سر التزامن بين حملة التيار الصدري على المثليين وإعصار مهسا أميني
آخر تحديث:
بقلم:سمير عادل
يسعى مقتدى الصدر بعد دخوله في حالة الرهبنة على إثر هزيمته السياسية والعسكرية في المنطقة الخضراء، وإعلان انسحابه من العملية السياسية، للزحف مجددا نحو الواجهة السياسية، ولكن هذه المرة عبر رفع لواء الحرب على المثليين، مبررا زحفه بأن هناك قضايا مجتمعية يجب التصدي لها.إنّ قضية المثليين لا تمثل أي درجة في سلم أولويات المجتمع العراقي -هذا إذا افترضنا جدلا أنها تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع كما تدعي العقول العفنة- الذي يعيش أكثر من 34 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، حسب الإحصائيات الرسمية الحكومية الأخيرة قبل أيام، بالرغم من اعتقادنا بأنَّ هذا الرقم هو أقل بكثير من النسبة الحقيقية، إذ أنَّ أرقام صندوق النقد الدولي لعام 2017 تشير إلى أنَّ نسبة من يعيشون من سكان العراق تحت خط الفقر تبلغ 40 في المئة. وهذا يعني، ومقارنة بالأوضاع الاقتصادية الحالية التي يمر بها المجتمع العراقي، بعد تخفيض العملة المحلية من قبل حكومة الكاظمي، وتداعيات وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية التي رفعت من معدلات التضخم، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وانعدام أي آفاق أمام حكومة محمد شياع السوداني لتوفير فرص العمل حيث بلغت نسبة البطالة أكثر من 31 في المئة حسب نفس الإحصائيات، بسبب عدم الاستقرار السياسي، ناهيك عن عمليات السرقة والنهب المنظم من قبل الميليشيات التي تدير دفة المؤسسات الحكومية، وغياب الخدمات وانحطاط التعليم وتدهور الوضع الصحي والخدمات الصحية، إلى جانب التغيّر المناخي، الذي لا يمكن وصفه بأقل من كارثة تعصف بالعراق على الصعيد البيئي وأثرها على الثروة الزراعية والحيوانية والحياة عموما، حيث انخفاض منسوب الأنهار إلى حد الجفاف مما أدى إلى نفوق الأسماك والماشية في مناطق الأهوار في جنوب العراق، وعلى هامش تلك المصائب هناك قصف يومي من قبل القوات التركية والإيرانية على سكان مدن كردستان.
وغرّد وزير القائد لمقتدى الصدر مجددا على تويتر، بعد أن ضاقت به أمور الدنيا والسياسة، والخوف من تهميشه وعزله سياسيا بشكل نهائي، ليعلن هذه المرة عن بدء حربٍ على المثليين، وأغرق تياره شوارع مدينة الناصرية التي تقع على بعد 330 كلم جنوب بغداد ببوسترات معادية للمثليين، وبتوقيع الحوزة الناطقة وهو العنوان الذي كان يستخدمه ويذيل به بياناته إبّان التطهير الطائفي الذي كان يخوضه جيش المهدي التابع له، وتستعمل تسمية الناطقة نكاية بحوزة النجف – السيستاني التي كان يصفها مقتدى الصدر حينها بالحوزة الصامتة.وقبل حملته على المثليين بأسابيع، أصدر الصدر عبر وزير القائد أيضا، بياناً يدافع عن الإسلام وتعاليمه، ليتراجع قليلا عن خطابه الشعبوي – القومي أو الوطني، الذي غرر به عددا من القوى السياسية التي تحصنت في الخندق الليبرالي والديمقراطي إبّان تواجد أتباعه في بناية البرلمان، لتعود تلك القوى من جديد بخفي حنين.
