لقد أصاب السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الهدف هذه المرة مئة بالمئة، وشخص درجات الخلل و سوء التقدير بعقلانية راجحة، عندما رفض وبصوت مسموع جدا من داخل النجف، رفض التخندق الطائفي و التعكز على مغالطات تاريخية وتوجسات مذهبية، ما يشكل علامة فارقة بين الحريصين على أخوة المسلمين وبين اللاهثين وراء زرع الفتن في كل مكان.
لقد سبق السيد الصدر غيره من فقهاء السياسة والدين في تحديد ملامح الخلل ومعالجته في ذات الوقت، وقلب الطاولةعلى رؤوس متشددين يزدادون غلوا، بلا وجه حق، ويتعدون حدود الله في كل شيء، مستفيدين من فضاء مفتوح وفرته لهم فوضى الادارة السياسة في العراق، وأسلوب الحكم المحاصصي والتوافقي غير المسبوق، والذي يعجر عن ادارة البلاد عبر اتفاقية” غطيني وأغطيك”.
لقد تقدم السيد الصدر خطوة كبيره في الاتجاه الصحيح عندما دافع بعقلانية راجحة عن الأخوة في العراق ، ورفض التخندق المذهبي الضيق استنادا الى سيناريوهات تاريخية تقبل الرأي الأخر، وهو في ذلك يبعث رسالة سلام عراقية ، ويلغي حالة من الانغلاق التي يوظفها البعض لترسيخ الخلل والفرقة انتقاما من تاريخ شارك الجميع في بناء محطاته، وليس من مكان ل ” فهلوة” المظلومية،ما يتطلب البناء الصحيح على دعوة السيد الصدر والنظر اليها من زاوية القراءة المتأنية لحقيقة ما يجب أن تكون عليه الأمور.
نحن شيعة وسنة لكننا في المقام الأول أبناء العراق العربي، نحن شيعة وسنة لكننا نرفض ابتزاز خصوصية هويتنا وأخوتنا، لقد قالها السيد الصدر بوضوح عندما اشتكى من محاولة ايران وغيرها اعتماد الخيار العسكري, وكأن المطلوب هو القتال بين الشيعة و السنة، لكي تستقر عيون وأهواء الحالمين باستهداف أخوة العراقيين من الداخل.
سيقول البعض ما سر هذا التحول المفاجيء للسيد الصدر وعلاقته بالمتغيرات في المنطقة والخلاف الشخصي مع رئيس الوزراء نوري المالكي، وسيقول أخرون غير ذلك، ولا نستبعد سوء الظن في تقديرات طرف ثالث، لكننا ومن منطلق مساندة أي توجه يخفف من احتقان الهوية الطائفية على حساب الوطنية، وتعدد بوصلات الكثير من السياسيين، نقول أن الاعتدال في كلام السيد الصدر يمثل مطلبا عراقيا تأخر بعض الشيء، لكن المهم أنه وصل في توقيت مناسب، قد يساعد في تمزيق فتيل أزمة يريدها البعض وسيلة للبقاء في كرسي السلطة، حتى لو طفى على نهر من دماء العراقيين.
ان الوسطية والاعتدال وقبلهما العراقية التي دافع عنها بحزم السيد مقتدى، تضعه في المكان المناسب للعب دور أكثر فاعلية في هذه المرحلة الحرجة، لأنه شخص الخلل وضغط بأصبعه على الجرح لكي لا يزداد تدفقا فتنهار القوى و تصعب المعالجات ، واستفز غيره من غير الناطقين ، مثلما سيثير ردود أفعال المتشنجين، وليس ذلك مهما، فالذي تحدث به الصدر عن مرحلة الخلافة واستشهاد الامام الحسين ” ع”، وظروف ما حصل وطرق استغلاله والمستفيدين منها، ذلك يعطي صورة جديدة عن فهم مختلف و عقلانية أكثر في استنباط الحكمة من حقائق التاريخ لا الملحقات به من اضافات محسوبة الثمن!!
لقد كتب السيد الصدر مقدمة خطيرة في قراءة جديدة للتاريخ بشقيه السياسي والديني، بعيدا عن مزاجيات الولاء للطائفة والبكاء حولها، أو خوفا من سقوط تجربة هذا الحزب وانهيار عرش ذاك، ما يتطلب النظر الى هذا الموقف من زاوية النضوج و المعرفة والاستفادة من تزاحم الأحداث ، لتأسيس مرحلة جديدة قابلة للحياة بعيدا عن مغامرات اللاوعي الفردي، اضافة الى وضع سياج آمن يفصل بين مغامرات السياسيين و وحدة العراقيين، وهو بحد ذاته مطلبا جماهيريا لم يفكر به سياسييو الصدفة!!
شكرا للسيد مقتدى الصدر فقد تقدم صفوف العقلانية والوسطية ورمى عن كاهل الملايين مغالطات و تداخل غير مبرر في ترتيب الأحداث ، لقد أنصف الرجل تاريخ الصحابة بلا مزاج معكر عكس غيره، وقال كلمة للتاريخ بحق تسلسل الأحداث من الخلافة الى الاستشهاد ، ومن جمع الحصى في دول الجوار الى عدد الثقوب التي أصابت النوافذ العراقية، وهو بذلك يفجر الغام الفتنة على زارعيها، ويضع السياسيين أمام مسؤوليات أكبر من قدرتهم على تحملها ، في وقت تأن فيه عمليتهم السياسية من جراح اللاثقة، التي قد تفتح الأبواب أمام انقلاب غير دستوري، قد تكون محطته الأولى دعوة المالكي النواب لعدم حضور جلسة برلمانية لمناقشة الخلل الأمني الكبير، انه انقلاب يضع أحلام الكثيرين في مهب الريح ، لأنها أستندت الى حسابات مذهبية أكثر مما هي وطنية، لذلك يخطأ بعضهم في المكان والتوقيت، بينما أصاب فيهما السيد مقتدى الصدر ، فشكرا له مرة ثانية، وليبلع غيره لسان الفتنة المذهبية!!
شاكر الجبوري ; [email protected]