عدنان حسين
صورةٌ قبيحة… أليست كذلك؟ .. أعني بها صورتنا المنعكسة من جديد في مرآة منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي هي ثاني أهم منظمة أممية معنيّة بأوضاع حقوق الإنسان في العالم، بعد منظمة العفو الدولية “أمنستي إنترناشنال”.
لكنها صورتنا الحقيقية .. هذا هو واقعنا .. تجميل الصورة لا تحققه الرتوش، من قبيل إخفاء بعض الحقائق أو تلفيق أخرى .. تجميل صورتنا يكون بوقف كل الانتهاكات التي يؤشرها أحدث تقرير لهيومن رايتس ووتش (صدر يوم الخميس).. وبداية الوقف تكون بفضح هذه الانتهاكات، كما تفعل هذه المنظمة وسواها في تقاريرها السنوية والفصلية والطارئة.
أوضاع حقوق الإنسان في العراق تدهورت على نحو لافت في العام 2014.. هذه حقيقة. المنظمات الإرهابية تقتل تذبح وتفجّر عشوائياً.. وهذه حقيقة. داعش يرتكب مجازر ويقوم بأعمال مشينة أخرى لا نظير لها.. وهذه أيضاً حقيقة .. قوات أمنيّة حكومية وميليشيات تروّع المدنيين في مناطق مختلفة بارتكاب جرائم القتل والاعتداء والتهجير .. وهذه حقيقة ثابتة كذلك… السلطات الحكومية تجاوزت كثيراً، بأشكال مختلفة، على حرية التعبير.. هذه حقيقة ناصعة الوضوح أيضاً… النساء تُنتهك حقوقهن وكرامتهن من الجميع: داعش وسائر منظمات الإرهاب والمؤسسات الحكومية والدينية والميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، ويتعرضن لعنف أسري سافر.. وهذه حقيقة راسخة هي الأخرى.
الإنكار لا يحقق شيئاً، وإذا ما فكّر أحدٌ في الحكومة الاتحادية أو في حكومة إقليم كردستان بإنكار الانتهاكات والتجاوزات والمخالفات الواردة في تقرير المنظمة عن حال حقوق الإنسان في العالم في العام 2014، وفي سواه من التقارير المماثلة للمنظمات الوطنية والدولية، فانه كمن يسعى لستر وجهه بينما مؤخرته مكشوفة.. كل ما هو وارد في التقرير نعرفه، بل نعرف تفاصيل صادمة ووقائع موجعة أكثر مما جاء في هذا التقرير.
يجب أن ندرك، وبخاصة أهل الحكم منّا، ان الحقوق ليست منحة ولا هي منّة من أحد .. انها حقوق أصيلة للناس يتعيّن احترامها وتأمينها في كل الأوقات والظروف، ولا مبرّر ولا مسوّغ لانتهاكها.. “الحقوق ليست خطأ في أوقات الأزمات”، كما عنونت “هيومن رايتس ووتش” تقريرها الحالي، و”حقوق الإنسان سبيل للخروج من الأزمات والفوضى”، كما جاء في عنوان آخر للتقرير.
على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة “دايفوس” السويسرية، حرص رئيس الوزراء على الاجتماع بالمدير التنفيذي للمنظمة، كين روث، قبل أسبوع، وكان ذلك عملاً طيباً من السيد العبادي، أعطى به إشارة جديدة الى انه معنِيّ بقضية حقوق الإنسان، ولابدّ ان هذا ناجم عن إدراك بأن المنظمات الحقوقية الدولية يُمكن أن تكون عوناً للسلطات الوطنية في تجاوز أخطائها وأوجه القصور لديها في ميدان حقوق الإنسان وسواها من الحقوق والحريات العامة والخاصة، وإدراك أيضاً بأهمية التواصل، وليس القطيعة، مع هذه المنظمات ومعاونتها في الوصول الى المعلومات التي تحتاج اليها، فهذه المنظمات تضم في الغالب متطوعين مهتمين بإشاعة العدالة والإنصاف في حياة البشر وتقليص مساحة الظلم والجور وانتهاك الكرامة الإنسانية.
لا نريد تصريحات حكومية تحاول إثبات ما لا سبيل لإثباته ولا نفع في محاولته .. بل نريد مواقفَ وأعمالاً تؤمّن الحقوق وتصون كرامة البشر.