زكي رضا
على الرغم من أن عمر وباء المستشارين يعود الى أيام الاحتلال البريطاني للعراق وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة تحديدا، ذلك الذي جاء لتعزيز مفاصل الدولة الناشئة لأنعدام الخبرة السياسية والادارية لحكام ذلك العهد حينها الا ان عدد المستشارين كان تقريبا بعدد الوزارات العراقية أو اكثر بقليل. وكان المستشارون كلّهم من الأنكليز ومن الذبن على درجة عالية من الكفاءة الادارية التي ساهمت أفكارهم وأستشاراتهم بتشكيل اللبنات الاولى لدولة ذات مؤسسات نفتقدها اليوم، وكانوا هم الذين يديرون الوزارات التي يعملون فيها ما دفع الشاعر المتذمر دوما من سوء أوضاع بلده ، أي الرصافي بكتابة قصيدة هاجم فيها الوزراء الفاسدين بالعهد الملكي جاء في بيت منها:
المستشار هو الذي شرب الطلا …. فعلام ياهذا الوزير تعربد ُ
وفي العهود الجمهورية كان لرؤساء الجمهورية والمسؤولين الكبار في الدولة كرؤساء الوزراء والوزراء مستشارين يستشيرونهم في امور ذات أختصاص ، إذ كان هناك مستشار مالي وآخر ثقافي وأعلامي وعسكري وهكذا، وهؤلاء كانوا ايضا على عدد الاصابع ولم يكن الشارع يعرفهم كما المستشارين في البلدان الغربية، لأن ثقافة الأستشارة لم تكن ولليوم في العراق ثقافة سائدة عند أهل الحكم فالمسؤول في العراق وخلال كل العهود هو ربّ أعلى ولم نسمع يوما أن يكون للرب مستشارا. كما كان مستشارو العهود الجمهورية على ما يبدو من الكفاءات لحدود بعيدة ومن مختلف الحقول ، ما ساهم في دفع عجلة التطور على الرغم من عدم معرفة الشارع العراقي بهم كونهم يعملون بالظل لاسباب عديدة منها بالطبع نرجسية الحكام في عدم الظهور بمظهر من يطلب استشارة أو عون ما من أي شخص آخر.
لكن الذي حدث بالعراق بعد الأحتلال 2003 هو أن وباء المستشارين قد ضرب المؤسسة السياسية بعنف فبدلا من أن يكون عدد المستشارين على عدد الاصابع مثلما كان طيلة عهد العراق الحديث، نرى أن عددهم يتزايد بأستمرار حتى أصبحوا جيشا كاملا تضيق بهم الرئاسات الثلاث ووزارات ودوائر الدولة والسفارات والهيئات العراقية خارج البلد. وبدلا من ان يكون المستشارون كما في أي بلد يحترم شعبه من ذوي الكفاءات ومن الذين يحتاجهم ذلك المسؤول فعلا، نرى غالبية المستشارين هم من الابناء والاصهار والاقارب والحزبيين من الدائرة الضيقة وأغلبهم من الفقراء فكريا وسياسيا أضافة الى فقرهم المهني والعلمي.
لقد خطا السيد العبادي منذ توليه رئاسة الوزراء خلفا لرفيقه وقائده في حزب الدعوة بعض الخطوات التي اعتبرها الشارع العراقي ، اولى الخطوات لبناء نظام مؤسساتي يعتمد الكفاءة بعيدا عن الهيمنة الحزبية ولعبة المحاصصة. فبعد الغائه لمكتب القائد العام للقوات المسلحة كنا نتوقع من السيد العبادي أن يعمل وهو يرث ميزانية خاوية من المالكي أن يبدأ بترشيق مكتبه على الاقل والعراق يمر بأزمة مالية نتيجة هبوط أسعار النفط وأنهيار القطاعين الصناعي والزراعي، عن طريق تقليل عدد الطاولات التي يحتلها العاطلون عن العمل ذوو الرواتب الخيالية ، أي تقليل عدد المستشارين ، فهل قام السيد العبادي بهذه الخطوة أم أن مكتبه تلوث هو الاخر بوباء المستشارين الذين تمت أضافتهم الى عدد غير معروف من المستشارين الذين ورثهم من نوري المالكي؟
لقد أصدر السيد العبادي قرارا صائبا جدا عندما ابعد وكيل أقدم وزارة الداخلية “عدنان الأسدي” والمحسوب على فريق المالكي بعد عشر سنوات من مهمته التي فشل فيها بأمتياز ومعه طاقم من العسكريين والامنيين لا يقلون عنه فشلا، وبدلا من أن يحال هذا المسؤول على التقاعد في أحسن الحالات أو تقديمه للمحاكمة لما سبّبه من دمار في المؤسسة الامنية ذهب نتيجتها ضحايا تقدر بمئات الالاف، نرى السيد العبادي وعلى خطى المالكي ومعصوم وغيرهم قد عيّن هذا المسؤول الفاشل مستشارا له، وبالطبع سيكون الاسدي مستشارا أمنيا للسيد العبادي كونه كان على رأس أهم وزارة أمنية بالبلد لعشر سنوات عجاف.
هنا علينا ان نسأل السيد العبادي عن نوعية الاستشارات التي سيقدمها عدنان الاسدي له وهل من الممكن الاخذ بها أو التعويل عليها؟ هل يعرف السيد العبادي “يعرف بشكل جيد” أعداد التفجيرات التي حدثت خلال السنوات العشر الماضية، وكم هم اعداد ضحاياها؟ لو فرضنا ايها السيد العبادي أن هناك ثلاثة تفجيرات فقط يوميا في كل العراق حينها سيكون عدد التفجيرات في عهد الاسدي المعزول هو ” 10950 ” تفجيرا خلفت عشرات آلاف القتلى ومثلهم من الجرحى على الاقل ، مع ما سببته من دمار في الممتلكات والبنى التحتية. والاسدي هذا بشخصه وصفته الادارية وثقله في وزارة الداخلية يعتبر مسؤولا عن استيراد لعب أطفال بمئات ملايين الدولارات على أنها أجهزة كشف متفجرات ليذهب ضحيتها الالاف من الابرياء نتيجة ضلوعه في احدى اكبر عمليات الفساد التي نخرت وتنخر البلد. والان ايها السيد العبادي بماذ ستستشير عدنان الاسدي الذي عينته مستشارا لكم؟ بالحد من الارهاب وهو الفاشل بمحاربته بأمتياز، أم بشراء أجهزة فعالة لكشف المتفجرات ، ولماذا لم يشتريها عندما كان صاحب القرار!؟.
أنكم ايها السيد رئيس الوزراء بتعيينكم “عدنان الاسدي” كمستشار عندكم ضربتم اولى النوايا الحسنة التي توفرت عند البعض حول جديتكم بمحاربة الفساد. فهل ستعيد شيئا من هذه النوايا بأبعاده وأمثاله من مكتبكم عن طريق ترشيق “المكتب” ، والبلد يمر بأحلك ظروفه والنازحين يملأون مدارس وشوارع مدنه وبلداته وقراه ؟