بسم الله الرحمن الرحيم
هناك الكثير من التعاريف حول مفهوم القيادة من أبرزها إمكانية التأثير على الغير وإستمالتهم من ثم دفعهم للإنضواء ا تحت لواء القائد لتحقيق هدف ما. ومنها توفر الإمكانية عند الشخص لجمع عدد من الأنصار وتحفيزهم ماديا أو معنويا لنصرته. ومنها قبول الناس للإنقياد تحت من تجد إنه يمثل إرادتها وقادر على تحقيق أهدافهم بعض النظر عن تلك الأهداف وطبيعتها. كذلك فن التعامل مع البشر، وتوحيد إرادتهم وتوجيههم لتحقيق هدف مشترك؟ وهذا يعني إن عناصر القيادة هي القائد، الأتباع، والخطة(الأهداف والوسائل). وهذه تهي نواة كافة القيادات الدينية والإدارية والعسكرية والسياسية.
أما وظائف القيادة فقد أتفق معظم الخبراء بأنها لا تتعدى التخطيط، التنظيم، التوجيه، الحوافز، الإتصالات، الرقابة، النتسيق، صنع القرار، العلاقات العامة، الشؤون المالية، الإستشارة. أما مواصفات القائد فهي القوة، التأثير الإيجابي في المقابل(النفوذ). القدرة على التصرف العقلاني، تحفيز الآخرين على الإستجابة له. كسب إحترام الآخرين. تأمين الإتصال بالآخرين. ومن المعروف أن انماط القيادة هي ثلاث الديمقراطية، الدكتاتورية، اللاموجهة. ومن هذا الموجز نستنتج بأن القيادة بشكلها العام هي بوتقة تجمع عدة مفردات أبرزها الفن، المهارة، الخبرة، المعرفة، المرونة، التعقل الإنضباط، وأخيرا القابلية على الإبتكار والإبداع. ولو طبقتا هذه المواصفات على الزعماء الحاليين في العراق من صنائع الإحتلال، سنجد إنهم بلا إستثناء يفتقرون إلى أبسط مقومات القيادة الناجحة، بل إنهم يمتلكون كل مستلزمات القيادة الفاشلة، إن وضع العراق الحالي العليل الذليل هو أفضل شاهد و دليل.
لو أخذنا الرئيس السابق جلال الطالباني لوجدنا إنه زعيم ميليشيا وله خبرة طويلة في الإجرام وسوف لا نطيل الحديث عنه من منطلق إذكروا محاسن موتاكم، ولكن لعدم وجود محاسن فإننا سنتركه مع الباري عزُ وجل فهو الأولى بالقصاصمن الأموات. لكن بصورة عامة يمكن القول بأن هناك فرق كبير بين الرئاسة والقيادة. الرئيس يعتمد على سلطته، والقائد على ثقته بالآخرين. الرئاسة منصب تشريفي، والقيادة عمل تضالي. الرئيس يتكلم بصيغة أنا النرجسية، والقائد يقول أنتم بتواضع. الرئيس يفرض رأيه على الأخرين، والقائد يأخذ برأي الآخرين. الرئيس فوق الجماهير، والقائد مع الجماهير. الرئيس يفرض والقائد يشاور.
من الجدير بالإشارة إن الحزب الذي يقوده الرئيس(الميت الحي) قد فشل فشلا ذريعا في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في كردستان العراق. فقد حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني على (42) مقعدا. وحركة التغيير (المعارضة) بزعامة نشيروان مصطفى على(22) مقعدا، فيما نال الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني (18) مقعدا فقط. وأعتبر قادة الحزب إن هذه النتيجة المخيبة لهم، كانت مفاجأة وصدمة حادة وإنهم سوف يتدارسون أسبابهاـ ولكن بعد خراب السليمانية(المحسوبة والمحسومة لصالح الإتحاد الوطني)! ولا نفهم سبب الصدمة عند القياديين فالنتيجة معروفة سلفا لكل من له بعد نظر في الحياة السياسية والحزبية. لقد غش الحزب جماهيره وأخفى عنهم موت زعيم حزبهم، والغش يعكس حالة من التشرذم الحزبي وعدم إحترام الناخبين. كما إن مسيرة الطالباني كرئيس للعراق كانت مرة المذاق لم يستسيغها لا الاكراد ولا العرب. ولو كانت قيادة الحزب الفهيمة قد أعلنت وفاته لربما كان وضعها أفضل بكثير، وتمكنت من إستثارة مشاعر الأكراد وتفاعلهم الإيجابي مع الحدث، لكن الحزب ضيع الفرصة على نفسه، والأولى به أن يأتلف مع حزب الحمير.
