عدنان حسين
في البلاد الأخرى التي نصنّف نفسنا في عدادها، أعني ذات الأنظمة الديمقراطية، لو حدث أمر كهذا لقامت الدنيا ولم تقعد أبداً حتى يتراجع أصحاب القرار عن قرارهم ويعتذروا أو تستقيل الحكومة بأكملها وتعلن موعداً لانتخابات برلمانية جديدة، والسبب ان الدولة في تلك البلاد تحترم نفسها ومواطنيها بخلاف الجاري عندنا تماماً.
وما حدث عندنا في الأيام القليلة الماضية مما يمكن ان يقيم الدنيا في البلاد الأخرى ذلك ان الطبقة السياسية المتنفذة قامت بتوزيع جديد لرئاسات الهيئات الموصوفة بانها مستقلة، وهي ليست كذلك ولم تكن كذلك في الواقع.
جاء في الاخبار ان رئاسات هذه الهيئات، وعددها 21 هيئة، قد وُزّعت على “المكوّن الشيعي” بواقع 10 هيئات و”المكوّن السني” 6 هيئات و”المكوّن الكردي” 5 هيئات.
الخطوة التالية المنتظرة تشكيل مجالس هذه الهيئات.. عملية التشكيل ستُطبّق فيها الآلية نفسها فالمكوّن الشيعي سيحتل نسبة مماثلة من مقاعد هذه المجالس وكذا المكوّن السني والمكوّن الكردي.
لا يفكرنّ أحد بان رئاسات هذه الهيئات، وكذا عضوية مجالسها، سيكون العامل المهني هو الأساس في تشكيلها، أي ان المكوّن الشيعي قد اختار أفضل كفاءاته لشغل المناصب العشرة والمكوّن السني فعل الشيء نفسه وكذا المكوّن الكردي.. أبداً، أبداً، هذا لن يحصل ولم يحصل في الماضي.. “المكوّن الشيعي” سيوزع رئاسات “هيئاته” على احزابه وهذه ستختار ممثليها ليس على وفق الكفاءة والخبرة والتأهيل الأكاديمي وإنما على وفق قرب رئيس الهيئة من زعيم الحزب أو سائر أعضاء القيادة .. أحد افراد العائلة، نسيب، نصير أو موال..
هذه المعادلة اللعينة نفسها ستُطبّق على أعضاء مجالس الهيئات. أي اننا في النهاية سنكون بإزاء هيئات حزبية مئة بالمئة لا علاقة لها بأي شكل من أشكال الاستقلال.. وبالطبع فان رؤساء الهيئات واعضاء مجالسها سينفّذون اجندات الأحزاب وزعماء هذه الأحزاب والمتنفذين فيها أصحاب “الفضل” في تعيين رؤساء الهيئات وأعضاء مجالسها في مناصبها التي تعني رواتب عالية وامتيازات تعادل امتيازات الوزراء ووكلاء الوزارات والمدراء العامين.
قضية التعيينات في الهيئات الموصوفة بانها مستقلة هي نقطة في بحر الفساد السياسي في دولتنا، فهناك الآلاف من المناصب (وكلاء وزارات ورؤساء مؤسسات ومدراء عامون وقادة في الجيش والشرطة والأمن وسفراء وقناصل) التي ستمر بالآلية نفسها.. المناصب تتوزع على المكونات، والأحزاب التي تحتكر تمثيل هذه المكونات تتقاسم المناصب في ما بينها فتوزعها على الأقارب والأزلام والموالين. وعلى هذا تكون دولتنا كلها عبر مناصبها الرئيسية والثانوية في ايدي ممثلي الأحزاب الحاكمة واقاربهم والموالين لهم، وهؤلاء في الغالب لا كفاءة لديهم ولا خبرة، وبعضهم لا يحمل حتى الشهادة الجامعية الأولية (بكالوريوس)، بل إن عدداً غير قليل من هؤلاء يعمل بوثائق وشهادات مزورة، فيما الغالبية العظمى من أصحاب الكفاءات والخبرات والشهادات العالية من العلماء والاختصاصيين سيبقون خارج الحسبة!
ما أهنانا في دولتنا! .