ضاع العرب في متاهة فلسطين

ضاع العرب في متاهة فلسطين
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

ضعف النفوذ العربي في المسألة الفلسطينية منذ أن وقّع الفلسطينيون اتفاق أوسلو فصاروا الطرف الوحيد المعني بالمسألة. غير أن ذلك لم يمنع العرب من مد يد العون المستمر لهم في كل الأحوال. فلا أوسلو ولا طريقة تفكير الفلسطينيين فيه باعتباره حلا ثبت فشله يمكن أن يخلقا أسلوبا عربيا جديدا للتفكير في فلسطين، باعتبارها قضية العرب الأولى أو قضية القضايا. في المقابل فلا شعارات تحرير فلسطين التي رفعتها الأنظمة السياسية العربية التي قضت نحبها كانت كاذبة ولا المقاربة بينها وبين الواقع كانت حقيقية.

لقد اندفع العرب وراء عواطفهم الصادقة غير أنهم ركبوا عبر سبعين سنة قوارب مطاطية مثقوبة. وهو ما جعل المسافة التي تفصل ما بينهم وبين قضيتهم الأولى تتّسع وينأى السلوك الواقعي عن الهدف. ذلك ما دفع الفلسطينيين في لحظة يأس إلى التورط في أسوأ الحلول. لقد استغرب المفكر الراحل إدوارد سعيد كيف قبل إخوته في منظمة التحرير التوقيع على اتفاق أوسلو بعد أن عُرضت عليهم حلول أفضل.

هناك اليوم صراخ عربي يضفي على الواقع الكثير من العبث حين يذهب مطلقوه إلى هجاء العرب لمناسبة ما تتعرض له غزة وأهلها من عمليات إبادة إسرائيلية، كما لو أن العرب كانوا مسؤولين عمّا انتهت إليه الأوضاع هناك. وفي ذلك نوع من خلط الأوراق، الهدف منه تجييش الضحايا في حرب ضد العرب وإعفاء الطرف الفلسطيني ممثلا بسياسييه من أيّ مسؤولية.

الحقيقة تقع على الجانب الآخر تماما. قبل غزة لم يكن للعرب حضور في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية التي استندت إلى اتفاق أوسلو. بعدها لم يكن للعرب يد في انفصال غزة عن فلسطين التي صارت تُسمّى أراضي السلطة الفلسطينية. ما يعنينا هنا وغزة تواجه مصيرا كارثيا أن العرب لم يكونوا على علاقة بـ”حركة حماس” التي استولت على غزة وجعلتها ملعبا لمغامراتها.

ما يُقال عن علاقة دولة قطر بالحركة المذكورة هو شأن عقائدي لا علاقة له بالعرب، دولا وشعوبا ولا علاقة له بفلسطين أيضا. كانت علاقات قطر ولا تزال بحركة حماس تتم برعاية إسرائيلية. ما فعله الفلسطينيون حين وقّعوا اتفاق أوسلو شيء وما كان يفكر فيه العرب، سواء عن طريق أنظمتهم “الثورية” وأنظمتهم “المحافظة” هو شيء آخر. وليس خافيا على أحد أن كثيرا من الوقائع المأساوية التي تعرضت لها الشعوب العربية كان مرتبطا بالحماية الغربية لإسرائيل. يقف انهيار العراق في مقدمة تلك الوقائع.

في المقابل فإن ما حدث ويحدث في غزة بعد انفصالها شيء وطريقة تفكير الفلسطينيين في الخروج من مأزق أوسلو شيء آخر. شيء مختلف تماما. ذلك لأن غزة ومنذ انفصالها صارت تُدار من قبل تنظيم مسلح لا يخجل من إعلان ولائه لإيران. جزء من فلسطين صار يُدار من قبل إيران. قادة حماس الذين يقيمون في قطر لا ينكرون ذلك.

ارتمت حركة حماس في أحضان إيران. وهي تنفّذ فقرات أجندة إيرانية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية التي نجح الإيرانيون في طيّ أوراقها في العراق وهو البلد الخاضع لهيمنتهم. أما المغامرات الإيرانية التي ينفذها الحوثيون في البحر الأحمر فهي ليست سوى محاولات لتذكير الولايات المتحدة بضرورة العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي.

لم يتخل العرب عن فلسطين حتى اللحظة. كانت ولا تزال قضيتهم. غير أن ما حدث لهم بسببها قد أدى إلى انهيارات قوية وعاصفة في الحياة العربية. سقطت أنظمة سياسية وفقدت دول هويتها وتاهت شعوب بين مللها ونحلها وتمزق نسيج مجتمعات لم تعد قادرة على العيش الآمن والمستقر. أما الإنسان العربي فإنه اليوم في أسوأ أحواله.

“فلسطين هي السبب” لم يقلها العرب من قبل لأنهم يخشون أن يفهمها الفلسطينيون خطأً. ولكنها الحقيقة التي لا شيء فيها يدين الفلسطينيين. لقد انتهت فكرة النهضة العربية منذ قيام إسرائيل.كل الأنظمة الثورية التي أقيمت على أنقاض نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 دمرت باسم فلسطين أسباب الحياة حين عسكرتها وجعلت منها مَسْخًا. لقد وجدت الأنظمة الثورية العربية شرعيتها من خلال فلسطين ووضعت ثروات الدول التي قُدّر لها الاستيلاء على الحكم فيها في خدمة قضيتها غير أنها كانت تمشي في الطريق الخطأ. لذلك فإن توجيه اللوم إلى العرب ما هو إلا نوع من الشماتة التي لا تصنع أثرا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *