حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين بمذاهبهم بالعراق كافة، كوجود سكاني بين النَّهرين، إلى ما قبل الدِّيانة نفسها، فالغالب مِن سكنة العراق القديم، من أكديين وبابليين وآشوريين، وكل الحضارات التي سادت بالمكان، تحولوا إلى المسيحية، بفعل المبشرين الأوائل. وغدوا اليوم على المستوى القومي، كلدان وسريان، فهذا مترجم كتاب «الفلاحة النَّبطيَّة»، ابن وَحشِيَّة، المدون بلغة قومه النبط الكلدانيين، أفاد أنهم بابليون. ويؤكد الآشوريون أنهم أحفاد آشوربانيبال، وشاهدهم هو الادعاء بأصالتهم مِن أولئك القدماء، وعاصمة ديارهم نينوى، مثلما كانت سابقاً، ومنهم الفتى الذي خفف من آلام ما لقاه صاحب الرِّسالة بالطَّائف، قال له النَّبي: «مِنْ أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟ قال: نصراني. وأنا رجل من أهل نينوى» (ابن هشام، السيرة النَّبويَّة). فقد كان ابن وحشية بابلياً كسدانياً، «ومعنى الكسداني نبطي» (النَّديم، كتاب الفهرست، ولعلها الكلداني وصحّفت إلى الكسداني)، وهو من نواحي الكوفة. عدَّ له النديم في «الفهرست» حوالى ستة عشر كتاباً، أحدها في قومه النبط، وأطرفها كتاب «طرد الشياطين»، وأخرى في الأصنام والطب والكيمياء والسحر، إلا أنه اشتهر بكتاب «الفلاحة النبطية»، ترجمه من الكلدانية إلى العربية. يصل ابن وحشية إلى ذروة امتعاضه، من معاملة قومه معاملة طائفية في العصر العباسي ليقول: «والله إنَّ الغيرة على الناس تحملني على إظهار بعض علومنا لهم، لعلهم أن ينتهوا عن ثلب النَّبط، وينتبهوا من رقدتهم» (ابن وحشية، الفلاحة النّبطيَّة). واسم ابن وحشيَّة الكلداني أحمد بن علي بن المختار بن عبد الكريم بن جرثيا بن بدنيا بن برناطيا (بعد 291هـ). تنتمي عائلة أو عشيرة سافايا إلى أولئك الأوائل، مِن سكنة «تلكيف»، البلدة التي يعني اسمها «تل الحجارة»، قد يرى المهاجرون المسيحيون العراقيون، مِن هذه العشيرة، في تكليف ابنهم مارك سافايا، ممثلاً للرئيس الأميركي بالعراق، اعترافاً بوجودهم ودورهم، فلم تمح الهجرة صلتهم بالعراق، بمعنى أنه تذكير ببول بريمر الحاكم المدني على العراق، مع اختلاف الشخص والمهمة والمنصب. حتَّى الآن لم يعرف بالتحديد دور سافايا الكلداني بالعراق، هل ينوب عن الرئاسة الأميركيَّة، ويقود دورها، وفي أهم ما يريده الأميركان وهو حصر السَّلاح بيد الدَّولة، لا ميليشيات ولا أحزاب الله وكتائب وفصائل مثل بابليين المسيحي، وهنا تأتي المواجهة بين كلدانيين، ممثل الإدارة الأميركيَّة وريان الكلداني قائد ميليشيا «بابليون»، التي تمثّل المسيحيين في الحشد الشَّعبيّ، مِن دون اعتراف مِن قبل الكنيسة الكلدانيَّة، وكلاهما من الشباب ولادات الثّمانينيات (1985 و1989)، بينما استقبل جاثليق الكلدان أو بطريرك الكنيسة الكلدانية في العالم، مار لويس روفائيل الأول ساكو، مارك سافايا، ولم يعترف لريان وميليشيا «بابليون» بتمثيل للمسيحيين في الحشد الشَّعبي، مثلما يدعي زعيم الميليشيا المذكورة، بل نفى ما قيل على لسان البابا عند زيارته العراق، على أنه اعترف بريان وبارك له، لأنَّ رجال الدين لا تعنيهم السياسة.
مِن المعلوم أنَّ الجماعات الدينيَّة والعرقيَّة الأقل عدداً مع دولة مدنيَّة تقرّ بوجودهم ودورهم الاجتماعيّ والسِّياسيّ، هو ما تطرحه الإدارة الأميركيَّة على لسان ممثلها إلى العراق مارك سافايا الكلدانيّ، ويأتي إلغاء دور الزعامات المسلحة المسيحية، بقرار حصر السِّلاح بيد الدّولة، وحلّ ميليشيا ريان الكلدانيّ ضمن هذا المطلب.يقف ريان الكلداني مع إيران، وعلى نقيضه يقف مارك سافايا ممثلاً للدور الأميركيّ، فكل مِن أميركا وإيران لها كلدانوها في المواجهة بينهما، مارك وريان، الأول مِن تلكيف والثاني مِن القوش، فالاثنان مِن الموصل.لا تحسبوا قصدنا المبارزة الفعليَّة بينهما، فليس بأيديهما أدوات المبارزة ولا حلبتها، إنما أغرانا المجاز وكتبنا: سافايا الأميركي مقابل ريان الإيرانيّ.