عدنان حسين
من التقاليد الراسخة في الحياة الإعلامية بالدول المستقرة، وبخاصة الديمقراطية، أن تراجع الصحف وسائر وسائل الإعلام حصيلة المئة يوم الأولى من العهد الرئاسي أو الحكومي الجديد في بلدانها.
بهذه الممارسة يقدّم الإعلام خدمة للجمهور بتمكينه من التعرف على نحو أفضل على الرئيس الجديد أو الحكومة الجديدة ورئيسها واستشراف تطور الأوضاع في السنوات الأربع أو الخمس أو الست المقررة لولاية الرئيس أو الحكومة… وبهذه الممارسة أيضاً يقدّم الإعلام خدمة الى الرئيس الجديد أو الحكومة الجديدة ورئيسها بإبداء الملاحظات حيال مواقفهم وسياساتهم في الأيام المئة الأولى، ممّا يساعد الرئيس أو الحكومة الجديدة في معرفة جوانب الضعف والخلل في هذه المواقف والسياسات. وفي الغالب يجري إشراك خبراء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في عملية المراجعة والتقويم هذه.
اليوم هو اليوم المئة في حياة حكومة حيدر العبادي، فكيف بدت لنا هذه الحكومة في مئويتها الأولى؟ وأي نوع من الحكام هو السيد العبادي كما تُنبئ به مواقفه وسياساته؟
لسنا بلدا مستقراً، ولسنا بلدا ديمقراطياً، لتكون المئة يوم كافية لإصدار حكم منصف وعادل في حق السيد العبادي وحكومته، وربما سنحتاج الى سنة كاملة لنفعل مثلما يفعل زملاؤنا الإعلاميون في الدول المستقرة الديمقراطية.
وعلاوة على اننا بلد غير مستقر وغير ديمقراطي فان العبادي وحكومته ورثا تركة ثقيلة للغاية: ثلث البلد يحتله أعتى تنظيم إرهابي، دولة موبوءة بالفساد الإداري والمالي، قوات مسلحة شبه مُلفقة ومهزومة، وخزينة خاوية تماماً.. كل واحدة من هذه تكفي لقصم ظهر بقوة ظهر الماموث.
في منهاج الحكومة وعد العبادي بالعمل على تحقيق ستة أهداف رئيسة: عراق آمن ومستقر، الارتقاء بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطن، تشجيع التحول نحو القطاع الخاص، زيادة إنتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية، الإصلاح الإداري والمالي للمؤسسات الحكومية، تنظيم العلاقات الاتحادية – المحلية.
الهدف الأول من أعوص ما يكون، ومن غير الممكن تحقيقه من دون هزيمة داعش وتحرير البلاد منه ومن خطره الذي سيظل ماثلاً حتى بعد التحرير. والأهداف الأخرى ليست بأهون، خصوصاً وانها مرتبطة من ناحية بأمر الظفر في دحر داحش، ومن ناحية أخرى بمكافحة الفساد الإداري والمالي، فما من خدمات عامة يمكن تأمينها، على سبيل المثال، مع الفساد المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع كافة.
من شدّة ما عانوه من رعب وذل واستهانة بكرامتهم الإنسانية وانتهاك لحقوقهم العامة والخاصة ومن فقر في عهد صدام وفي هذا العهد أيضاً، يريد العراقيون من حيدر العبادي وحكومته الإتيان بمعجزات .. هذا غير ممكن بالطبع، فحكومة العبادي هي ابنة النظام السياسي غير السليم القائم في البلاد والعملية السياسية المبنية على أسس غير متينة.. الاختراقات المطلوبة تحتاج الى إعادة ترتيب النظام السياسي والعملية السياسية وبنائهما على أسس تنبذ تماماً مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية وتستند الى مبادئ المواطنة.
حتى الآن كان هناك عدد من الإشارات الإيجابية من السيد العبادي وحكومته لتوجهات صحيحة، لكن ما نحتاج اليه يتعدى مجرد الإشارات إلى أعمال تعزز الثقة بان التوجه الإصلاحي جدّي ومتواصل.
السيد العبادي توفّر له تأييد داخلي وخارجي غير مسبوق، ومن المفترض أن يسند السيد العبادي ظهره الى هذا التأييد لينتقل بعد مئويته الأولى من مجرد الإشارات الى الأعمال المطلوبة.