايراني الذي امتد الى القارة الافريقية. بل خلص الى القول” إن إنجازات هذه الرحلة مهمة لخلق لغة ونظرة مشتركة وفي إطار سياسات خامنئي”. ومن يجهل سياسات خامنئي القائمة على القمع والعنف في الداخل، ودعم الإرهاب في الخارج.

مشكلة الطغاة هي حماقتهم وقصر تفكيرهم! فهم دائما محاطون بحاشية من الدهماء والمتزلفين والمنافقين الذين ينفخون فيهم كالبالون. وهم لا يدركوا بأن البالون لا يستوعب من الهواء أكثر من حجمه. واستمرار النفخ سيؤدي حتما إلى انفجاره. وأول المتضررين من فرقعته وشظاياه هم الطغاة أنفسهم والحاشية المحيطة بهم. لكن الزهو المصطنع والكبرياء الفارغة ونزعة التسلط تعمي أبصارهم وتثقل اسماعهم. غالبا ما يبني الطغاة والمستبدون أبراجهم العاجية من المواد الرائجة في المجتمع كالفقر والجهل والجوع والتخلف والروحانيات والشعوذة، وباستمرار وجود هذه المواد يمكنهم التماهي وإطالة مدة بقائهم في الحكم. لذلك فإن أحرص ما يحرصوا عليه هو إشاعة وترسيخ قيم التخلف الاجتماعي والثقافي وقلع جذور العلم والمعرفة، يعاونهم في مهمتهم الضالة رجال الدين والسحرة والدجالين وسفلة المجتمع. وعندما تتبرعم القوى الوطنية الواعية، وتقوى أغصان النخب الثقافية والاجتماعية بغفلة عن الطغاة، يسارعوا في محاولة يائسة لاستئصالها، ولكن دائما بعد فوات الأوان. لأنها سرعان ما تنمو ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة ومائة حتى يعجز الطغاة ويملوا منها، وأخيرا يتوقفوا للمطالبة بهدنة متطلعين الى المساومة مع من ساموهم شتى صفوف القهر والظلم والعذاب. المساومة بحد ذاتها مرحلة يستفاد منها الطغاة للملمة أوراقهم المتطايرة والمتبعثرة هنا وهناك، كمحاولة أخيرة لاسترجاع قواهم .

لا أحد يجهل ان الرئيس الإيراني عبارة عن دمية عرائس خيوطها بيد الولي الفقيه يحركها كيفما يشاء ومتى شاء، وخطة الخامنئي في تعيين رئيس إصلاحي كانت محاولة يائسة من الخامنئي لتغيير نظرة الولايات المتحدة والاتحادي الأوربي الى النظام على أساس انه اتر ودعم رئيس إصلاحي على حساب جماعته الإصلاحيين، ولكن سواء كان الرئيس إصلاحي او محافظ فالأمر سيان، الرئيس الفعلي هو الخامنئي، وهذه الخطوة لم تغيير وجهة نظر الرئيس الامريكي المرشح ترامب، فقد وعد إيران بالمزيد من العقوبات عند تسلمه الرئاسة.

من الأمور الأخرى التي اثارت استغراب العراقيين انه لا الرئيس الإيراني التقى بالمراجع الدينية، ولا المراجع فتحوا بابهم لاستقبال الرئيس الإيراني الضيف، وكان الرئيس الأسبق روحاني هو آخر من التقت به مرجعية النجف، وقد سمع منها ما لا يسره سيما فيما يتعلق بنزع السلاح من الميليشيات وحصره بيد الدولة، علاوة على ان العراقيين هم من حاربوا داعش وانتصروا عليه ولا يجوز ان يُجير النصر لغير العراقيين، وربما توقع الرئيس الإيراني انه سيسمع نفس الكلام من المرجعية، فآثر عدم الزيارة.

لقد أخذ الحراك الجماهيري مجراه الحقيقي في إيران والعراق بنفس القوة والاندفاع، وتتصاعد وتائره يوم بعد يوم بشكل مثير. إن النظامين الحاكمين في هذين البلدين المنكوبين بعمائم الشر، هما بلا جدال من أشد الأنظمة في العالم تعسفا وطغيانا وعنصرية وطائفية ووحشية سواء مع شعبيهما أو مع الشعوب الأخرى. لذا فكل منهما ينقل المغذي لبدن الآخر كلما ضعف ووهنت قواه، وبانت عليه علامات الانحلال والتقهقر. فهذان البلدان يفيضان بالنفط والخيرات التي أسبغها الله عليهما، لكن الأنظمة الحاكمة حولت هذه النعمة الربانية إلى نقمة شيطانية، واستأثرت بالخيرات والمنافع لنفسها وما زاد منه بذرته في نشر الشرور في كل مكان.

اما الطرفة بقوله فيما يتعلق برحلته إلى كربلاء وزيارة ضريح الامام الحسين ، فقد ذكر بزشكيان” ارتديت قبعة وقناعا لزيارة المرقدين الشريفين حتى لا ينزعج الناس”، لقد جانب الحقيقة لأنه يعرف ان الشعب العراقي لا يرحب بزيارته، والنقمة الشعبية وصلت ذروتها في العراق، شأنها شأن الداخل الإيراني الذي يعاني الأمرين من النظام القمعي والاستبدادي.نقول للرئيس الإيراني الحقيقة التي لم تصله، او ربما وصلته: كنت ضيفا عزيزا على الحكومة الاطارية وليس على الشعب العراقي، الحق كنت ضيفا ثقيل الظل.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *