نظام الحكم في العراق فريد من نوعه على مستوى العالم ، سياسيون يعترفون بجرائمهم وتقصيرهم وفشلهم على مستوى كارثي ، ولا يزالون متشبثون بالكراسي ، نظام يغلب عليه طابع العصابات والمافيات ، بشكل لا يجرؤ أكبر رأس في الدولة مجرد نقدها ، الجميع ينتقد المحاصصة ويصفها بأنها مقيتة ، ومنها الأحزاب والتيارات (المقيتة بنظر الجماهير) ، لكن إن أحسّت تلك المكونات أن ثمة تهديد لمصالحها في حصتها من السرقات أو الإستئثار بالمناصب، فستطلق بضع قنابر هاون ، أو كم صاروخ كاتيوشا على محيط المنطقة الخضراء أو المطار ! ، هكذا تدوّر الجريمة في البلد ، ولا يجرؤ أي سياسي مهما علا شأنه ، أن يسمي هذه الميليشيات بالأسماء ! ، السيد العبادي كان يقول (البعض) ، أما السيد عادل عبد المهدي ، فحدّث ولا حرج ، خصوصا وأنه إختار النوم الطوعي ، حتى وسط لهيب الأزمات ..
ثم ما حكاية عشرات الحرائق ، فلا يمر يوم دون حريق في محصول زراعي ، الإعلام يضع اللوم على داعش ، أو تماس كهربائي في الأرض الزراعية ، ولا ندري ما الغرض من خط كهرباء وسط مزارع القمح ! ، لكن مَن أدخل داعش ؟ من أضاع نصف البلد ، مَن سلّمهم معدات عسكرية وأسلحة وعجلات بمليارات الدولارات ما كانوا ليحلموا بها من (غنائم) الجيش المهزوم ؟ .
نحن نعلم أن ثمة مستفيد (حكومي بإمتياز) وفي كل زمان ومكان من حرق المحاصيل للإبقاء على حاجتنا لأستيراد القمح ، وفي كل الأحوال ، فإن من يقف وراء ذلك لا يعرف الله ، كونه يحرق نعمة حباها الله على عبده ، وما لم يحترق أطعموه للطيور ، يا لرفق هذه الحكومة بالحيوان ، بعد أن شحّت على إنسانها !.
ثم ما سبب توقيت إندلاع العمليات العسكرية بين داعش والحشد الشعبي بعد تصاعد الإدانات ضد فصائل منضوية (عنوة) تحت مظلته بسبب دوره الواضح في قمع ثورة تشرين الشبابية ، وإرتكابه للمجازر والتغييب ضد الثوار ؟ ، أين الجيش وما هو دوره ؟، كل ذلك لتلميع صورة الحشد (الحكومي) الذي تلطخت أيديه بدماء الثوار الشباب ، ذلك الحشد الذي أفرقه عن الحشد الشعبي المنبثق عن فتوى (الجهاد الكفائي) ، الضرورة القصوى في وقتها ، الذي للأسف كان طوق نجاة لميليشيات وأحزاب وتيارات كانت وما زالت تهدد قيام دولة مدنية مستقرة ، بل لن تكون هنالك بارقة أمل في بناء بلد مستقر دون إقصائها نهائيا عن الساحة ومحاسبتها وسوق أعضائها للقضاء فردا فردا .
خيبة الأمل الكبرى ، تلك التي حدثت بعد إستبشارنا خيرا بتصريح السيد الكاظمي بملاحقة المسؤولين عن قمع الثوار ، وها قد مرّ ما يقارب الشهر على إستلام السيد الكاظمي لمهامه ، ولا شي ! ،وفي ذلك مصيبة كبرى ، فإما أن السيد الكاظمي لا يمتلك أوليات عن التحقيق لأنه لم يُفتح أصلا في عهد (النائم طوعيا) عبد المهدي ، وفي هذا إستخفاف إجرامي بدماء الشباب رغم مرور عدة شهور على الجرائم الكبرى ، أو أن التحقيق جارٍ لكنه متلكىء إلى درجة التوقف ، رغم وجود أدلة دامغة وصارخة على المتورطين ، ورغم كون أعداد الشهداء قد تجاوز أضعاف جائحة كورونا ، لكن يبدو أن الرجل هو الآخر لا يقوى ولا يجرؤ عن الإفصاح عن المجرمين ، وفي هذه الحالة لا يختلف قيد شعرة عمن سبقه في الفشل والفساد والضعف وإنعدام الهيبة ، ولا يمتلك الحدود الدنيا من الحزم والإصرار على محاربة الفاسدين وقطع دابر العمالة والمقاتلين بالوكالة ، ولا يوجد تفسير سوى أن الحكومة متواطئة معهم ، أنهم المسبب المباشر لديمومتها ، فلو لُبّيت مطالب الثوار فعلا ما وجدنا أي من الوجوه الكالحة القبيحة بأجمعها على سدة الحكم ، نعم أن مطلب الشعب الأول هو كلا للأحزاب ، من هنا نلاحظ أن داعش والحكومة تسدي إحداهما الأخرى خدمات لاتُعد ولا تحصى فهما الجائحتان الحقيقيتان، كان الله في عوننا ، فكل العالم منبرٍ لمواجهة جائحة واحدة ، لكننا نواجه دون مقومات ثلاث جوائح !.