شاكر الجبوري
أثبتت المعطيات و النتائج أن ايران ليست راغبة بعلاقات متوازنة مع العراق، فمنذ خمسينيات القرن الماضي و الثقة معدومة بين الجارين لاعتبارات ايرانية بالمقام الأول، فقد تغيرت في العراق جمهوريات كثيرة، لكن الحال ظل من بعضه، تدخل و تهديد و محاولات هيمنة بطرق مختلفة، ما يحتاج الى تفسير لا مشاهدة، خاصة وأن الجميع توقع علاقات متميزة ما بعد احتلال العراق، لكن الأمور جاءت بعكس ذلك ، حيث ما زال الخوف من الهيمنة و بسط النفوذ يطبق على قلوب الجميع، انطلاقا من تصورات ايرانية غير دقيقة، فلو تم اجراء استطلاع للرأي بصفوف العراقيين من كل الاتجاهات سنجد أن غالبية من المواطنين ترفض التمدد الايراني برغبة الاستحواذ لا التفاهم على المصالح.
وفي هذا السياق فان القضية لا تتعلق ببموقف شخصي أو نظرة متشائمة بل قراءة متواصلة لطبيعة ردود الأعال العراقية، فكل ما يأتي من شرق البلاد يُنظر اليه بنوع من الريبة، بينما كان الصحيح عكس ذلك لو صلُحت النوايا الايرانية، بحكم التواصل الجغرافي و الاقتصادي و الشعبي، مع التأكيد على أن شيعة العراق يتنفسون برئة عربية لا تقبل التجزئة، ليس كرها بايران و انما اعتزازا بانتمائهم القومي، هكذا ولدوا و على هذه المفاهيم تربوا، ما يضع بعض المفاهيم و التصورات القادمة من الشرق في دائرة الاتهام.
ومن هنا لم تُطرب مسامع العراقيين بعض التسريبات الايرانية الأخيرة المتعلقة باعتبار العراق عاصمة للامبراطورية الايرانية أو دمجه معها ضمن ثوابت تاريخية و اجتماعية، فهناك من أعتبرها قفزا على الحقائق و مرفوضة، بينما استنكرتها الحكومة العراقية معتبرة أن سيادة العراق خطا أحمر، وذلك قبل أن يأتي خبرا ايرانيا صاعقا من وكالة شبه رسمية طالب رئيس تحريرها، حسن هاني زاده، العراق بترك ما وصفه ب”العروبة المزيفة”و الاتحاد مع ايران بثقافة جديدة قريبة من الواقع الديموغرافي والمذهبي في العراق، بمعنى أصح يريد زاده الغاء الواقع العراقي الحالي و تقسيمه بالطريقة الطائفية التي تريدها ايران، بينما يشترك العراقيون بعشق كبير لوطنهم و حنين عميق لأخوتهم، التي لا علاقة لها بتصورات طهران أو واشنطن وأنقرة و غيرها من العواصم التي تنظر الى هيبة العراق من ثُقب باب مصالحها الاستعمارية.
لم تجتهد ايران كثيرا للتخفيف من هواجس العراقيين بخصوص ما يصدر عنها من مواقف أو تفسيرات تخص بلادهم ، ما يضع سياستها في دائرة الشك و الريبة، بانتظار ما سيسفر عنه تدخلها في صلاح الدين و قدرة مستشاريها على منع الخروقات تحت أي مسمى، و بما يمنحها دائرة نفوذ جديدة شرط الخروج من دائرة الهيمنة، لأن العراقيين يقبلون بالصداقة الحقيقية و يرفضون السياسات المبطنة، وهي مسؤولية يجب على الحكومة و النواب التعامل معها بنشاط لا تطييب خواطر، فمن الخطير جدا أن تؤسس مرحلة الحكم الحالية الى تقسيم العراق أو استباحة سيادته بطريقة مشابهة لبعض الطروحات الإيرانية غير المتوازنة.
العراقيون يعرفون جيدا عدم قدرتهم على تغيير الجغرافيا و تاريخ العلاقات مع ايران، فهناك تداخل في المصالح و النفوذ، وهناك آواصر اجتماعية، بالمقابل يتباهي العراقيون بانتمائهم الى آهل بيت رسول الله عليهم السلام، وليس من الصحيح اقحامهم بمشاكل بسبب هذا الولاء لأن الدول العربية و الاسلامية تتزين بهذا الانتماء، الذي تريده بعض الأصوات الايرانية ،”الغاصة” بكراهية استقرار العراق، تريده معول هدم لأخوة العراقيين و العرب، بينما يصفه العراقيون بجسر تواصل مستديم ، لذلك يصف دبلوماسيون غربيون الضغط الايراني تصورا مغالطا للواقع العراقي و يمثل سكب زيت على نار بعض الخلافات لتأجيجها خارج مصلحة العراق و آهله، بينما يبحث العراقيون عن
استراحة محارب طويلة لمسح دموع الأطفال و تضميد جراح الجميع ، سيما وأن سلاح الفتنة لا يميز بين مذنب أو بريء، بغض النظر عن الانتماء المذهبي أو العرقي، تلك المغالطات التي كسرت ظهر العراق الواحد و زعزت من السلم الاجتماعي دون أن تمزقه بحكمة العزيز القدير وخوف العقلاء من أعمدة البيت العراقي، ما يضع على القيادة الايرانية واجب اعادة توجيه البوصلة صوب العراق للخروج من متاهة السلطة و النفوذ لصالح علاقات مستقرة يتكفل فيها الطرفان بتجذير الانسجام ضمن مفهوم السيادة المشتركة دون غيرها، لأن العراقيين يرفضون بالفطرة الهيمنة و التسلط و العمالة، ويكرهون الترويج للحرب الطائفية بعد انهيار داعش و أخواته !!