اشرت مهلة الاربعين يوما التي منحها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لقوى الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، الى عمق وخطورة الازمة السياسية التي يواجهها العراق بعد مرور مايقارب الستة شهور على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي اريد لها ان تكون مخرجا مناسبا للواقع المتأزم في البلاد، فاذا بها تزيد الامور تعقيدا وتأزما.
وفيما قاله الصدر في بيان مهلة الاربعين الذي حدده ببداية شهر رمضان وحتى العاشر من شهر شوال، اي بعد عيد الفطر بأيام قلائل، “لأجل أن لا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية وغيرها، أمنح الثلث المعطل (الإطار التنسيقي) فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء، لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية، وان الفرصة ستكون من أول يوم رمضان حتى التاسع من شوال المقبل”.
واكثر من ذلك وجه الصدر اعضاء الكتلة الصدرية بالتزام الصمت الكامل خلال المهلة المحددة، فضلا عن عدم الدخول والمشاركة في اي حوارات او اجتماعات او مباحثات سياسية تتعلق بتشكيل الحكومة.
جاءت مهلة زعيم التيار الصدري بعد اخفاق التحالف الثلاثي(انقاذ وطن) المؤلف من التيار الصدري،، وتحالف السيادة بزعامة كل من رئيس البرلمان محمد الحبلوسي وخصمه السابق خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، من تأمين اغلبية ثلثي اعضاء البرلمان العراقي البالغ عددهم 329 نائبا لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بعدد ان نجح الاطار التنسيقي في حشد وتامين الثلث المعطل. وهذا يعني ان الصدر ما كان له ان يقدم على تلك الخطوة لو نجح مع حلفائه في تمرير مرشح الحزب الديمقراطي ريبر احمد لرئاسة الجمهورية ومن ثم تكليف او تسمية سفير العراق الحالي في المملكة المتحدة محمد جعفر الصدر لتشكيل الحكومة الجديدة. ولانه ادرك ان الامور ستبقى تدور في حلقة مفرغة، في ظل اصراره على تشكيل حكومة اغلبية وطنية مقابل عرقلة قوى الاطار التنسيقي لمساعيه، لذا قرر القاء الكرة في ملعب الاخير، مع وجود قناعة كاملة لديه بأنه-اي الاطار التنسيقي-لن يحقق شيئا خلال مهلة الاربعين، اما لانه لن ينجح هو الاخر في تأمين اغلبية الثلثين، وسيواجه بثلث الصدر المعطل، او لانه سيظل متمسكا بخياره المتمثل بتشكيل حكومة توافقية يشارك فيها التيار والاطار بعد اعلان الكتلة الاكبر من قبلهما، لينبثق منها رئيس الوزراء المقبل والبرنامج الحكومي للحكومة المرتقبة، وبما يضمن حق المكون الاكبر في الامساك بزمام العملية السياسية.
ولان قوى الاطار تدرك هي الاخرى، ان المشهد معقد وشائك، ومن الخطأ ان تسير بنفس الطريق الموصد الذي سار فيه الصدر مع حلفائه من السنة والاكراد، لذلك فهي راحت تتحرك لكسر الجمود بما يفضي الى حلحلة الموقف المتصلب للصدر، من خلال التواصل مع مختلف الاطراف وفي مقدمتهم الصدريين وحلفائهم السنة والاكراد، اذ تم تشكيل لجنة خماسية من الاطار وتحالف عزم المنشق عن جماعة خميس الخنجر، والاتحاد الوطني الكردستاني ومجموعة المستقلين، وتحالف بابليون الذي يمثل المكون المسيحي. كذلك عبر طرح المبادرات التوفيقية، كما هو الحال مع مبادرة النقاط التسع التي اعلنها رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم في خطابه الاسبوع الماضي بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة عشرة لرحيل والده رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السابق السيد عبد العزيز الحكيم.
وبينما يعول الاطار على عامل الوقت لحلحلة العقد والخروج من عنق الزجاجة، تداولت وسائل الاعلام المحلية تصريحات لقيادي في التيار لم يفصح عن هويته، كشف فيها “ان زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، ابلغ حلفاءه في تحالف إنقاذ وطن بعدم نيته الذهاب الى المعارضة، والمضي بمشروع تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، وانه سيكمل هذا المشروع بعد انتهاء مهلته الأربعين يوما التي منحها للاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة المقبلة، وان السيد الصدر يدرك عدم قدرة الإطار على تشكيل أي حكومة دون مشاركة ودعم التيار الصدري، ولهذا هو سيكمل التحرك نحو تشكيل الحكومة بعد عيد الفطر”.
