لابدّ أنه بدافع من الشعور بالمسؤولية الوطنية، ينشط الوزير السابق د. محمد توفيق علّاوي منذ فترة في تسليط الأضواء على جوانب سلبية في عمل الدولة، وبخاصة ظاهرة الفساد الإداري والمالي الذي زعزع أركان الدولة والمجتمع وأدى إلى سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على ثلث مساحة البلاد، بكلّ العواقب الكارثية المتفاقمة والمتواصلة حتى اليوم لهذه السيطرة، مثلما تسبّب – الفساد – في الإفلاس شبه التام لخزينة الدولة.
د. علّاوي يمارس نشاطه هذا عبر النشر في موقع إلكتروني خاص به وصفحة على موقع التواصل الإلكتروني، فيسبوك، وعن طريق البريد الإلكتروني الى أصدقائه ومعارفه.
الليلة قبل الماضية وصلتني منه رسالة إلكترونية يقارن فيها بين حالتين، الأولى لعالم شاب واعد تلقفته إحدى الشركات الكبرى قبل أن ينتهي من مرحلة الدكتوراه في إحدى الجامعات البريطانية، والثانية لعالم عراقي لم تأبه الدولة إلى اليوم به وبمنجزاته العلمية العظيمة المُقدّرة في العالم. يقول د. علاوي في رسالته:
“تقوم المؤسسات في الدول المتقدمة وبالذات أميركا في كل عام بإرسال وفود تمثل الحكومة والشركات الكبرى الأهلية،حيث يزورون الجامعات المهمة ويطّلعون على أطروحات الماجستير والدكتوراه لمختلف التخصصات. وحدث هذا الأمر معي، حيث كنا نمتلك مع مساهمين آخرين شركة (1st Call) لإخراج وإنتاج البرامج عالية التقنية المدمجة على أقراص الكومبيوتر عند أول اختراعها في أواسط التسعينيات من القرن الماضي في مدينة برايتون البريطانية التي فيها جامعة متميزة بعلوم الكومبيوتر، وكان لدينا مهندس على درجة عالية من الإبداع والتميّز كان علي رأس فريق في الشركة لإخراج فيلم موجّه لطلبة المدارس للتعريف بخطورة وآثار المخدرات، وبعد الانتهاء من إنتاج هذا البرنامج المتميز لصالح وزارة التعليم البريطانية (DfE) طلب هذا المهندس الاستقالة، فلّما سألتُه عن السبب قال بالنص: أنا أرغب بالعمل معكم ولكن عندما كنتُ في السنة المنتهية من دراستي في الجامعة جاءني فريق من شركة أمريكية كبرى، وبعد اطّلاعهم على أُطروحتي الجامعية قدموا لي عرضاً بمعاشٍ عالٍ جداً مع سكن متميز وسيارة وتأمين صحي لي ولعائلتي في حال زواجي ومدارس خاصة لأبنائي إنْ أصبح لي أبناء في المستقبل، وقالوا لي إنّ هذا العرض سيبقى سارياً لمدة سنتين بعد تخرجك، وقد أوشكت السنتان على الانتهاء ولا أريد أن أفقد هذه الفرصة.
يضيف د. علّاوي: هذا ما تفعله الدول والحكومات والمؤسسات التي تحترم نفسها وتحترم العلم وتقدّر العلماء؛ ونحن في العراق نُفرّط بعلمائنا وبالمتميّزين من أبنائنا. هل يُمكن أن يعي المسؤولون هذه الحقائق فيوفّروا اهتمامهم لهذه الفئة التي يُمكن أن تكون النواة الأساسية لتقدم وتطور البلد؟!!!!
يُنهي د. علّاوي كلامه بوضع رابط لتقرير أخباري تلفزيوني عن عالم الكيمياء العراقي – الحلي جليل كريم أحمد الخفاجي الذي أوجد علاجات مبهرة لمشاكل صناعية ولأنواع من مرض السرطان، فيما لم تتكرّم عليه دولتنا حتى بطبع 1000 نسخة من موسوعة علمية رائدة ألّفها بنفسه.
د. علّاوي الذي كان وزيراً للاتصالات ووُجهت إليه، بسبب نزاهته، اتهامات أثبت القضاء بطلانها، كما هي الحال مع زميله د. سنان الشبيبي، لابدّ يعرف كما نعرف أنّ الطبقة السياسية الحاكمة الآن في العراق لا تأبه بالعلم والعلماء.. إنها مشغولة بتعبئة الجامعات بالفاشلين والأغبياء الذين تزجّهم في الدراسات العليا لاعتبارات الكسب السياسي الحزبي، خارجاً عن القواعد والشروط العلمية… إنها تعمل خارج نطاق التغطية العلمية والتربوية.. والوطنية.