أما رئيس البرلمان إسامة النجيفي فإنه رجل دخيل على السياسة والقيادة معا ولا يعرف أبجديتهما، فهو شخص أمعي ضعيف الشخصية، لا سلطة له على مرؤسيه. ذليل يهان من قبل النواب والنائبات ويبلع الإهانة بجرعة ماء جزا أن ينضب عرقا. غير قادر على إدارة جلسات البرلمان ولا يصلح لإدارة روضة وليس مجلس نواب. إن ن ضعفه القيادي وشخصيته الضحلة كانت سببا رئيسا لتنامي قوة المالكي الذي أخذ يسحب البساط من تحته وبقية النواب فسقطوا على مؤخراتهم المتهالكة الواحد تلو الآخر. السلطات الثلاث الفعلية بيد المالكي ومن يظن إن المالكي يحتكر منصب رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني وبقية الأجهزة الأمنية فقط، فهو على وهم كبير. كما إن النواب من غير كتلة المالكي مجرد أصفار يسار المالكي وليس يمينه فلا قيمة لهم. إنهم رهينة المالكي وبالتالي رهن إشارته حتف أنوفهم رضوا أم أبوا. لقد أثبت المالكي في تعامل مع خصومة وأنصاره أيضا بإنه رجل ملفات وليس رجل مهمات.
إن جميع البرلمانيين متورطون في ملفات الفساد إبتداءا من رأس الأفعى إلى الذيل. والمالكي يستغل تقاط ضعفهم بالرغم من إنه يفوقهم فسادا، وهو يلوح بين آونة وأخرى بفايلات الفساد لكل من يجرأ منهم على الوقوف في وجهه. كما إن مسدسه معبأ دائما برصاصة/4 إرهاب ومهيأ للإنطلاق على من يشاء وحينما يشاء
بالرغم من إدعاء النجيفي بأنه يمثل أهل السنة وحامي حماهم، لكنهم في الحقيقة لا حامي لهم في العراق الجديد إلا الله، ونعم بالله. لم يكن للنجيفي موقف مميز إتجاههم خلال السنوات الماضية التي عانوا فيها ما عانوا. حتى بيانات الإستنكار والشجب الي يصدرها تحس كأنها أخرجت توا من جهاز التجميد. وفي زيارته الأخيرة لإيران أبدى من التذلل والخنوع للجنرال السليماني قائد الحرس الثوري الإيراني (الحاكم الفعلي للعراق) ما ينطبق عليه المثل( أذل من السقيان بين الحلائب)، فقد كشف للجميع بأنه لا يمثل سوى نفسه الضالة الشرهة، المتعطشة للمنصب ومزاياه.
أما الكارثة الكبرى فهو رئيس الوزراء نوري المالكي، فهذا الرجل متلون كالحرباء. ما قاله البارحة يعارضة اليوم. وما يقوله اليوم ينكره غدا. مشكلته لسانه فهو مثل لسان الأفعى لا يخرج من فمه إلا ليلدغ. لايثق بأحد ولا أحد يثق به. ليس له من فنون القيادة سوى المحافظة على كرسيه، حتى لو أبيد نصف الشعب العراقي مقابل جلوسه على كرسيه فإن هذا الثمن يرضيه. كأني أرى فيه وصف أبو القسم البغدادي” قرأ كتاب تأخير المعرفة، وكتاب نسيان العلوم، ودرس مجموع نقصان الفهم، أدوا عنه حق الراعي في سوق البقر(أي الثور)، لا يفوته بحمد الله من الجهل الا اليسير”.