وطبيعي ان هذا المسار، يقتضي حدوث متغيرات من شأنها اضعاف او تفكيك قوى الاطار التنسيقي بالشكل الذي يفضي الى خروج اطراف منها وانضمامها الى التحالف الثلاثي حتى يذهب بأغلبية الثلثين الى البرلمان ويمرر مرشحه لرئاسة الجمهورية، بيد انه حتى هذه اللحظة لاتوجد مؤشرات بهذا الاتجاه، بل ربما العكس هو الصحيح.
فحلفاء الصدر، سواء السنة او الاكراد، مازالوا مقتنعين الى حد كبير بأن المخرج المناسب والممكن للازمة هو بتوافق وتفاهم التيار مع الاطار، لانهم حتى وان نجحوا في تأمين اغلبية الثلثين، لايريدون ان يفرطوا بعلاقاتهم الايجابية مع بعض -او اغلب قوى الاطار-لما تشكله تلك الاطراف من ثقل سياسي وميداني، ولما تملكه من امتدادات اقليمية مهمة، ناهيك عن ان ذهاب الاطار الى المعارضة رغما عنه سيجعل الحكومة ضعيفة وهشة وعرضة للانهيار، وبالتالي لن يكتب لها البقاء طويلا.
هذا من جانب، ومن جانب اخر، فأن المواقف والاتجاهات المتغيرة للصدر، قد تخلق حالة من التردد لدى حلفائه السنة والاكراد، تجعلهم يترددون في السير معه فقط وترك اطراف المكون الشيعي الاخرى، لاسيما وانه لم يتبنى مواقف ايجابية واضحة لصالحهم، وخصوصا بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، التي تؤكد مصادر خاصة، بأن زعيمه مسعود البارزاني، ابدى استياء وامتعاضا كبيرا من التعاطي السلبي للصدر حيال قرارات المحكمة الاتحادية العليا بمنع القيادي في الحزب هوشيار زيباري الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وثم قرارها ببطلان قانون النفط والغاز الخاص بأقليم كردستان، وبعد ذلك القصف الصاروخي للحرس الثوري الايراني على مواقع في مدينة اربيل، قيل انها عبارة عن مقرات لجهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد).
وبالنسبة لتحالف السيادة، فأن عدم دخول زعيم التيار الصدري على خط الخلافات الحادة بين رئيس البرلمان محمد الحبلوسي ونائبه الاول القيادي في التيار حاكم الزاملي بشأن توزيع الادوار والصلاحيات والمهام، احدث حالة من اللغط والتذمر، لاسيما وان الحلبوسي اوصل رسائل الى الصدر يطالبه فيها بالتدخل قبل ان تستفحل الخلافات مع الزاملي وتنعكس سلبا على وحدة وتماسك التحالف الثلاثي.
وهناك جانب اخر يعبر عن “ازمة” التحالف الثلاثي، يتمثل في افتقاد اطرافه للمحورية والتأثير الكافيين في فضاء المكونات التي تنتمي اليها. فالتيار الصدري، وان نجح في الحصول على ثلاثة وسبعين مقعدا من مقاعد البرلمان في انتخابات العاشر من تشرين الاول-اكتوبر الماضي، محرزا المركز الاول بفارق كبير عن صاحب المركز الثاني في اطار المكون الشيعي، المتمثل بأئتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، الا انه عجز حتى الان عن توجيه دفة السفينة بالشكل والاتجاه الذي يراه مناسبا وصحيحا، هذا في الوقت الذي تتحدث بعض الاوساط والمحافل السياسية عن تبلور قناعات لدى قيادات من التيار الصدري، بأن الخيار الاخير سيكون بالذهاب الى التفاهم والتوافق ولو بالحد الادنى مع قوى الاطار.
وقد لايكون الحزب الديمقراطي الكردستاني افضل حالا، بعد ان تعرض لصدمات متلاحقة خلال فترة زمنية قصيرة لم تتعد الثلاثة شهور، ناهيك عن اخفاقه في استمالة الاتحاد الوطني الكردستاني، واقناعه بالحل الوسط فيما يتعلق بترشيح رئيس الجمهورية، رغم ما يعانيه الاتحاد من ضعف وارتباك وتشتت قياداته المخضرمة.
