يبدو أنَّ الاتفاقات بين الحكومة العراقية والخزانة الأميركية لتقليل تَعرُّق البنك المركزي للبلاد بالدولارات الأميركية المُهرَّبة خارج الحدود ما زالت غير مُتحقِّقَة، بسبب نقص الغطاء الأخضر التنفيذي، للحكومة. إذ أن هناك كما يبدو موجة تهريب حارَّة تضرب البلاد منذُ مارس الماضي دفعت المواطن للجوء إلى البنك المركزي العراقي، على اعتباره المشفى المُتخصّص والوحيد لعلاج آثار ضربة العُملة الخضراء.
الدولارات تسافر بدل المواطن
عمر نوري، واحد من هؤلاء اللاجئين؛ الذين تشتري جهات مجهولة الدولار الأميركي باسمه. نوري الذي يُفاخِر باتباعِ سلوكٍ مستقيم في بلادٍ تُعاني من انحناءات في تنفيذ القوانين، أخبرني عن كيفية اكتشافه لإصابته بضربة دولارية مجهولة “كُنت أُريد أن أُسافر إلى الخارج فاكتشفت أن هناك من اشترى دولارات باسمي”.
اللطيف أنَّ نوري، وهو مهندس يعمل في إحدى الوزارات العراقيَّة، بيَّن فشل محاولاته للحصول على سترة واقية من الجهات المختصة تقيهِ وصديقه المفروض عليه جورج واشنطن من الهجمات المجهولة “اتصلت بالأمن الوطني، جهات أمنيّة مختلفة، وحتى ذهبت إلى مركز الشرطة. الجميع أخبرني بأنهُ لا شأن لنا بذلك. اذهب إلى البنك المركزي”.
وسط هذا النقاش، الساخن بحرِّ يوليو، وعرق الدولار الأميركي على اللسان، يدخل المدعو علي “ساونا” النقاش بتخفيفه نوعاً ما من آثار بيع ما أصِفهُ بـ”الأعضاء الدولارية” لنوري “أحصل على اسم شركة الصيرفة التي استخدمت جوازك لشراء الدولار واذهب إليهم فهم سيعوضونك ببيعك 2000 دولار بالسعر الحكومي”.
يردُّ نوري عليه “يرفضون إعطائي أيّ معلومات والآن أقوم بملء استمارة، زعم البنك المركزي بأنها ستوقف استغلال تلك الجهة المجهولة لأسمي لشراء الدولار”.
قبل المضي قُدُماً في رحلة مطاردة الأرنب، في قُبعة الدولة العراقيَّة، لا بدَّ من تفسير مصطلح الأعضاء الدولارية. هي “أعضاء مُتخيَّلة من حاجة المواطن للسفر، العلاج، وشراء بضائع”. هكذا ولعلاقة هذه الأعضاء بـ: المستقبل، البقاء، وكفاح المواطن ضد الشروط الاقتصادية الصَّعبة التي تعيشُها البلاد؛ فإنَّ تجارة بيع الأعضاء الدولارية من قبل شركات الصيرفة والتحويلات الماليَّة تضع رقبة المواطن في أنشوطة العقوبات الدولية، بديلاً عن رأس السياسات الحكومية الفاشلة.
هنا نُعلم القارئ بأنَّ البنك المركزي العراقي، قد أصدر الجمعة بياناً أعلن فيه رفع حصة المواطن الواحد، لشراء الدولار الأميركي، عند سفره إلى الخارج، من 2 – 3 آلاف دولار أميركي. و جاء بيان المركزي، بعد توجيه أسئلة إليه الخميس، لكنه لم يقم بالرد وإلى حين نشر هذه القصة الصحفية. علماً بأن سعر صرف الدولار الواحد، هو 1320 دينارا عراقيا، بينما يصل سعره حالياً إلى ما يُقارب 1500 في السوق غير الرسمية.
الدولار يحج بدل المواطن
البنك المركزي العراقي، قد أصدر الجمعة بياناً أعلن فيه رفع حصة المواطن الواحد، لشراء الدولار الأميركي، عند سفره إلى الخارج، من 2 – 3 آلاف دولار أميركي،
يخشى نوري؛ الذي يبقى جسده في البلاد، وتُمارِسُ روحه السفر حول العالم، بحسب كمية الدولارات التي تُشترى باسمه من جهاتٍ مجهولة، أن يُصبح متهماً بعدَّةِ أمور، منها “تمويل الإرهاب، غسيل الأموال”. الحاجّة أم علي، ولنسمّها هكذا تيمُّناً باسم أحد أولاد شقيقاتها، تخاف من الفساد المنتشر في البلاد، والذي أضفى الأكاديميون، على أحد أهم أنواعه مصطلح “الفساد المقبول سياسيا”. هذا المصطلح وبأبسط تعبير ممكن هو الغراء الوحيد الذي نجح بلصق النظام السياسي لما بعد 2003، والذي جاء في عبوة الغزو الأميركي.