من المعروف إن القائد الحقيقي هو الذي يصارح شعبه بالحقيقة مهما كانت مرارتها لأنه يتحمل مسؤولية تأريخية جسيمة، بإعتباره المسؤول المباشر عما يتحقق من النجاحات والإنجازات في حال إتخاذه القرار الصائب، والفشل والإخفاقات في حال إتخاذه القرار الخاطيء. والقائد الحقيقي يظهر في أوقات الشدة والمحن أكثر من أوقات السلام والرخاء. لأن القيادة الحقيقية تولد من مخاض العسر وليس اليسر. وخلال دورتين من الحكم لم يتمكن المالكي من تحقيق إي منجز للعراقيين بإستثناء رفع مستوى التحريض الطائفي وتصعيد الإرهاب والوعود الكاذبة. ولم يلقِ كلمة في الهواء إلا وتزاحمت فيها الشطحات والعثرات. سيما عندما يلقى كلماته في المحيط العشائري أو الطائفي فينسى نفسه كرجل دولة، ويحسب نفسه شيخ عشيرة او مختار العصر، لينطبق عليه قول إبن عباس( الحدث حدثان من فيك ومن فرجك” فالحدثان عنده سواء.
في لقاء عشائري سابق وفي ظل هوسات رجال العشائر في الجنوب ممن شهدنا لهم نفس الهوسات خلال النظام الوطني السابق، تصور نفسه قائد حقيقي في خضم الزهو، وأطلق عبارته الشهيرة(منو اللي راح ينطيها) بمعنى(من الذي سيتخلى عن السلطة!) ضاربا بعرض الحائط كل المقولات السابقة عن الديمقراطية والحرية والشرعية. وفعلا عمل وفق هذه الإتجاه بعد أن إمتطى جحش الدولة الهزيل(القضاء). وفي اللقاء الأخير في مدينة الناصرية أصيب بالإسهال الفموي الشديد مهددا أهل السنة بقوله” أن بيننا وبين هؤلاء بحر من الدم، لأنهم يريدون إعادة العراق كما كان أسيرا بيد قوة ضالة” محاولا أن يلتف على مطالب المتظاهرين متسائلا”هل من المشروعية ارتقاء المنابر وشتيمة أكبر مكون عراقي”. إنه منطق رجل عصابات، وليس رجل دولة يمثل كل شرائح الشعب. لا يختلف حديثه عن بقية الإرهابيين.
يبدو إن الغباء عند المالكي قد وصل الزبى، فالمتظاهرون لم يشتموا المكون الذي يتحدث عنه بل رفعوا رايات الحسين، في الوقت الذي كان أتباعه يرفعون رايات الخميني والخامنئي. ولم يطالب المتظاهرون بعودة النظام السابق، ولم نشاهد من رفع صورة الشهيد صدام حسين ولم نسمع من ردد أقواله الوطنية والقومية. لم يكن المتظاهرون يرفعون كتاب(في سبيل البعث) بل كانوا يحملون(القرآن الكريم) معهم. الدستور الذي طالب المتظاهرون بإلغائه يمثل مطلب المالكي نفسه والعديد من الكتل السياسية التي ترى إنه تضمن الكثير من الثغرات والطلاسم، سيما ما يتعلق بالمحاصصة الطائفية التي يدعي بأنه يرفضها. وإلغاء الدستور لاعلاقة له بعودة التظام السابق إلا من وجهة نظر مختل عقليا أو احمق.
قبل حوالي إسبوع أدرجت مطالب المتظاهرين في جدول أعمال الكتل السياسية لتوحيد الموقف من الأزمة السورية والمالكي أحد أسبابها. ورغم محاولته التملص من الفقرة بالإتفاق مع الشيخ المعمم همام حمودي، لكن مقاطعته من قبل رئيس البرلمان بشأنها إضطره إلى أدراجها. وتبين إن العمل بها كان وفق عقيدة التقية وليس قناعة من المالكي. فقد ذكر في الناصرية إن “المطالب التي يروج لها أصحاب الفتاوى الضالة هي مطالب غير شرعية وتسعى إلى إحباط العملية السياسية”. وقبلها ببضعة أيام قال” نعم نعتز كثيرا ويشرفنا ان نستجيب لكل المطالب التي يتقدمون بها ولكن عبر الطرق السلمية والسليمة في التعبير عن هذه المطالب”. فأين هذه من تلك؟
في(ميثاق الشرف) لمن لا شرف لإستحالة جمع الضدين( العمالة والشرف) تم الإتفاق بين المؤتمرين المتآمرين، على رفض ومنع الخطاب الطائفي التحريضي الذي يقفون هم ورائه بالتعاون مع المرجعية المنفلته التي كانت السبب الرئيس لوصول هؤلاء الأوغاد الى الحكم بعد أن زكتهم وحثت اتباعها على إنتخابهم. وبعد يومين، يومين فقط! يصرح بأن بينه وبين أهل السنه “ بحر من الدم”. لم يجرأ اي زعيم عربي أن يتحدث مع شعبه بمثل هذه الوقاحة والإنحطاط والحقارة، حتى في الحروب التي جرت فيها بحار من الدماء بين الأعداء لم يتحدث أي من القادة بمثل هذه اللهجة العدائية، فكيف مع مواطنيه؟
لماذا بحار من الدم؟
هل هذا منطق حزب إسلامي أم منطق مجموعة من الذئاب المسعورة؟ وهل تبخرت مفاهيم المشاركة الوطنية والتعايش السلمي الذي كان يتشدق به في الخطابات السابقة. هل هي التقية وقد إنتهى دورها بوجود مليون من قوات الجيش والشرطة والأمن والميليشيات الإرهابية تحت امرته؟
لماذا بحار من الدم بدلا من تطبيق القاعدة الفقهية أما إمساك بمعروف أو فراق بإحسان. هل الطبع عند المالكي قد غلب التطبع، فدماء المئات من الشهداء خلال تفجير السفارة العراقية في لبنان عام 1982ما زالت تلطخ يدية القذرتين، فحنٌ إلى الأيام الإرهاب؟
من يشتم الشيعة سيكون بينه وبين المالكي بحار من الدم، فكيف بمن يقاوم النظام مقاومة مسلحة؟ هل ستكون محيطات من الدماء؟
منظر الدم لا يفارق مخيلة مصاصي دماء الشعوب، فهو ديدنهم وغاية مناهم.
جميع وسائل الإعلام الحكومية تهاجم أهل السنة يوميا، علاوة على الخطب التحريضية التي تسب وتشتم الرموز الإسلامية الكبيرة المستمدة أحاديثها من بحار الأنوار، ولم يتحدث أي من زعماء أهل السنة عن بحار الدم!
عمليات الإغتيال والتهجير للسنة تجري على قدم وساق في جنوب العراق، فما الذي قاله القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات وقوات دجلة وسوات والميليشيات، الذي تحت امرته أكثر من مليون عنصر؟ قال إنه “متأسف وحزين لهذه الأفعال”! قالها كأي إنسان لا حول له ولا قوة! وربما قالها تقية والله أعلم ما في النفوس؟
إنها رسالة واضحة المالكي لأهل السنة عموما وللمعتصمين خصوصا، إنهم أمام بحار من الدم! ولم يبقى أمامهم مع هذا الوعيد إلا خيارين: أما أن يعيشوا إذلاء وعبيد أو هي النار والحديد.
لقد إنتهى عصر خطب الجمعة، وعهد أفيون الخطباء، إنه عصر بحار الدم الذي يقوده مختار العصر.