الفشل السياسي وانعدام الأفق عند التيار الصدري وزعيمه، والانتفاضة الجماهيرية العارمة التي تهز عرش الجمهورية الإسلامية وتدك قلاع الإسلام السياسي، وتجتاح نيرانها كل هويته الفكرية والسياسية والاجتماعية، هي وراء مساعي الصدر لاستماتته بحماية هوية الإسلام السياسي التي تعتبر حملته على المثليين ركنا أساسيا في إستراتيجيته الجديدة.المثليون لا حول لهم ولا قوة في العراق، وهم من أكثر الشرائح الاجتماعية التي تتعرض إلى التهميش والتحقير والإهانة، وليس لديهم أي سند سياسي أو حتى اجتماعي يستندون عليه، وتحاول القوى الإسلامية والرجعية الإبقاء على حالة المثليين بحصرها في دائرة النوازع الأخلاقية والرغبات الشخصية، وإبعاد صلتها بالعلم، معزين بالتالي المثلية الجنسية إلى الانحراف الأخلاقي، الذي هو في الحقيقة انحراف عقول الذين لا يريدون على الأقل فتح نقاش علمي حول قضيتهم، ويجدر بالذكر أنَّ منظمة الصحة العالمية أخرجت المثلية من خانة المرض النفسي والشذوذ الجنسي منذ عام 1990، كما أنَّ المثليين لا يختلفون عن اللاجنسيين الذين ليس لديهم انجذاب لأي جنس، إلا أن هؤلاء بعيدون إلى حد الآن عن أهداف الإسلام السياسي، أي بعبارة أخرى أن المثلية لا تتعلق برغبة الشخص واختياراته، إنَّما هي مرتبطة بمسألة بيولوجية خارجة عن خيارات البشر وإرادتهم، بيد أن القوى الإسلامية تعتز بجهلها وأميّتها وتجاهلها للحقائق العلمية لأنَّها تنال من وجودها الفكري والسياسي، الذي مصدره الأمية والجهل، وكما هو واضح في أعضاء البرلمان العراقي الحائزين على شهادات إما مزورة أو صادرة من جامعات خارج السجل العلمي العالمي وغير معترف بها.
هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها التيار الصدري إلى المثليين، وإنَّ موقف مقتدى الصدر من المثلية لا يختلف عن مواقفه التي تعتريها التخبطات السياسية، فبعد هزيمة جيش المهدي في صولة الفرسان في ربيع عام 2008 على يد نوري المالكي عندما شغل منصب رئاسة الوزراء، بدأ جيش المهدي أو لنقل أتباع الصدر بتنظيم حملة على “الإيمو” متهمين إياهم بالمثلية، وخاصة في مدينة الثورة وقاموا بتهشيم رؤوس عدد من الشباب بالبلوكات الإسمنتية. وقبل ست سنوات أدلى الصدر في أغسطس عام 2016 بتصريحات مفادها “عدم استخدام العنف ضد المثليين والاكتفاء بمقاطعتهم”، وقد أشادت منظمة هيومن رايتس ووتش بموقف الصدر حول المثليين. واليوم وبعد هزيمة كل صولاته وجولاته للانفراد بالسلطة السياسية تحت يافطة تشكيل حكومة الأغلبية، واشتعال شرارة الانتفاضة في إيران ضد كل ما هو إسلامي، عاد الصدر من جديد ليعلن حملته السياسية على المثليين عبر تغريدته بأنَّه يناصبهم العداء، والذي يتزامن مع تقديم مسودة قانون في البرلمان تجرم المثلية في العراق من قبل القوى الإسلامية التي تشترك بهوية فكرية وسياسية واجتماعية واحدة مع التيار الصدري.
إن التيار الصدري وعموم تيارات الإسلام السياسي في العراق وفي المنطقة بل وحتى العالم تعيش أحلك أيامها إزاء ما يحدث في إيران، ويحاول التيار الصدري إعادة إنتاج وجوده من خلال إعادة إنتاج عناصر الأسلمة في المجتمع، ومن خلال العداء لأكثر الشرائح الاجتماعية تهميشا وضعفا في المجتمع، لأنه فشل في مقارعة منافسيه على السلطة والذين يملكون السلاح وعناصر أكثر من الميليشيات، بينما المثليون ليس لديهم ميليشيات مثل عصائب أهل الحق والخرساني وحزب الله وبدر والقائمة تطول في عراق الميليشيات، وتُعدّ ومن جهة أخرى بالنسبة إلى التيار الصدري فرصة للعودة إلى المشهد السياسي، والحفاظ على ماء وجهه بعد فشله في تقويض نفوذ إخوته التوائم في بيته الشيعي، وانزواء تياره إثر تشكيل حكومة السوداني رغما عن إرادته.
إنَّ أقل ما يقال عن الصدر والبرلمان العراقي إنهما حقا يستحقان الشفقة، وإنّهما لا يحسدان على حالهما بسبب ما يحدث في إيران، فإعصار مهسا أميني بعد ضربه لإيران، فإن وجهته الجديدة ستكون العراق وكما ستضرب بقوة المنطقة وحتى العالم.وفي واقع الحال فإنَّه ليس أمام الإسلام السياسي سوى خيارين: إمّا أن يحني رأسه أمام ذلك الإعصار حتى انكسار رقبته، أو مقاومة التغيير كما يفعل الصدر وعائلته الطائفية في بيت الإسلام السياسي الشيعي في البرلمان، وكل ذلك دون جدوى.