الحاجّة أم علي، كشفت شراء دولاراتها من جهة مجهولة أيضاً. تعريفُها للجهة المجهولة وببلورةٍ مشتركة منّا نحنُ الاثنين “واجهة فضائية لمافيات الفساد التي تتحكم بسوق العُملة الصعبة”. وعن سبب حاجتها لشراء الدولار، قالت “كنتُ في حاجةٍ إليها لكي أقوم بالحج إلى بيت الله الحرام”. الحاجّة تساءلت “هل هناك أيّ فائدة من الحديث عن الفساد. هل سيُغيَّر ذلك شيئاً؟”.
الحاجة صبرية فنجان، ساءلت الجهات المختصة عبر سؤالي “ابني، لماذا يقومون بذلك.. ألا يخافون الله”.
سيَّد علي مع آخرين رفضوا الكشف عن أسمائهم، اتهموا “شركات السياحة عموماً ببيع النُسخة الضوئية لجوازات سفرهم إلى شركات الصيرفة والتحويلات المالية”. لكن نوري طرح سؤالا مهما “المفترض أن من يحصل على الدولار بالسعر الرسمي للدولة، يكون قد سلَّم حقائبه، وأصبح في قاعة المغادرة.. إذاً كيف تقوم تلك الجهات بشراء الدولار؟”. يقترح المهندس نوري هذه الإجابة العمومية “إنَّ من المؤكد أن مسؤولين كِبارا هم من يقومون بتسهيل ذلك”.
الجدير بالذكر أننا قد وجَّهنا أسئلة إلى كُلّ من وزارة الداخلية العراقية، وجهاز الأمن الوطني، لمعرفة مسؤولياتهم فيما يخص مراقبة الجهات والأفراد الذين يتعاملون بالدولار الأميركي، لكن لم تردنا وإلى حين نشر الموضوع أيّ إجابات.
نشر البنك المركزي في بيانه الجمعة بأنَّ المواطن سوف يحصل على حصَّته من الدولار الأميركي، قبل ثلاثة أيّام، بعكس سياسته التي تقتضي تسليم المواطن حصَّته من الدولار في المطار، وذلك بحسب تقريرٍ صحفي، نشرته إحدى الصحف العربية في أبريل الماضي.
البنك المركزي العراقي، والذي استعرض إعلامياً، ولأكثر من مرَّة، العلاقة الصَّحية بينه وبين الخزانة الأميركية، وتقدُّمِه في معالجة تهريب الدولار، باستخدام نظام “النافذة الإلكترونية”، لبيعه، بحسب اشتراطات الفيدرالي الأميركي، يخصص ما يُعرف بـ”المُراسلة الخارجية”، وهي أحد أقسام المركزي، لاستقبال شكاوى ومقترحات المواطنين، إضافة إلى استلام ردود المركزي الرسمية، كردٍّ على الجهات والأفراد، بشكلٍ عام.
يتميز هذا القسم بواجهة زجاجية، مفتوحة من الأسفل، بمستوى أقل من مستوى رُكبة القدم، مما يضطر الشخص للانحناء دائما، لكي يواجه الموظف المسؤول. الكرامة الإنسانيَّة للمواطن العراقي، عموما، سفينة فضائية، لا تتقن الهبوط في مؤسسات الدولة العراقية، التي يقودُها نظام ما بعد 2003.
هذا العضو التواصلي في جسد المركزي، مسؤول أيضا عن تزويد المتضررين من المواطنين، باستمارات، يؤرِّخون فيها، فقط، التواريخ التي اختلِست فيها، الدولارات الخاصَّة بهم. بعض الأشخاص الذين رفضوا الإدلاء بأسمائهم، بيَّنوا “وعدونا فقط بإيقاف استغلال اسمنا من قبل هذه الجهات، ورفضوا تزويدنا بمعلومات عنها”.
مصدر آخر، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أشار أيضا، إلى أن هناك جهاتٍ مجهولة عرضت عليه “شراء النُسخة الضوئية لهوية الأحوال المدنية العراقية الواحدة، بسعرٍ يتراوح من 20 – 40 ألف دينار عراقي”. لم يستطع المصدر تفسير تفاوت سعر الشراء. لهذا أجد أن اقتراح التفسير التالي ربّما يكون مفيدا: هوية الأحوال المدنية للشخص الذي يُسافر كثيرا ستكون هي الأغلى لأنها تُتيح مرَّات شراء/اختلاس أكبر”.
المُفارقة أنَّ هذه العملية بدأ التحضير لها فورا مع اضطرار بعض شركات الصيرفة لتعويض المواطنين ببيعهم الدولار بسعرٍ رسمي، كـ”بدل اختلاس” لحصَّتهم الدولارية في وقتٍ سابق، والتي من المؤكد أنها ستكشف أنَّ النظام العراقي الحالي، هو “نظام نور زهير” مع عدم إيقاف التنفيذ! وزهير هو أشهر المتورَّطين في ما بات يُعرف عراقيا بصفقة “فساد القرن”؛ التي خففت ثقل ميزانية الدولة العراقية، من مليارات الدولارات الأميركية!