اما بخصوص تحالف السيادة، فهو في وضع لايحسد عليه في خضم الحملات المحمومة من قبل جهات سياسية وعشائرية في محافظة الانبار، التي تعد مركز ثقل الحبلوسي، ضد الاخير، حتى وصلت الى تدخل الامارات من اجل احتواء الموقف ورأب الصدع بين اطراف النزاع، بيد انها فشلت في ذلك، رغم قيامها بترتيب لقاء بين الحبلوسي ورئيس مجلس الصحوات المقيم في دبي الشيخ احمد ابو ريشة. وقد بلغت الازمة مستوى خطيرا، حينما وجه كل من الشيخ سطام ابو ريشة نجل الشهيد الشيخ ستار ابو رشيه، والشيخ علي حاتم السلمان “اتهامات علنية للحلبوسي والخنجر وبعض انصارهم بتورطهم بالارهاب ودخول تنظيم داعش الى الانبار، ومتاجرتهم بدماء ابناء السنة، وسرقة اموال النازحين، وتوعدوا بالتصدي لمحاولاتهم إعادة المحافظات السنية الى زمن المنصات التكفيرية والارهاب”.
ليس هذا فحسب، بل ان هناك تسريبات تقول بأنشقاق عدد من نواب تحالف السيادة وانضمامهم الى تحالف عزم، وهذا يعني ارتفاع عدد نواب الاطار التنسيقي في مقابل تراجع عدد نواب التحالف الثلاثي، في حال صحت تلك التسريبات.
ويبدو ان الحلبوسي الذي نجح في البقاء متربعا على كرسي رئاسة البرلمان لاربعة اعوام اخرى، تاركا الفرقاء يتصارعون على رئاستي الجمهورية والوزراء، بات مهددا هو الاخر بفقدان الرئاسة، سواء جراء تفاقم تصدعات وخلافات المكون السني الموجهة في مجملها ضده وضد تحالف السيادة، او عند الذهاب الى اسوأ الخيارات، المتمثل بحل البرلمان، كما راح يلوح بذلك البعض، وهو امر غير مستبعد فيما لو بقي زعيم التيار الصدري متشبثا بمواقفه من دون ان يتمكن من التحرك الى الامام.
وبهذا الصدد يقول النائب السابق في البرلمان العراقي هوشيار عبد الله في تغريدة له على على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) “بما أن هذه الدورة البرلمانية انجزت فقط انتخاب رئاسة البرلمان، ونظرا للحساسية الكبيرة وعدم التوافق بين الرئيس والنائب الاول، فمن الضروري ان تشمل مفاوضات الكتل إعادة انتخاب رئاسة المجلس مرة أخرى”، متساءلا، “تحالف انقاذ وطن إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على إدارة البرلمان كيف سينقذون الوطن؟!”.
في حين يرى يرى رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، “ان التحالف الثلاثي يعيش شهر عسل، وهو حالة الاهتمام بتشكيل الحكومة، لكنه لم يخض تحديات مشتركة ليظهر تماسكه مثل القضايا الحساسة والمنطقية، واذا نجح بتشكيل الحكومة فكيف سيواجه القضايا البنوية والمحورية؟”.
والملفت انه كلما بدا ان الاطار التنسيقي يقترب من حلحلة العقد المستعصية، عاد السيد الصدر ليؤكد ويشدد على خيار حكومة الاغلبية الوطنية، فقبل حوالي اسبوعين غرّد مخاطبا قوى الاطار، “لن أتوافق معكم، فالتوافق يعني نهاية البلد، لا للتوافق بكل أشكاله.. فما تسمونه بالانسداد السياسي أهون من التوافق معكم وأفضل من اقتسام الكعكة معكم، فلا خير في حكومة توافقية محاصصاتية”.
وفي ظل ذلك المشهد القاتم الملبّد بسحب التشاؤم، يمكن التأشير الى ثلاثة مسارات لكسر الجمود. الاول يتمثل بحصول تراجع مفاجيء للصدر والقبول بمبدأ التوافق وفق اشتراطات جديدة، والثاني يتمثل بتدخل المرجعية الدينية، علما ان هناك محاولات من قبل بعض الاطراف لدفعها لقول قولتها، خصوصا وانها غالبا ما تتدخل حينما تصل الامور الى النقاط الحرجة والمنعطفات الخطيرة، وقد يتداخل هذين المسارين ليجنبا البلد خيار الانسداد والذهاب الى المجهول، اما المسار الثالث فهو حلّ البرلمان والذهاب مجددا الى صناديق الاقتراع، وهذا لن يقرره الا الكبار بعد ان تنغلق امامهم كل ابواب الحوار!.